عبدالرحمن مراد
عرفت الأستاذ هشام علي عن قرب ، وتعينت نائبا له في مجلة الثقافة من قبل الوزير السابق الدكتور عبدالله عوبل، فاقتربت منه أكثر ، وكنا كثيرا ما نخوض في نقاشات عدة، منها الثقافي ومنها السياسي، ومنها الاجتماعي، وقد لا حظت أنه يسمع أكثر مما يقول في البعد السياسي ولكنه يتداخل معك بقوة حيث، تخوض غمار نقاش ثقافي، لقد تحمل هموم المثقف وناقش إشكاليته مع واقعه ومع الآخر وربما أخذ موضوع الآخر بعدا أكثر في اشتغالاته واهتماماته فنجده كتب عن ” شرق رامبو.. عدن والحلم الشعري” وكتب عن مشروع إدوارد سعيد في تفكيك الثقافة الامبريالية كرؤية استبصارية تكتشف أدغال المجهول ومواضع الاختلاف بيننا وبين الآخر وهي قضية جوهرية كان لابد أن تأخذ بعداً اشتغاليا مركزا في ثقافتنا العربية لكننا كعادتنا نحن العرب نهمل الجوهري ثم نذهب إلى الهامشي كي نحوطه بالعناية والرعاية والنقد والتشذيب ومثل ذلك من معائبنا نحن العرب، ولعل الاستاد هشام علي كان يدرك جوهرية مثل هذه القضايا ولكنه لم يكن يعمل على الترويج لها كما ينبغي ويكتفي أن يضع الإشارات على الطريق وله مبرراته في ذلك، فالواقع لم يكن قابلا لتقبل الآخر ، ولم يكن مهيئا بعد لقبول الحوار الحضاري والثقافي فالتصورات التي تستند على النص المتحكم في حركة العقل كانت حاضرة بقوة المستبد والقاهر الذي يشعر بهزيمة العقل في مقابل النقل في معركة الوجود والتي بدأت تباشيرها مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي مع انهيار المنظومة الاشتراكية وتبعات ذلك وأثره الذي ترتب عليه.
تعددت اهتمامات الأستاذ هشام علي النقدية بين النقد الثقافي والنقد الادبي وله عدد من الكتب التي نشرت والتي لم تنشر وهو في جل مشروعه الثقافي يقترب من القضايا الجوهرية وفي أبرز ملامح مشروعه المنجز يناقش موضوع الأنا العربية مع الآخر المغاير ولذلك نجده في كتابه ” إشكالية المثقف والغرب في الرواية العربية .. موسم الهجرة إلى الشمال نموذجا ” يبرز هذا الأمر فهو يقول في مدخل الكتاب : “أسئلة الغرب تثير أسئلة أخرى متعددة، أسئلة الهوية، وأسئلة العلاقة بين الذات هي أول هذه الأسئلة بيد أن سؤال الأنا ظل مؤجلا في برامج النهضة العربية، فقد غلبت أفكار الأصالة والتأصيل، القائمة على تقوية الذات في مواجهة الآخر، لم تقم قراءة نقدية للانا للتراث وللثقافة العربية في العصور السابقة، على العكس تحولت الأصالة أو الذات إلى ملجأ ومأوى، نسعى اليه كلما دهمتنا صدمة الحداثة وشاغلنا فكر الآخر بأسئلته، فنذهب نفتش في مخطوطاتنا وتراثنا عن جذور قديمة، تبين أن قصب السبق لنا في كل شيء.
لقد واجهنا المركزية الغربية المقتحمة لثقافتنا بمركزية ضيقة حول الذات، غذت عزلتنا عن العالم وأفرزت تأخرنا” وفي الكتاب الذي اسلفنا ذكره حاول من خلال تشريح العمل الروائي للروائي السوداني الطيب صالح تشريح الإشكالية كما يفرزها الصراع الدرامي في المتن الروائي فناقش إشكالية الهوية إذ يرى ترابطا جدليا في فكر النهضة بين تحديد الانا وتحديد الآخر ويرى الغياب الواضح للمفهوم وللمعنى، فهو يتحدث عن الذات داخل حدود الآخر أي حدوده المعرفية والذهنية، فالشيخ والليبرالي وداعي التقنية- في سياق المتن الروائي- يجيبون بصورة مختلفة عن سؤالهم الوجودي ذلك أن الشعوب التي لا تشعر بوجودها ينبغي أن تبوح بما لديها من أفكار والسرد هو وسيلتها لتأكيد هويتها الخاصة وتاريخها الخاص.
يقول الكاتب: ” كان سؤال الهوية ينطلق من معطيات الاتصال والثبات ولم يقم على إمكانية الاختلاف والمغايرة، وحتى حين اصطدمنا بالغرب والتحدي الغربي لم تنشأ معرفة مختلفة بل رحنا نبحث عن صور التماثل والتشابه بحثنا في ثقافة الآخر الغربي عن المتماثل مع ثقافتنا، لنبرر ثقافة النسخ والنقل التي سادت في تجارب النهضة والحداثة ” ويرى الكاتب في رواية” موسم الهجرة للشمال ” والتي هي موضوع بحثه وتحليله، أنها عبرت عن مرحلة انتقال في الوعي العربي أو في موقف المثقف العربي من الغرب، كما عبرت- وفق رأي الكاتب – عن التحول في موقف الروائي العربي من الغرب، فرحلة مصطفى سعيد بطل موسم الهجرة تختلف كثيرا عن رحلة أبطال الروايات الأولى مثل ” عصفور من الشرق ” و” الحي اللاتيني ” و” قنديل أم هاشم” معللا رأيه بالعامل التاريخي، وبضعف البدايات للفن الروائي وأيضاً بالعامل السياسي المستبد.
ويرى الكاتب أن تطور الفن الروائي ارتبط بعدة عوامل لعل أهمها حركات التحرر السياسية التي كانت تعبيرا عن الهويات الوطنية واستجابة لها، ويرى في الروائي المصري نجيب محفوظ تعبيرا عن ذلك التطور الذي شهدته الرواية العربية.
وبعد تجواله في عوالم الرواية والعوالم النقدية التي تناولتها بعد صدورها يخلص الكاتب إلى القول : ” إن الفشل ينتج عن إشكال مركب للهوية وللآخر ازدواج اللسان والقيم والعاطفة والحب هذه الأوضاع التاريخية الإشكالية التي يكتسبها الإنسان العربي أو يرثها في خارطة جنباته يحملها معه حيثما ذهب، وتجره للهزيمة والفشل مهما كان ناجحا ومنتصرا كفرد، أبطالنا منكسرون، يدخلون التاريخ بقيود العجز وأثقال كثيرة اكتسبوها من إشكالي ولم تحسم اسئلته المصيرية عند بدء النهضة أو عند مرحلة التحرر من الاستعمار.