الجرائم السعودية في اليمن من منظار القانون الدولي
علي ابراهيم مطر
4 سنوات تشارِفُ على الانتهاء من عمر العدوان الذي تشُنُّه السعوديّةُ على اليمن، ولا يزالُ نظامُها الذي بدأت تنخَرُه الأزماتُ متعطشاً للدماء ومشاهد القتل.
لم تتركِ السعوديّةُ مذ بدأت بعدوانها على صنعاءَ سلاحاً محرّماً متواجداً بين يديها إلا واستخدمته، مستعرضةً بذلك وحشية لم يسبقها إليها إلا داعموها في واشنطن و”تل أبيب”. ووفق تأكيداتِ تقاريرَ عدةٍ، من بينها تقاريرُ صادرة عن منظمة هيومن رايتس واتش، فقد تم استخدامُ اليورانيوم والفسفور والقذائف الفراغية والقنابل العنقودية من قبل آلة الحرب ضد المدنيين العُزّل الذين جُلُّهم من النساء والأطفال. وبذلك تنتهك السعوديّة قواعد القانون الدولي وحقوق الإنْسَان، وتظهر مدى إجرامها وعنفها وإفراطها باستخدام القوة، دون أي حسيب أَو رقيب من قبل الأمم المتحدة التي من المفترض هي الحريص الأول على تطبيق القانون الدولي الإنْسَاني.
خرقُ القوانين الدولية التي تحظُرُ استخدام الأسلحة المحرّمة
يدفعُ عدمُ الاهتمام الأممي بما تقومُ به السعوديّة من مخالفاتٍ جسيمة بحق الشعب اليمني، إلى الحديث مجدداً عن المعاهدات والاتّفاقيات التي تخالفها الرياض، حيث يعتبر استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، خرقاً لإعلان سان بطرسبرغ لعام 1868م الذي حظر استخدام القذائف المتفجرة، وبالإضافة إلى اتّفاقية ” لاهاي” لعام 1907م (التي تهدف إلى وضع قيود على استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة)، خاصةً المَـادَّة 23 التي تحظر قصف وتدمير الممتلكات العامة والخاصة. كذلك فإنه ينتهك المَـادَّة 25 التي حظرت مهاجمة أَو قصف المدن أَو القرى والمساكن والمباني غير المحمية أيًّا كانت الوسيلة المستعملة.
من خلال هذا الاستخدام المفرط للأسلحة، وخاصة المحرّمة منها، فإن السعوديّة تنتهك بروتوكول جنيف بشأن حظر استعمال الغازات السامة لعام 1925، واتّفاقية منع استخدام الأسلحة الكيماوية، واتّفاقية أوسلو لمنع استخدام بعض الأسلحة.
ولم تراعِ السعوديّةُ مبدأَ الضرورة في اللجوء إلى استعمال القوة والحل العسكريّ في استهداف المنازل السكنية بأطنان من المتفجرات، كما لم تحترم مبدأ التقيّد بحدود دولية معينة لاستعمال وسائل القتال وموجب تحييد المدنيين.
بالإضافة إلى ذلك، فقد انتهكت السعوديّةُ بحجم السلاح المستخدم وخطورته، المَـادَّةَ 55 من بروتوكول جنيف الأول الملحق باتّفاقيات جنيف لعام 1977 التي حظرت استخدام أساليب أَو وسائل القتال التي يقصد بها أَو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر ببقاء السكان والموارد البيئية، عدا عن خرقها اتّفاقية جنيف الرابعة 1949م المتعلقة بحماية المدنيين أثناء الحرب.
وانتهكت السعوديّة اتّفاقية الأمم المتحدة لعام 1980م بشأن حظر أَو تقييد بعض الأسلحة التقليدية، فضلاً عن إعلان لاهاي لعام 1899 حول الغازات الخانقة، وقد حظَرَ القانونُ الدولي الأسلحةَ السامة، والقذائف القابلة للانفجار أَو الحارقة التي يقل وزنها عن 400غ، والقذائف المتفجرة القابلة للانتشار أَو التمدد في الجسم أَو القذائف دم دم، والأسلحة الكيماوية والجرثومية والنووية، والأسلحة التي لا يمكن الكشف عن شظاياها في الجسم بأشعة اكس، والأسلحة الحارقة والأسلحة الموجهة بواسطة طاقة معينة أَو أشعة.
كما اخترق العدوان اتّفاقية حظر استحداث وإنتاج الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) وتدمير هذه الأسلحة، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1971، وكذلك اتّفاقية حظر استحداث أَو تخزين أَو إنتاج واستعمال الأسلحة الكيمائية وتدمير تلك الأسلحة.
لم يكتفِ العدوانُ السعوديّ باستخدام الأسلحة للقتل المباشر، بل إنه استخدم الأسلحة غير المباشرة للقتل، مثل القنابل العنقودية التي تحرمها اتّفاقية حظر استعمال القنابل العنقودية (اتّفاقية الذخائر العنقودية) التي تم توقيعها في 3 كانون الأول من عام 2008 في اوسلو. وهذه القنابل هي من الأسلحة غير الإنْسَانية التي يحرمها القانونُ الدولي؛ لأَنَّها تفتك بالبشر، فهي أسلحةٌ عشوائية لا تميز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكريّة، ودعت إلى تحريمها الكثير من الدول في عدة مؤتمرات دولية عقدت لهذا الخصوص، كان من أهمِّها المؤتمرُ الدولي الذي عقد في العاصمة الايرلندية دبلن بتأريخ 28 مايو/ أيار 2008، وكان مقدمة لاتّفاقية حظر الأسلحة العنقودية، التي حظرت استخدام هذه القنابل، حيث نصت المَـادَّة الأولى منها على أنه يحظر إنتاج وتخزين واستعمال ونقل كافة الذخائر العنقودية تحت أي ظرف بما فيها النزاعات الدولية وغير الدولية. كما يحظر مساعدة وتشجيع أَو حثّ أيٍّ كان على المشاركة في أي نشاط محظور بموجب هذه الاتّفاقية.
وعلى ذلك، فإن السعوديّة من خلال أعمالها الإجرامية في اليمن عبر استخدام أسلحة محرّمة دولية تعرّض حياة المدنيين للخطر، وتخالف اتّفاقية جنيف الرابعة التي تنصف في المَـادَّة 3 منها على عدم الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، وكذلك تخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنْسَان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسيّة، وهما يؤكّــدان على أن لكلِّ فرد الحقَّ في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز حرمان أحدٍ من حياته تعسفاً.
جرائمُ حرب وضد الإنْسَانية
لقد أدّى استخدام السعوديّة لهذه الأسلحة المحرّمة، من خلال جريمة العدوان التي ترتكبها بحق اليمنيين، إلى ارتكاب جرائم حرب وضد الإنْسَانية، وحتى تصل جرائمها إلى حَـدّ جرائم الإبادة ضد هذا الشعب، والتي تعرفها المَـادَّة 6 من نظام المحكمة الجنائية الدولية، بأنها أي فعل من الأفعال التي تُرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أَو أثنية أَو عرقية أَو دينية بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أَو جزئياً، كالتالي: قتل أفراد الجماعة، إلحاق ضرر جسدي أَو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أَو جزئياً.. وما تقوم به آلة القتل السعوديّة، ينطبق عليه على أقل تقدير الإهلاك الجزئي، إن لم نقل الكلي وبذلك تكون أمام ممارسة جريمة إبادة بحق اليمنيين.
وتقترفُ السعوديّةُ في هذا العدوان، كما ذكرنا، جرائم ضد الإنْسَانية التي تعرفها المَـادَّة (7) من نظام المحكمة، بأنها تحصل متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أَو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم: القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، إبعاد السكان أَو النقل القسري للسكان، السجن أَو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي، التعذيب، اضطهاد أية جماعة محدّدة أَو مجموع محدّد من السكان لأَسْبَاب سياسيّة أَو عِرقية أَو قومية أَو إثنية أَو ثقافية أَو دينية، أَو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة 3، أَو لأَسْبَاب أُخْرَى من المسلم عالمياً بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أَو أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.. هذا فضلاً عن أن استخدام هذه الأسلحة التي أشرنا إليها وما تؤدي إليه من قتل، تأتي في سياق جرائم الحرب التي وردت في ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية.
وبعد ارتكاب كُـلّ هذه الجرائم يغُضُّ المجتمعُ الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، الطرفَ عن النظام السعوديّ، ولا يدلي إلا ببياناتٍ خجولة، وذلك لأَنَّ السياسة الدولية هي من تتحكم اليوم في القانون الدولي الذي يطبق وفق معايير مزدوجة، ضد شعوب ترفُضُ الهيمنة الأميركية أَو السلام مع “اسرائيل”، أَو الانصياع لقرارات الرياض التي تمتهن إرهاب الناس وإرعابهم.