د.أسماء الشهاري
منح في قلب المحن
تغيرات كبيرة وجذرية ومتسارعة تلك التي شهدتها منطقتنا العربية والإسلامية خلال الفترة القليلة الماضية مقابل فترة الركود والجمود والتي استمرت ردحاً من الزمن.
إضافة إلى كل النواحي السلبية من تدمير للبلدان العربية وقتل وتجويع وحصار وتشريد وتهجير للآلاف المؤلفة من أبنائها فإن هناك بعض النواحي الإيجابية والتي تعتبر فارقة ومصيرية مهما كانت تبدو بسيطة أو سطحية، فعلى سبيل المثال لم يعد بإمكان أحد مشايخ الحرم المكي أن يدعو الله في صلاة التراويح بأن يتكفل وحده بضرب اليهود دون أن يحرك المسلمون ساكنا، وأن يخلص المسلمين من شرورهم وأن يفعل بهم كذا وكذا ونحن نستمع إليه ونبكي، لأنه لن يجرؤ على قول ذلك اليوم بعد ما عرفنا إخلاصه الشديد في توليه لأسياده اليهود بل وإنه هو وأولياء أمره من بني سعود أشرّ منهم، وأكثر من ذلك هو أنه إن دعا عليهم وأظهر الخشوع ونزلت على لحيته غير الطاهرة دموع التماسيح فإننا لن نبكي من دعائه بل سنضحك كثيرا وطويلا عليه وسنبكي على أنفسنا أنه كيف كانت تنطلي علينا تلك الحيل وأن كل ما علينا تجاه قضيتنا الأولى في الحياة هو أن ندعو الله أن يتكفل هو بتحريرها دون أن نحرك ساكنا وأن دعواتنا على اليهود _ومن هاودهم_هو السلاح الوحيد الموجود بأيدينا وأننا لا نملك غيره بل ونحن عاجزون كل العجز أن نتطلع لسواه ولو حتى بكلمة أو موقف صادق!
أليس هذا يعتبر تغيرا كبيرا رغم كل شيء؟
تغير آخر أكثر أهمية على الرغم من أنه يبدو في ظاهره سلبيا لكنه قد يعد الأكثر إيجابية وهو أنه لم يعد بإمكان الأنظمة الخائنة والعميلة التمثيل والضحك على الشعوب العربية والإسلامية وادعاء مناصرتها لقضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهذه علامة فارقة جدا لأن تمثيلها وادعاءها كان يمثل حاجزاً كبيرا أمام يقظة الشعوب وتحركها، أما الآن فقد انكشفت سوءتها جهارا نهارا وظهرت على حقيقتها وحقّ على الأحرار محاكمتها على عمالتها ومجازاتها على غدرها وخيانتها وتلاعبها بقضايا الأمة الكبرى تحت شعارات زائفة واسوأها على الإطلاق الكذب باسم الدين والقومية وحربها لله ودينه وبيعها لدماء وبلاد المسلمين.
نعم لقد باتت الأمور واضحة وأعمال العملاء فاضحة وأعمال الأعداء أكثر شراً وعِداء بمساعدة العملاء.
إن ظهور الأنظمة العميلة على حقيقتها بعد لعبهم الطويل من تحت الطاولة يجعل من تحرك الشعوب العربية الحيّة أكثر سهولة بل وأكثر وجوبا من ذي قبل والذي يجب أن يكون ضد هذه الأنظمة كما يكون على الأعداء إذا وقفت بوجه هذه الشعوب فهي السبب الأول والرئيس في كل ما أصاب الأمة من مذلة وشقاء.
صناعة التاريخ والمستقبل
يستمر اليمن في صناعة التاريخ فهو من صنعه قديما على مدى قرون وعلى طول وعرض المعمورة وهو من يصنعه اليوم بلحمه الحي ومواقفه البطولية الخالدة الأسطورية التي ستظل تروى كأروع ما في الوجود والذي ليس آخرها المشهد الذي رسمه الشعب اليمني رجالا ونساء كبارا وصغارا عندما خرج في تلك المظاهرات المليونية والمسيرات الحاشدة المشرفة في عاصمة العواصم وعدد من المحافظات في يوم القدس العالمي وفي مشهد يعجز القلم عن وصفه قل نظيره ليس فقط في العالم العربي بل أيضا في تاريخ الشعوب التي تعشق الحرية وتقدس القيّم الإنسانية لأن اليمن كان وسيبقى وسيظل الأول والرائد كمدرسة عملاقة وخالدة تتعلم منها الأجيال البشرية المتعاقبة كيف تصنع الحرية وكيف تنتزع السيادة وتصان الكرامة ويحافظ على الحرمات رغماً عن كل أدعياء العالم، ستظل العقول والقلوب والأرواح تشرئب عندما تذكر بلاد التاريخ والحضارة وشعبها العظيم.
إنَّ هذه المواقف العظيمة المشرفة لشعب الأنصار العظيم لا تحفر في ذاكرة التاريخ فحسب بل إنها تدخل وبقوة في صناعة المستقبل وتعتبر منعطفا تاريخيا مهما في التغيرات الكبرى القادمة لا محالة والذي سيكون ركنا أساسا في صناعتها.
الحذر لا يدفع القدر
كنت قد كتبت في بداية العدوان “نحنُ قدركم.. فعجِّلوا به” أن هذه الهجمة الشرسة على اليمن أرضاً وإنساناً ليست إلا لمدى معرفة العدو بالخطورة البالغة لهذا الشعب على مخططاته و وجوده لأنه الأكثر أصالة وتمسكا بدينه وقيّمه وعروبته قبل أن يكون هدفا استعماريا بسبب موقعه الجغرافي وثرواته ومميزاته الأخرى، وأن هذا العدوان سيكون خلاف توقعات المعتدين وكل حساباتهم لأن نتائجه ستكون عكسية عليهم وسيزيدون من حماسة هذا الشعب وتعزيز قناعته بصوابية القضايا التي يؤمن بها ويتبناها ودافعا قويا له على طريق تحقيقها وأنه كل ما زادت قبائحهم وحماقاتهم كل ما زاد وقود ثورة الشعب العظيم حتى يحقق ما كانوا يخشون وقوعه وما عملوا بغبائهم على التسريع في حصوله.
مسيرات اليوم زحوفات الغد
إن خروج الشعب اليمني بذلك الزخم العظيم في يوم القدس العالمي وهو من هو تحت أكبر عدوان غاشم على مر تاريخ البشر القديم والمعاصر والذي دخل عامه الرابع له دلالاته وأبعاده التي يعرفها القاصي والداني والتي لعلَّ أهمها أنه ظهر للعالم أجمع الفشل الذريع للعدوان الكوني الغاشم في إركاع الشعب اليمني وثنيه عن تمسكه بقضية وجوده وحياته.
وعلى الرغم من كل تلك الجرائم البشعة بحقه ناهيك عن التجويع والحصار التي تزداد وطأتها مع الأيام يزداد مع ذلك يقينه وإيمانه بصوابية مبدأه وعدالة قضيته وأحقيته في النصر القريب وأخذ الثأر من كل الأعداء الصهاينة والمتصهينين، ورغم الصعوبات الجسام والمخاطر العظام إلا أن شعب الأنصار يظل في الصدارة في انتصاره لقضايا أمته وعلى رأسها الأقصى قضيته الأولى وبوصلة توجهاته وكل تحركاته في شتى الميادين ومختلف المجالات وأن المسيرات الهائلة الهادرة الجرارة والتي هي طوفان عظيم سيقتلع ويبتلع كل خائن وأثيم التي خرجت في كل من العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات مثل الحديدة، صعدة، تعز، ذمار، المحويت، البيضاء، الجوف وحجة ومديرياتها مثل مستبأ والشرفين وعبس ما هي إلا انعكاس لعظمة هذا الشعب اليماني الأصيل وأن كل شخص خرج بكل حب وإخلاص متفاعلا بكل مشاعره ووجدانيته وصرخ من أعماق قلبه وروحه ونفسه غضبا لدين الله وانتصارا لمحارمه المغتصبة وحبا وتلبية للأقصى ونداء السيد العلم عبدالملك الحوثي حفظه الله، وأنه رغم خروجه المشرف والملفت للعالم أجمع إلا أن ذلك لم يخفف من شوقه ولهفته على بيت مسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بل زاده شوقاً ولهيبا لمعانقته قريبا والصلاة في رحابه الطاهر المبارك.
كما نعلم يقينا أن المرأة اليمنية أم الشهيد وأخت الشهيد وزوجة الشهيد وبنت الشهيد تقدم قوافل المجاهدين والشهداء في اليمن اليوم لكي يتم تحرير بيت المقدس غداً، وأن كل مجاهد يمني حر أبي في كل جبهة من الجبهات وهو يواجه أيادي الأمريكان والصهاينة ومرتزقتهم فإن نيته وقلبه وروحه وكل جوارحه متوجهة صوب القدس حتى وإن سقط إلى السماء شهيداً في أي بقعة من أرضه الطاهرة فكأنما سقط عند القدس وعلى أعتابها لأنه كان عازما كل العزم على القتال في أرض فلسطين وعلى عتبات الأقصى المبارك، وأن مسيرات اليوم هي زحوفات الغد وهذا ما يدركه العدو جيدا ويعي أن تحركات هذا الشعب الصابر الصادق المجاهد والتي ذبحته في يوم القدس العالمي من الوريد إلى الوريد هي الخطر الحقيقي الذي يهدد كيانه الغاصب ولذلك سيفعل كل ما بوسعه لحرفه عن توجهه ولثنيه عن الوصول إلى هدفه ولكن الله غالبٌ على أمره ولو كره الكافرون.