مآلات الأوضاع في السودان

 

أسامة الشيخ
الحراك الشعبي المستعر في السودان يدخل شهره الثالث ولا تزال الرؤية ضبابية وحالة الاحتقان في أوجها التظاهرات لا تزال مستمرة، فبالأمس القريب شهدت شوارع العاصمة الخرطوم انتشاراً كثيفاً للقوات الأمنية والشرطية لقمع تظاهرات انطلقت في منطقة الصحافة جنوب العاصمة وشمبات شمال الخرطوم كما نفذ الصيادلة والعاملون في شركات الأدوية وقفات احتجاجاية امام مستشفى ابن سيناء بالخرطوم بسبب أزمة الدواء التي تسبب فيها النظام بسياساته ، واعتصم طلاب جامعة الرباط التابعة للشرطة السودانية وكذلك جامعة السودان العالمية، وفي ولاية الجزيرة وسط البلاد نفذ أساتذة جامعة الجزيرة وقفة احتجاجية طالبوا خلالها بإسقاط النظام ، وفي نيالا جنوب دافور دخل المحامون في اعتصام ووقفات احتجاجية وسط اعتقالات طالت العديد منهم، أما في شرق البلاد فقد نظمت نقابة عمال الموانئ البحرية وفقات احتجاجية منددين بقرار الحكومة القاضي ببيع الميناء الجنوبي في بورسودان لشركة فلبينية الامر الذي قوبل برفض شعبي وتداوله رواد منصات التواصل الاجتماعي على حيز واسع واعتبروه تجلياً آخر لسوء ادارة موارد البلاد وأحد مسببات حراكهم الشعبي .
تجمع المهنيين المعارض مهندس الحراك بدوره تعهد بمواصلة فعالياته الاحتجاجية متوعدا بمواصلة تسيير مواكبه لإسقاط النظام .
الحكومة السودانية والحزب الحاكم أشارا خلال قنواتهم الرسمية الى انحسار التظاهرات ودخولها مرحلة الموت السريري مراهنين على عامل الوقت مؤكدين في الوقت ذاته على خطواتهم الاصلاحية التي يتوقعون ان تفضي الى حلحلة المشاكل الاقتصادية المزمنة التي تعاني منها البلاد وبالتالي العبور الى بر الامان . الرئيس البشير اكد مرة اخرى خوضه انتخابات 2020 وبرر تلك الخطوة قائلا انه يريد اكمال ما بدأه من مشاريع تنموية واعتبر ذلك تكليفاً شرعياً سيسأل عنه عند وقوفه أمام الله تعالى. الامر قوبل بموجة سخرية وتهكم من قبل الكثير من المعارضين .
انصار الرئيس السوداني عمر البشير والكثير من الذين يقفون موقف الحياد تجاه الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام يطرحون اشكالية البديل ويستدلون على ذلك بما آلت اليه الاحوال في الدول التي شهدت ماسمي بالربيع العربي ،فهم يعتبرون البشير صمام امان من سقوط البلاد في اتون الحرب والاقتتال والتجزئة لاعتبارات كثيرة اهمها برأيهم انه خبر السياسة وخبرته خلال فترة حكمه التي امتدت ثلاثة عقود علاوة على انه استطاع بحكمة ودهاء “برأيهم طبعا ” تجاوز ازمات اخطر وظروف أسوأ خلال فترة حكمه فبالتالي هو الشخص الوحيد القادر على ادارة دفة الامور والعبور الى بر الامان في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد. كما يطرحون اشكالية افتقار خصومهم الى قائد ويعتبرون الكيان الذي ينضوي تحت لوائه معارضوهم أي تجمع المهنيين ، كياناً هلامياً وليست لديه قيادة معروفة او برنامج واضح لإدارة مرحلة ما بعد البشير .
الفريق الآخر يؤكد على مبادرة إعلان الحرية والتغيير التي تنص على ثلاثة بنود رئيسية: أولها تنحي الرئيس البشير ونظامه فورا وتشكيل حكومة كفاءات وطنية انتقالية توافقية ومن ثم تقديم الجناة لمحاكم عادلة . المتحدثون باسم التجمع فسروا مبادرتهم تلك خلال الكثير من المقابلات التلفزيونية التي أجروها مع محطات تلفزة خارجية وأشاروا الى أن الكثير من العلماء والاقتصاديين السودانيين الذين تعج بهم الجامعات المرموقة حول العالم ومراكز البحوث أعلنوا استعدادهم لتسيير دفة الأمور حال نجاح ثورتهم ، فهم بالتالي أغلقوا الأبواب أمام المشككين في قيادة مرحلة مابعد البشير . كما قالوا ان الكثير من الدول الغربية تقف الى صفهم وأشاروا الى وعود برفع العقوبات الاميركية التي اثقلت كاهل الاقتصاد السوداني ، مبشرين بإعادة الامور الى نصابها من خلال قيادة وطنية رشيدة قادرة على ادارة موارد البلاد.
وقد تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي السودانيون خلال الايام الماضية مقطع فيديو شرح خلاله اقتصادي سوداني معروف عوائد صادرات خمسة موارد اقتصادية متوفرة في السودان وكيف يمكن لاقتصاد البلاد النهوض من خلال ادارة تلك العوائد .
المقطع تم تداوله بشكل كبير، ومن خلال التعليقات التي صاحبت المقطع يتبين للمتابع أن هناك آمالاً كبيرة معقودة على التغيير المنشود وأن غالبية ابناء الشعب السوداني يؤمنون بحتمية التغيير ويحدوهم أمل كبير أنه تغيير للأفضل .
من خلال متابعاتنا للحراك الذي يشهده الشارع لاحظنا أن هناك إصراراً غريباً ورغبة جامحة في التغيير، وذلك من خلال تنوع اشكال الاحتجاج وآلياتها وابتداع أساليب جديدة وتكتيكات متنوعة اضفت حالة من الحماس وجددت روح الحراك لاسيما اذا اخذنا في الاعتبار طول المدة ، فالرتابة تؤدي الى حالة من الفتور وبالتالي الى خمود جذوة ذلك الحراك ، فنجد أن الشباب السوداني وخصوصا الفتيات ابتدعن أساليب جديدة ألهبن بها حماسة الشباب وقوين عزمهم على مواصلة درب النضال السلمي ، وفي المقابل نجد أن النظام استنفد كافة اساليبه في قمع المتظاهرين واخماد ثورتهم ،فقتل واعتقل وضرب وكانت المحصلة بشهادة بعض منتسبي الأجهزة الأمنية صفراً ،حاول تغيير التكتيك من خلال طرح مبادرات للحوار مع الشباب وإلغاء بعض القوانين السالبة للحرية فقوبل بالسخرية والتهكم والإصرار على الرفض.
الأيام القادمة حبلى بأحداث جسام، فهل يستطيع النظام السوداني الصمود أمام الموجة الجديدة من الاحتجاجات والخروج من عنق الزجاجة أم أنها ستكون القاضية؟!

قد يعجبك ايضا