الصراع على الصومال بوابة القرن الافريقي

محمد محمود مرتضى

لم تعد “حركة شباب المجاهدين” في الصومال تحصر عملياتها الإرهابية في الداخل الصومالي، بل طورت هجماتها الإرهابيَّة لتطال المحيط الإقليمي، لا سيما في دولة كينيا، وذلك بالتزامن مع تحركات مِن قِبَل قوات الجيش الصومالي وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”، وهذا ما دفع المشهد الصومالي إلى المزيد من التعقيد بما يُهدِّد مستقبل الدولة الصومالية على أن هذه التطورات لم تأت من فراغ وإنما جاءت في سياقات محليَّة وإقليميَّة ودوليَّة تُؤثِّر على البيئة المحلية الحاضنة للحركة في الصومال، وهذا بدوره ينعكس على تحركاتها على المستويين الداخلي والإقليمي.
داخلياً، تواجه الحكومة الصومالية الفيدرالية انتقادات واسعة بسبب فشلها في التصدي للتهديدات الإرهابية، رغم قيامها ببعض الجهود كإعلانها إعداد ألف جندي لفرض الأمن في العاصمة مقديشو. ما انعكس على الداخل عبر ظهور جديد للرئيس السابق “شريف شيخ أحمد” على الساحة السياسية، وإعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2020م ورفعه شعار انقاذ البلاد من “حركة شباب المجاهدين”.
ولا ينفصل السياق المحليّ عن السياقين الإقليمي والدولي، حيث نجَح إرهاب “حركة الشباب” في التمدُّد واختراق الحدود والوصول إلى دولة كينيا ما يُهدِّد الأمن الإقليمي للقارة السمراء، ويبدو أن استهداف كينيا يراد منه الضغط على الحكومة الكينية لسحب قواتها العاملة في بعثة الاتحاد الإفريقي “أميصوم”. وبالفعل، فإن الهجمات أدت إلى تصاعُد بعض الأصوات في الداخل الكيني للمطالبة بضرورة سَحْب هذه القوات الكينية.
في المقابل، ثمة أصوات أخرى في كينيا وغيرها تطالب الأمم المتحدة بتمويل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”؛ لمنع حركة “شباب المجاهدين” من السيطرة على الصومال، حيث تعاني “أميصوم” من قلة التمويل وهي التي تضم حوالي اثنين وعشرين ألف جندي من دول: كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وأوغندا وبوروندي؛ ما دفَع بعض الدول للإعلان عن انسحابها من الصومال بحلول عام 2020م.
ومن الواضح أن انسحاب تفكك “اميصوم” سيؤدي إلى فراغ أمني في البلاد يمنح “حركة شباب” وتنظيم “داعش” على السواء فرصة للهيمنة في الصومال ومحاولة ملء الفراغ الذي ستخلَّفه البعثة الإفريقية في حال انسحابها، خصوصا مع عدم جاهزيَّة القوات الحكوميَّة الصوماليَّة، وضعف قدراتها على المواجهة.
ويبدو أن ثمة محاولات حثيثة لإنقاذ البعثة الافريقية، وفي هذا السياق يمكن وضع إعلان غانا عن عزمها على إرسال مائة وستون شرطيًّا إلى الصومال للانضمام لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، وعلى ما يبدو فقد ووصل بعض الضباط إلى “بيدوا” عاصمة ولاية جنوب غرب الصومال، وذلك بعد قرار من مجلس الأمن الدولي الذي مدَّد مهمة بعثة الاتحاد في البلاد إلى الواحد والثلاثين من شهر مايو من العام الجاري.
أما دوليًّا، فتقوم الادارة الامريكية بتعزيز تواجدها غير المباشر في الصومال عبر الانخراط أكثر ببعض العمليات العسكرية، وقد برز ذلك من خلال شنّ القوات الأمريكية أكثر من ستّ غارات جوية على مواقع للحركة منذ بداية العام، كما قامت بإرسال قوات جديدة إلى الصومال للمشاركة في الحرب على الحركة؛ للمساهمة في الغارات الجوية والبرية ضد عناصر “حركة الشباب”، وتنطلق هذه العمليات من القاعدة الأمريكية في الصومال في مطار “بلي دوغلي” في إقليم شبيلي السفلي بالقرب من العاصمة مقديشو.
تتصاعد الأهميَّة الاستراتيجيَّة لمنطقة القرن الإفريقي وهو ما يبرر الاهتمام الدولي بالمنطقة؛ حيث تسعى العديد من الاطراف لإيجاد موطئ قدم لها والاستفادة من الموارد الطبيعية التي تنعم بها المنطقة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ابداء إيطاليا اهتمامها بتنامي العلاقات مع إريتريا وإثيوبيا، حيث وافقت على تغطية تكاليف دراسة جدوى مشروع السكك الحديدية التي تربط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بـ”مصوع” الإريترية. وكذلك اعلان بريطانيا، وفق بعض التقارير، عن نيتها تدشين قاعدة عسكرية في الصومال عقب الزيارة الأخيرة لوزير الحرب البريطاني إلى “هرغيسا” عاصمة أرض الصومال.
ولعل هذا الحراك الدولي هو من العوامل الهامة التي “حركة الشباب” الى تصعيد عملياتها في الداخل والخارج الصومالي وصولا إلى كينيا.
وعلى أي حال فانه يمكن فهم سبب تصعيد “حركة الشباب” لعملياتها بالعوامل التالية:
1 – لَفْت الأنظار عن الانشقاقات بداخلها: حيث تشهد الحركة انشقاقات طالت العديدَ من قياداتها وعناصرها من أجل الانضمام إلى تنظيم “داعش” في الصومال؛ ما أدَّى إلى بدء الصراع بينهما.
2 – قرب انتخابات الرئاسة: إذ تسعى الحركة إلى إضعاف موقف الحكومة الفيدرالية أمام الشعب الصومالي مع قرب الانتخابات الرئاسية الصومالية في العام المقبل، ومِن ثَمَّ محاولة الانقلاب على الرئيس “محمد عبد الله فرماجو”.
3 – التسريع بانسحاب القوات الإفريقيَّة: حيث تُصَعِّد الحركة من عملياتها ضدَّ قوات الدول الإفريقية في بعثة “أميصوم”؛ بهدف الضغط على الدول الإفريقية لتسريع انسحاب قواتها من الصومال، وعدم إرسال قوات جديدة.
4 – استهداف القوى الإقليميَّة والدوليَّة من خلال تهديد مصالحها الحيوية، سواء في الصومال أو في الاقليم.
5- محاولة خَلْق الفوضى في المنطقة؛ من أجل تعطيل أية جهود تتعلق بالحل السياسي والاقتصادي في القرن الإفريقي، خاصة بعد المصالحة الإقليميَّة بين إثيوبيا وإريتريا. إذ ترى هذه الجماعات أن انتشارها مرهون بالفوضى.

قد يعجبك ايضا