ثغرات العمل الإداري
احمد ماجد الجمال
لايخفى على الجميع تمحور حاجات ومعاملات كل شرائح المجتمع وارتباطها بكل الجهات الحكومية وخاصة الخدمية منها مما يمس المنفعة العامة لهم بشكل مباشر وقد تكون العملية سلسة أو تحفها الكثير من العراقيل المزعجة نتيجة اللوائح والنظم الجامدة والإجراءات المطولة التي يقف خلفها الموظف الحكومي كالتزام مهني أو استغلال سلبي باعتباره أساس كل شيء والعنصر الأهم في هذه العملية أما جودة الخدمات الحكومية فهي بمثابة مرآة تعكس مستوى اهتمام تلك الجهات لطالب الخدمة.
الأمر الذي يعني بشكل أو بآخر وجود فوارق بدرجات مختلفة بين هذه الجهات في زمن إنجازها, وكلما كانت اللوائح والنظم متجددة ومرنة كلما كانت الإجراءات مبسطة أكثر وكلما كان الموظف مؤهلاً ومدرباً كلما كانت الإنتاجية والخدمة على السواء أعلى .
وأيضا عدد المراجعين الذين ينجز الموظف معاملاتهم من الممكن أن يتضاعف إلى مستويات تتجاوز أضعاف ماهو قائم وان أردنا التأكد من مستويات الأداء يمكن ملاحظة ذلك من الموظفين ورؤسائهم الذين يتعاملون مباشرة مع المراجعين في استكمال معاملاتهم كوقت حضورهم وخروجهم والتأخير الحاصل به ووقت جاهزيتهم لبدء عملهم وتقديم الخدمة ,والوقت الذي يقضونه لتناول الإفطار أو الرد على الاتصالات الخارجية وما يتخللها من حديث جانبي مع زملائهم داخل العمل أو زوارهم من خارج العمل وكذا استعمالهم للهاتف الشخصي, إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي أثناء أداء أعمالهم أو خروجهم لمشاوير خاصة أو القيام للصلاة ناهيك عن نوعية التوجيه الذي يتلقاه الموظف من مسؤوله المباشر وتختلف من معاملة إلي أخرى وكيفية التعامل إذا كانت تتصف بالمرونة والتفهم والهدوء والانسجام مع صاحب المعاملة أو تتسم بالبطء السلبي وعدم الالتزام حسب الأولوية لطالبي الخدمة وتقديم البعض على حساب الأخر كمجاملات ومحسوبيات, تحمل عدداً محدوداً من الموظفين أعباء العمل ثم نجمع كل ذلك ونقتطعه من إجمالي عدد ساعات العمل اليومية فإذا ما حللنا وجمعنا كل ذلك سنصل لرقم بسيط في ساعات العمل الفعلي ولن يكون بعيدا عن الواقع المعمول به.
ولأن الإدارة التي تحرص وتسعى دائماً لمتابعة أخطائها تحقق العديد من المنافع، لعل أهمها اكتشاف نقاط ومكامن الضعف لديها؛ فتصويب الخطأ يتطلب معرفة واستيعاب المسببات والأسباب التي أدت إلى ارتكاب الخطأ، ومعرفة الظروف المحيطة التي أدت إلى الوقوع فيه، وبتلك المعرفة يمكن تقوية نقاط الضعف، ومعالجة الخلل ، بما يضمن عدم الوقوع في الأخطاء مرة أخرى ,والابتعاد عن الدوائر الروتينية المسبب للأثر السلبي الذي يخلفه ارتباط مبدأ روتيني بكثير من ممارسات الفساد التي تفسح لها المجال والمساطر الطويلة المعقدة جاعلة طالب الخدمة سواء كان فرداً أو مؤسسة اقتصادية رهين الروتين وسلطة الموظف، وبشكل عام الاختلال الإداري يؤدي إلى انتشار الفساد المالي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهناك نوعان من الفساد أولهما يكون في استغلال المنصب الإداري وثانيهما أن يكون الفساد من منطلق استغلال الثغرات والتلاعب بالإجراءات الإدارية لإنجاز أو عرقلة عمل وخدمة معينة من اجل الاستفادة الشخصية من ذلك النشاط لكن تقليل نسبة الخطأ الذي تسببه ثغرات الأنظمة والإجراءات ذات النهج الجامد قد تصل إلى مرحلة تكون عاجزة عن مسايرة ما يترتب مع الواقع مثال ذلك المرحلة التي تمر بها بلادنا وهي مرحلة فارقة في تاريخها من تعقيدات الحرب والعدوان التي تتطلب خطوة إيجابية لأن الإدارة تعني أن تحضر اليوم لمطالب الغد .
ولهذا يجب الاستفادة من التجارب واستخلاص العبر من الآخرين، فالمؤسسات على مستوى العالم لديها آلية متجددة للتقييم والتقويم، ولهذا تصحح أخطاءها وسياستها وإجراءاتها وتراجعها باستمرار.
ويمكن القول إن تصحيح الأخطاء والثغرات مطلب ضروري للأفراد والشركات والمجتمع والدولة وكافة المؤسسات والكيانات القانونية، وبدون القيام بتلك العملية الضرورية سوف يستمر الخلل والضرر ويتفاقم الداء ويتحول إلى مرض مزمن .
ولتصحيح الأخطاء وهي سنة من سنن الحياة والكون، ومؤشر على صحة وحيوية وسلامة الأنشطة العملية ، فالمبادرة بتصحيح الخلل وسد الثغرات دليل على القدرة في النمو والبناء والتجديد ومواجهة الأخطار والآثار الضارة تلقائياً دون الحاجة إلى مساعدات خارجية، فهو يُخرج دواءه منه ويُعالج ذاته من داخله.
ومن هنا يأتي أهمية تبسيط الإجراءات والتنسيق والتعاون والمتابعة والذي يقصد به تنظيم إجرائي بين الجهات الحكومية للعمل التكاملي في الاتجاه الصحيح وغايته تحقيق الأهداف الخاصة بتقديم الخدمات العامة بكل يسر وسهوله وهناك العديد من الأسباب الأخرى يمكن الإشارة إليها مثل وجود(وصف وظيفي واضح لكل وظيفة متسق ومتكامل بين الجهات الحكومية ,خطة عمل تنفيذية لكل إدارة محددة بفترة زمنية ومنطلقة من خطة الجهة وأهدافها ومسؤولياتها ,مناقشة الموظف في تقييم الأداء ومحاسبته والأهداف ,فرص تدريب وتطوير للإثراء الوظيفي ,عملية تغذية راجعة مستمرة في بيئة العمل, نظام جيد للمتابعة مكتبي وميداني ,آليات لقياس الأداء ,حوافز مادية ومعنوية ,توزيع أعباء العمل والمسؤوليات على جميع الموظفين, تطبيق مفهوم إدارة الجودة )
إن التعلم من الخطأ ومن العثرات والتعرف على الطرق المسدودة التي تستوجب عدم الولوج فيها أو الذهاب عبرها، واختيار وتجريب طرق أخرى أو أبواب مختلفة، يُعد أحد أهم وسائل تصويب الأخطاء، مع الحرص على تجنب طرق التفكير التي تنطلق من المعطيات والمنطلقات التي ثبت عدم جدواها وفشلها، لأنها لن توصلنا إلى الهدف المنشود.
ولا يفهم من ذلك أن العمل الإداري الحكومي يعكس صورة سلبية بالمطلق ابداً ولكن الصورة السلبية هي التراخي في معالجة أي نقاط ضعف تظهر من بداياتها .
ولأن الأنظمة واللوائح تمثل طريقة من الطرق التي توصل لها إنسان العصر لتنظيم حياته وصياغة إطار تحقيق المصالح والمنافع وهذه الأنظمة تحتاج مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية والثقافية إلى إعادة النظر والتطوير لمواكبة هذه التغيرات لتصبح خطوة متسقة مع هذا المبدأ والنظر إليها نظرة توازن بين الصلاحيات الممنوحة وبين مراقبة أدائها وقياس وتقييم مخرجاتها والمتابعة الميدانية داخليا من الرؤساء للموظفين ورقابة خارجية عبر الجهات الرقابية للمنظومة الإدارية لكسر منافذ وثغرات التسيب والانحراف أو التجاوز.
ولهذا يمكننا في النهاية أن نقول إن الأخطاء والثغرات التي يُعاد استنساخها وارتكابها نتيجة خلل في طريقة التفكير والقناعات والمفاهيم، هي دلالة واضحة على الضعف والتراجع وأن تصويب الأخطاء وسد الثغرات والسعي للتطوير لن يكون بتعديل الشكل وإنما بتغيير المفاهيم والمضمون.
* باحث في وزارة المالية