خلوة البحر الميت ونبوءة صدام حسين
أحمد يحيى الديلمي
حالة الغموض التي اكنتنفت نتائج الخلوة القصيرة في منطقة البحر الميت بالأردن بين وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” ووزراء خارجية السعودية ومصر و الإمارات والأردن والبحرين والكويت أثارت تساؤلات عديدة حول طبيعة ما دار في ذلك اللقاء القصير جداً كون مساحته الزمنية لا تكفي للسلام وتبادل كلمات المجاملة ، تشعبت التساؤلات حول سبب اختزال الجامعة العربية في الدول الست واستثناء قطر وسلطنة عمان العضوتان في مجلس التعاون الخليجي ، أسئلة كثيرة سيجيب عنها اللقاء المرتقب في العاصمة البولندية “وارسو” وإن كانت الدلالة واضحة مفادها أن اللقاء استعرض المواضيع التي ستقدم في “وارسو” وستركز على التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني ، مما اقتضى حضورا نوعيا للدول التي هرولت بذات الاتجاه، السجال الذي أعقب الخلوة في إطار وسائل الإعلام أعاد إلى ذهني معلومة هامة في العقد التاسع من القرن الماضي أثناء انعقاد مجلس التعاون العربي الذي ضم العراق واليمن ومصر والأردن ، حيث عقدت اللجنة الوزارية برئاسة رؤوساء الوزراء في الأربع الدول دورتها الثانية في بغداد ، وفي ختام نفس الدورة تحدث طه ياسين رمضان في مؤتمر صحفي عن ما دار في الاجتماعات فتوجهت إليه بسؤال يبدو أنه استفزه وفحوى السؤال : لماذا يظل هذا المجلس لغزاً حله حكر على الرئيس صدام حسين فقط بينما الرؤساء الثلاثة يجهلون الكثير عنه ، حتى أن الرئيس مبارك تحسس واعتبر أن ما يحدث لعبة بين صدام والملك حسين ؟! ورغم أن المسؤول العراقي تجاهل السؤال ولم يجب عليه ، إلا أننا فوجئنا جميعاً بالرئيس العراقي يرد عليه أثناء لقائه بوفود الدول الأربع حيث قال ” هذا الكيان لا يمثل حالة ترفية فقد اقتضت الضرورة إنشاءه ، بالمقابل ليس خطرا على أحد ولا يهدف إلى إضعاف مجلس التعاون الخليجي كما يشاع ، الأمر أبعد وخلفياته أعمق من هذه التصورات القاصرة ، فالاستراتيجية الأمريكية لا هم لها اليوم وغداً إلا فرض دولة الكيان الصهيوني وإجبار الدول العربية على التطبيع مع هذا الكيان ، وبعد أن فشلت هذه الاستراتيجية في الإقناع من خلال الترغيب والترهيب لجأت إلى خلخلة الصف العربي والخشية أن توظف أشقاءنا في الخليج لتحقيق هذه الغاية بعد فرض حضورهم القوي في الجامعة العربية بقصد إفراغها من مضامينها السامية ، نحن الآن في سباق مع الزمن إما أن نكون أو لا نكون ، ويجب أن يمثل هذا الكيان منعطفاً تاريخياً لتجديد الوعي الفردي والجماعي بأهمية بقاء الجامعة العربية ومنع حالات الاختراق كي تظل بيت العرب فعلاً تعزز حالة الصمود والتحدي وتمنع الهرولة صوب ثقافة الإذعان والانقياد الطوعي لترجمة رغبات الأعداء والارتهان إلى البراجماتية ببعدها السلبي وأفقها الانتهازي المجرد من كل القيم ” .
أكتفي بما أسلفت من كلام الرئيس صدام ومن خلاله يمكن أن نعرف بأن الرجل فعلاً كانت نظرته بعيدة المدى فها هي الأيام تترجم تلك المخاوف وتؤكد فعلاً أنها حدثت كما صورها ، ويكفي الإشارة إلى أن قرارات الجامعة اليوم باتت تُصاغ في أروقة البنتاغون ويأتي القادة العرب للمباركة والتصديق فقط ، وهنا تتضح أبعاد الدور الخطير للنظام السعودي في صنع الهزائم الماحقة منذ أن تصدرت الموقف في الجامعة العربية وتحولت إلى أكبر خطر داهم على الأمة العربية والعقيدة . اللهم اكفنا شر قرن الشيطان .. والله من وراء القصد ..