الشّهادة والنّقطة الخاتمة
أشواق مهدي دومان
عجبي حين أرى صورة شهيد، ولكن لعلّه الشّعور بالتقصير في حمل المسؤولية ، أو لعلّه الإحساس بالذّنب وبالخجل تجاه من أرخصوا أرواحهم وهي غالية عليهم وعلى ذويهم !!
عجبي حين تنسكب دمعات من عمق الرّوح وكأنّ هناك امرأة بين الأهداب تشرف وتقف بدلوها على مجرى نبع, فبمجرد أن ترى صورة شهيد حتّى تسارع تلك المرأة السّاقية بصبّ ما احتواه دلوها على يبس وجفاف قسوة الرّوح الظّامئة ، ومع الأيام لا تجد نفسها إلا وهي وسط بستان أخضر معشوشب وبه من كلّ شكل ولون وعبق الوردات ، وكأنّ تلك الوردات رسائل تصل لأولئك الشّهداء كتهنئة لهم و بالّلون والشّكل والاسم المحبّب لكلّ منهم!!
ومع الأيام يتسع البستان ويمتلئ ورده, وهنا تحديد وتخصيص الورد بل تمييزه عن الزّهر؛ فالورد أخّاذ شكلا وعبقا ، بينما بعض الزّهر له شكل أخّاذ لكن عبقه غير محبّب ، ومع مسك الشّهداء عبق الورد جنيّا يكلّل تلك الجنّة الورديّة في عالم أسطوري ، فقد اتسعت تلك الجنّة ليبنى فيها قصر لكلّ شهيد وحياة مترفة وارفة منعّمة يفرح بها هذا الشّهيد ويستبشر بمن لم يلحقه وينتظر من بعده .
نعم .. أحتار لمفهوم الشّهداء ووحي الشّهداء وحياة الشّهداء ، وأعجز – وأنا من معشر الأموات – عن إحصاء وحصر وتصوّر عالمهم الحيّ، كما أعجز عن وصفهم بحديث ميت لميت ، وقد بحّ صوتي في مساءلة هذه الرّوح الصّامتة عن عالمهم ، وتاهت أمنياتي أن ترويني بتحقيقها ، لكنّي هنا لن أبرح أعيد طرق باب اللّه الذي لن يخيّبني بأن يفتح لي منزلا كضيوفه الذين يرزقون عنده ، ولن أملّ من دعواتي للخالق المتعال بأن يمنحني ما منح أحباءه الشّهداء؛ فترى روحي ذلك العالم واقعا مطمئنا وحياة أبدية قرباً وفي ضيافة اللّه، حياة تمحى فيها تساؤلات زادت فيها علامات الاستفهام والتّعجب لكنّها لم تصل للنّقطة إلّا بالشّهادة ؛ فالنّقطة وحدها علامة تمام الكلام ، وخاتمته ،فهل سأصل إلى تلك النّقطة الخاتمة ؟!