طه هادي الحاضري
التساؤل الأول: من هم الشهداء؟
الشهداء هم الذين قُتلوا في سبيل الله، وسبيل الله هو الجهاد لتكون كلمته هي العليا، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (مَنْ جَاهَدَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ العُلْيَا فَهُوَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ)([1])
وعلى هذا الأساس فشهداؤنا من أبناء الجيش واللجان الشعبية والقبائل الأبية الذين نفروا للجهاد في سبيل الله فواجهوا وقاتلوا دفاعًا عن أنفسهم وبلادهم وأهلهم ودينهم وكرامتهم وسيادتهم، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة أمريكا وإسرائيل والسعودية هي السفلى، وبذلوا أموالهم وأنفسهم، ووقفوا ضد العدوان، ويواجهون الغزو والاحتلال الأجنبي المسنود من المرتزقة والخونة والعملاء من الداخل لقوله سبحانه: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وقوله: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) وقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُوماً فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَكُلُّ قَتِيلٍ فِي جَنْبِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ)([2])
شبهة مسلم يقتل مسلماً
قد يأتي من يقول إن من يواجهون العدوان ليسوا شهداء لأنهم يواجهون مسلمين يمنيين – يقصدون المرتزقة – فالمسألة مسلم يقتل مسلمًا، وعليه فالقاتل والمقتول في النار، حسب ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ)([3])
وهذا الحديث النبوي الشريف ينطبق في حال إذا تواجه المسلمان في الباطل وعلى الباطل، كما يتقاتل المرتزقة والدواعش فيما بينهم، أو يتقاتل المسلمان على قطعة أرض ليست ملك أحد منهما ويريد كلٌّ منهما اغتصابها، أو على حطام الدنيا ولم يرجعا للقضاء للفصل بينهما.. وعلى هذا السياق، أما الدفاع عن النفس فهو مما لا خلاف فيه ،كما ورد عنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم جاء إليه رجل فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : (فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ) قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : (قَاتِلْهُ) قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : (فَأَنْتَ شَهِيدٌ) قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ : (هُوَ فِي النَّار)([4]) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم منْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُوماً فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَكُلُّ قَتِيلٍ فِي جَنْبِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ)([5])
ولمزيد إيضاح لنا أن نتأمل في استشهاد الإمام علي عليه السلام. هل كان على يد عمرو بن ود العامري المشرك في غزوة الأحزاب؟ أم على يد مرحب اليهودي في غزوة خيبر؟ أم أنه كان على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي المحسوب مسلمًا؟ وكذلك استشهاد الإمام الحسين والإمام زيد عليهما السلام، هل يمكن أن يُقال: مسلم يقتل مسلمًا فالقاتل والمقتول في النار! فيصبح الإمام علي والإمام الحسين والإمام زيد عليهم السلام في النار. لأن من قتلوهم محسوبون على الإسلام، وهذا ما لا يقول به قائل، وبالمثل من قتلوهم الإمام علي عليه السلام أو الإمام الحسين في كربلاء أو الإمام زيد في ثورته المباركة، هل يمكن أن نقول عن ذلك القاتل والمقتول في النار؟ بمعنى أن المقتولين في النار ومن قتلوهم في النار أيضاً، لا يمكن ذلك على الإطلاق، بل المسألة مسألة حق وباطل، وكما قال الإمام علي عليه السلام عن شهداء جيشه وقتلى الفئة الباغية “المسلمة” في صفين: (فَمَنْ أَكَلَهُ الْحَقُّ فَإِلَى الْجَنَّةِ، ومَنْ أَكَلَهُ الْبَاطِلُ فَإِلَى النّارِ)([6])
ثم ما حكم المجاهدين والمقاومين المسلمين في فلسطين ولبنان، الذين يقتلهم ويغتالهم عملاء عرب ومسلمون للمخابرات الأجنبية كالموساد الإسرائيلي مثلًا، هل نقول مسلم يقتل مسلماً فالقاتل والمقتول في النار؟ وبالمثل أيضاً هل مواجهة المجاهدين والمقاومين لهؤلاء العملاء وقتلهم في سياق مسألة مسلم يقتل مسلماً، فالقاتل والمقتول في النار؟ لا .. لا يقول بهذا عاقل، بل الحق والعدل والمنطق أنهم مجاهدون ضد عملاء ومرتزقة الغزو والاحتلال الإسرائيلي.
وشهداؤنا من أبناء الجيش واللجان الشعبية على هذا المنوال، سقطوا في مواجهة مرتزقة وعملاء العدوان السعودي الأمريكي، الذي ارتكب الجرائم المروعة والمجازر الوحشية بحق الأطفال والنساء، واعتدى وحاصر وجوّع وانضوى تحت عباءته المسلم العميل اليمني و السعودي والإماراتي والسوداني وغيرهم مع الدواعش ومع اليهودي والنصراني المنضوين في شركة بلاك ووتر الأمريكية كما هو معلوم.
بل إن شهداءنا في مواجهة المنافقين من العملاء والمرتزقة في هذا العدوان يتمتعون بالبصيرة الثاقبة والوعي العالي، حيث عرفوا المؤامرة الأمريكية والصهيونية وفهموا طريقة أمريكا في القتال عبر المرتزقة والتكفيريين، كما فعلت في مواجهة الاتحاد السوفيتي سابقًا في أفغانستان وكما هو ديدنها في المنطقة بأسرها.
وشبهة مسلم يقتل مسلماً إنما يثيرها المرجفون في داخل مجتمعاتنا بهدف التخذيل، لكنهم في أوساط المرتزقة والعملاء لا يقولون لهم: مسلم يقتل مسلمًا توقفوا عن القتال، بل يقولون لهم: قاتلوا المجوس والروافض المشركين، فلم نعد في نظرهم حتى مسلمين.
كما يتذرع بهذه الشبهة الجبناء الذين يخفون جبنهم تحت هذه اليافطة، فمن غير المعقول أن يقولوا: نحن جبناء لا نجرؤ على القتال، والحقيقة الواضحة أن الكثير يتخلون عن مسؤولياتهم وواجباتهم بالجهاد في سبيل الله ويتثاقلون عنه تحت مبرر هذه الشبهة بمُسمى “الحياد” وهم يعلمون.
الشهداء كانوا مجاهدين
الشهداء من زاوية أخرى – وهي نقطة مهمة يغفل عنها الكثيرون – كانوا مجاهدين أحياء معنا في الدنيا ثم قاموا بواجبهم فاستشهدوا، ولهذا يجب الاهتمام بهم قبل استشهادهم.
أما بعد استشهادهم فلا يحتاجون شخصيًا لأحد، ومن هذا المنطلق يجب علينا أفرادًا ومجتمعات وحكومة الاهتمام بالمجاهدين وبالجرحى وبموضوع الأسرى ،ودعمهم والانفاق في سبيل الله حتى تتوفر حاجتهم في الجبهات، والاهتمام بأسرهم كي لا تشغلهم حاجة أهاليهم ومتطلباتهم عن الجهاد.
وقد حدث أن مجاهدًا كان مرابطًا في إحدى الجزر في البحر الأحمر، وكان رفاقه يحثونه على الرباط وكانت أسرته فقيرة جدًا، ودائماً ما كانت تتواصل معه تلفونيًا بأنهم يحتاجون مصاريف ومواد غذائية، ولم يستجز أن يعود للنظر في حاجاتهم أو العمل للكسب الحلال ويترك الجهاد فزاد الضغط عليه، ولم يتحمل الوضع فدخل في حالة نفسية، فعلى الجميع الالتفات لمثل هذه الأمور ولنتأمل جيدًا في دعاء الإمام زين العابدين لأهل الثغور في هذا المقطع منه: (اللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِم خَلَفَ غَازِياً أَوْ مُرَابِطاً فِي دَارِهِ أَوْ تَعَهَّدَ خَالِفِيْهِ فِيْ غَيْبَتِهِ، أَوْ أَعَانَهُ بِطَائِفَة مِنْ مَالِهِ، أَوْ أَمَدَّهُ بِعِتَاد، أَوْ شَحَذَهُ عَلَى جِهَاد، أَوْ أَتْبَعَهُ فِي وَجْهِهِ دَعْوَةً، أَوْ رَعَى لَهُ مِنْ وَرَآئِهِ حُرْمَةً. فَأَجْرِ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ وَزْناً بِوَزْن وَمِثْلاً بِمِثْل وَعَوِّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضاً حَاضِراً يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْعَ مَا قَدَّمَ، وَسُرُورَ مَا أَتَى به، إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ الْوَقْتُ إلَى مَا أَجْرَيْتَ لَهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ كَرَامَتِكَ)([7]).
كذلك يتعرض المجاهدون للكثير من الانتقاد على بعض الأخطاء البسيطة، ويُسلّط البعض ألسنتهم عليهم ويكررون الإساءات إليهم، وهذا البعض من أصحاب النقد والاساءات غالبًا ما يكونون من القاعدين والمرجفين والجبناء.
وكم سمعنا عن فلان المجاهد أنه فاسد وأنه أخذ كذا وفعل كذا، وبعد فترة وجيزة وإذا بنا نشيعه شهيدًا قد قضى نحبه في سبيل الله، وكم سمعنا عن اتهام المشرفين بتهم كثيرة ولكم تعرّضوا إلى التشويه الممنهج، إلى أن سقط أغلبهم شهداء في سبيل الله، ليتبين زيف تلك الافتراءات وفداحة الجرم الذي يرتكبه من يشيعها ويتداولها في حقهم.
التساؤل الثاني: ما الذي حرك الشهداء؟
لقد حركتهم ثلاثة أمور:
الأول: القرآن الكريم حين دعاهم الله تعالى فيه إلى التحرك الجهادي في مواجهة أي اعتداء كقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وغيرها من الآيات الكثيرة، لأنهم من أكثر الناس إيمانًا بالله تعالى وتوكلًا عليه وثقة به، وأكثر وأصدق الناس عملاً بالقرآن الكريم، فترجموا تلك الآيات وجسدوها على أرض الواقع في جبهات القتال وميادين الشرف والعزة والبطولة.
الثاني: حركهم ما رأوه من جرائم يندى لها جبين الإنسانية بحق أبناء شعبهم وأمتهم ودينهم، فحركتهم أشلاء الأطفال والنساء المتناثرة، والجثث المتفحة داخل البيوت وفي أماكن التجمعات، والمجازر الوحشية والفضائع الدموية التي يرتكبها العدو الأمريكي السعودي ومن تحالف معه من الخونة والمرتزقة والعملاء، لأنهم أصحاب نخوة وإباء وعزة وشرف، فلم يرضوا لأنفسهم أن يشاهدوا كل هذه الجرائم كغيرهم ببرودة أعصاب، وهم الذين كانوا يتألمون حينما كانوا يرون مثل الجرائم الإسرائيلية بحق فلسطين، والأمريكية بحق العراق، ويتحرقون شوقًا لنصرة إخوانهم في فلسطين والعراق ضد العدو الإسرائيلي والأمريكي، وطالبوا بفتح باب الجهاد من قبل الدول المجاورة لهما ليتمكنوا من الوصول إليهما، ولمّا لم يحدث ذلك عادوا إلى بيوتهم وأعينهم تفيض من الدمع، كما عاد غيرهم أيضاً ممن يعتبرون أنهم قد قاموا بما يستطيعون ولم يعد عليهم أيَّ تكليف.
وفجأة وعلى حين غرة يتعرض بلدهم اليمن إلى عدوان أجنبي غادر، مسنود بعملاء وخونة ومرتزقة من الداخل بذرائع واهية وسخيفة، فرأوا بأم أعينهم وسمعوا بآذانهم أزيز الطائرات، لكن ليس من شاشة التلفاز ولا عبر نشرات الأخبار، وليس في فلسطين أو في العراق، بل على أرض الواقع في اليمن، فنهضوا لأنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولم يحتاجوا لفتح باب الجهاد ليخرجوا من بلادهم للجهاد في بلد آخر لأن العدو جاء وكسر الباب ودخل إلى البلاد، ولم يكن يفصلهم عن جبهات القتال إلا ساعة زمن بالسيارة أو أقل، فواجهوا وقاتلوا بكل عزة وشجاعة وبأس وإقدام واستبسال، كي لا يتمكن العدو من إهانة أهليهم وأبناء شعبهم ويُغَيّر دينهم، قاتلوا بعد أن نفروا من بيوتهم ومن بين أهلهم وأحبائهم حتى لا يصبحوا إن قعدوا عندهم لاجئين أو نازحين، أو يُقتلوا كالنعاج في قراهم وحاراتهم، نفروا من المساجد حتى لا يكونوا عصاة لله تعالى الذي أمرهم بالنفير من بيوتهم وبيوته على حد سواء إلى جبهات القتال، فكانت أرض الجبهة أفضل عندهم من البيوت ومتارسهم أفضل من المساجد ومحاريب العبادة.
الثالث: حركتهم القيادة المؤمنة التي كانت السباقة في تقديم أفضل الشهداء وأعظم التضحيات، فرأوا صدقها وشجاعتها وبذلها وعطاءها فتحركوا تحت رايتها مقتدين بها نافرين في سبيل الله مثلها.
التساؤل الثالث: لماذا سقط وقُتل الشهداء؟
مع استمرار تساقط الشهداء بشكل يومي على مدى عامين من العدوان لا يجوز أن يتعود الناس على هذا الأمر بل يجب أن نتساءل: لماذا يسقطون يوميًا؟ لماذا يُقتلون؟
والإجابة عن هذا التساؤل تنقسم إلى قسمين:
الأول: سقط الشهداء وقُتلوا لأن هناك عدوانًا أجنبيًا غادرًا استقطب الكثير من المرتزقة ليقاتلوا معه، فخاضوا ضده معارك شرسة وكبيرة استخدم فيها العدوان أحدث الأسلحة الفتاكة من طائرات حربية وبوارج بحرية وأقمار تجسسية، فثبتوا أمام كل ذلك بإيمانهم وأسلحتهم الشخصية، وكسروا الزحوف واقتحموا مواقع العدو بكل بسالة، ولم يهربوا من الميدان ولم يفروا وتلقوا الرصاص والقذائف والقنابل بأجسادهم حتى لا يتمكن العدو من تحقيق أهدافه الانتقامية.
الثاني: وهو الأهم بالنسبة لنا: إنهم وحدهم من تحمّل المسؤولية كاملة، بسبب قعود الكثير ممن لم ينفروا للجهاد ويسندوهم في الجبهات، وسنُسأل يوم القيامة بين يدي الله تعالى عن دماء الشهداء، ليس على أساس أننا مَنْ سفكها بل على أساس أننا تركناهم وحدهم في الميدان، ولم نقاتل معهم جنبًا إلى جنب وكتفًا بكتف ويدًا بيد، ولم نتخذ موقفًا حقيقياً عمليًا جهاديًا مؤثرًا في مواجهة العدوان ومرتزقته وعملائه، ولهذا سنُسأل يوم القيامة من هذا الباب لأنه لو نفر الجميع مرة واحدة لَقَلَّتْ التضحيات ولقلَّ عدد الشهداء ولوصلنا أسرع إلى النصر واختصرنا الثمن والزمن في مواجهة هذا العدوان.
فنسبة المجاهدين قليلة مقارنة بنسبة القاعدين، ولأنهم قليلون لا يدرون أفي هذه الجبهة يقاتلون أم تلك لكسر الزحف فيها؟ أم ينتقلون لصد زحف أكبر في الجبهة الأخرى التي الضغط فيها أكبر؟ ولا يوجد زخم بشري جهادي يرابط ويُؤمِّن خلفهم، فتحصل عليهم التفافات معادية وهكذا يتساقطون بسبب تفريط القاعدين الذين من المُفترض أن المواقع الفارغة والثغرات التي يتسلل منها الأعداء هي مواقعهم، لذلك يتحملون جزءًا من المسؤولية في سقوط الشهداء.
التساؤل الرابع: ما واجبنا ومسؤوليتنا نحو الشهداء؟
يتبادر إلى الذهن الاهتمام بأسر وعوائل الشهداء، وهذا فعلًا من أهم الواجبات، فالشهداء أحسنوا إلينا، فكيف لا نحسن إلى أسرهم والله تعالى يقول: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
ولكن هناك واجباً آخر ومسؤولية مهمة نحو الشهداء، وهي أن نتعلم منهم وأن نعيش القضية التي عاشوها، وأن نقوم بالدور الذي قاموا به وتركوه باستشهادهم، فمسؤوليتنا هي أن نملأ كل المواقع التي كان يشغلها الشهداء، وأن نـتأهل عسكريًا حتى نكون خير خلف لخير سلف، ولا ينبغي أن يقتصر دورنا على حضور تشييعهم وعزائهم، وقراءة الفاتحة على أرواحهم والترحم عليهم والدعاء لهم، ونتذكر مناقبهم ثم ننتظر حتى يسقط شهيد آخر، ونعيد الكرة مرة أخرى ونقوم بنفس الدور وهكذا دواليك.
التساؤل الخامس: الشهداء شهداء على مَنْ؟
الشهداء يشهدون على هوان وضعف الباطل، رغم ما يمتلك من إمكانات عسكرية واقتصادية وإعلامية وسياسية، وزخم بشري هائل وتطور كبير وسيطرة على مستوى العالم، فقد أسقط الشهداء كل ذلك تحت أقدامهم، وأفقدوا الأسلحة الحديثة من طائرات وغيرها فاعليتها، حيث لم يعد لها تأثير كبير على مسار المعارك بفضل ثباتهم وعظيم إيمانهم.
ويشهدون على قوة الحق رغم قلة عدد أهله وقلة إمكاناته، فقد أقاموا الحجة على كل من يقول إننا ضعفاء، ولا يمكننا فعل شيء أمام القوى العظمى وامبراطوريات المال الخليجية.
ويشهدون على أهمية اعتمادنا على قوتنا الذاتية بعد اعتمادنا على الله سبحانه، وأن بإمكاننا أن نصنع ما نحتاجه ونكتفي ذاتيًا، فببركة دمائهم ها هو اليمن الذي كان الجميع يستهين به حتى الكثير من أبنائه باعتبار ما كان عليه سابقًا، أنه لا يستطيع صناعة حتى الملاخيخ وإبر الخياطة، ها هو اليوم يصنع صواريخ بالستية بعيدة المدى وطائرات بلا طيار ومدافع وقذائف، وغيرها مما لم يُكشف الستار عنه، وهو في وضع حرب ضروس وحصار خانق، وهو الرائد على مستوى العالم العربي وبكل فخر في هذا المجال.
ويشهدون على بطلان اعتقاد وشعور بقية أبناء الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية بعدم إمكانية مواجهة القوى العظمى، وذلك من حيث أن قلة من المجاهدين اليمنيين المعتمدين على الله صنعوا كل هذه الانتصارات بفضل الله تعالى، وصمدوا كل هذا الصمود الأسطوري في وجه أعتى عدوان وأقوى الدول، ورغم وجود المرجفين والمتآمرين في مناطق سيطرتهم، ووجود الكثير من الخونة والعملاء والمرتزقة من الداخل، ورغم خذلان من لم يتآمر من إخوانهم وأشقائهم العرب والمسلمين، فكيف سيكون الحال لو لم يكن هناك مرتزقة ولا عملاء ولا مرجفون من الداخل اليمني؟ وكيف سيكون المستقبل لو التف العرب والمسلمون حول دينهم وقرآنهم وواجهوا أعداءهم كما واجههم المجاهدون اليمنيون؟
ويشهدون على سقوط معاذير كل القاعدين وأصحاب التبريرات وأدعياء الحياد، وأنه لا عذر لأيّ أحد ممن لديه القدرة على حمل السلاح والقتال والجهاد في سبيل الله، وما يمكن أن يقدمه أي أحد من الأعذار فهو ساقط قد فَنَّدّهُ الشهداء بدمائهم الزكية ومواقفهم العظيمة وجهادهم المقدس، فمن يقول لن يجاهد لأن لديه أولاداً فللشهداء أولاد أكثر، ومن يقول إن لديه مشاغل فقد كانت للشهداء مشاغل أكثر، ومن يقول إنه فقير فمن الشهداء من كان أفقر، ومن يقول إن لديه مشاكل فمن الشهداء من كان لديه مشاكل أكثر، فهم حجج الله على الباقين وما ينطبق على الشهداء ينطبق على المجاهدين، فلم يعد لدينا أي عذر لأن الذي حرك الشهداء ودفعهم هو القرآن الكريم والتوجيه الإلهي من بيننا، فسيسألنا الله تعالى يوم القيامة ويحاسبنا: لماذا لم نقم بواجبنا ونجاهد كما جاهد المجاهدون والشهداء؟ وكلما اعتذرنا سيحتج علينا بالشهداء والمجاهدين، ثم ما الفرق بيننا وبين الشهداء والمجاهدين؟ ألسنا رجالاً كما هم رجال؟ أليس لنا عزة كما لهم؟ ماذا ننتظر حتى يستشهد بقية المجاهدين فيدخل العدو إلينا وينتهك العرض أمام الأعين، ونحن عاجزون لا نستطيع تحريك ساكن وتملأنا الحسرة والندامة؟ وسنشعر بوضاعة النفس حين لم نتحرك مع المجاهدين والشهداء أو كما تحركوا.
والشهداء كذلك يشهدون على كل مسؤولي الدولة والذين ما كان لهم أن يتبوأوا تلك المناصب لولا تضحياتهم فيشهدون على كل من ينحرف عن خط الحق وإقامة العدل، ويفسد ويأخذ الأموال ويهدر الثروات، ولا يهتم بالمستضعفين الذين ضحوا من أجلهم.
يشهدون كذلك على النصر الاستراتيجي القادم بإذن الله تعالى، كونهم مشوا على خط الإيمان الحقيقي، فالله تعالى يقول: (وكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) والمؤمنون هم من قال الله تعالى فيهم:(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) ويقول سبحانه أيضاً عنهم:(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ).
كما يشهدون على واحدية مشروع الشهداء في سبيل الله في العالم الإسلامي، حيث العدو واحد وهو العدو الإسرائيلي والأمريكي ومن تحالف معهم والعدو التكفيري، فالقضية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والبحرين وكل الشعوب العربية والإسلامية المظلومة قضية واحدة وعادلة، ومقدسة وإن اختلف المكان،.
يشهدون على أن مشروع الجهاد في سبيل الله واحد وإن اختلف الزمان، فسبيل الله هو سبيل واحد ممتد منذ الأنبياء وحتى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، ولو تقدم الزمان بشهدائنا لكانوا شهداء في بدر أو أحد أو صفين أو كربلاء ، ولو تأخر الزمان بشهداء ذلك الزمن الأول لكانوا شهداء في هذا العصر ضد العدو الأمريكي الصهيوني والتكفيري.
كما يشهدون على أن الشهادة واحدة وإن اختلفت طرقها من استشهاد بقصف طيران، أو برصاص أو بتفجير انتحاري أو باغتيال أو بالسم أو بالتعذيب، أو بحادث مروري في الجهاد أو حتى بالخطأ في الجبهة أو بأي شكل من الأشكال طالما هو في سبيل الله.
ويشهدون على أن المستقبل لمن يتحرك ويضحي ويواجه قوى الطاغوت والاستكبار حتى تجري عليهم سنة الاستبدال الإلهي في قوله تعالى:(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) وقوله سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
والله من وراء القصد