*عروسة أمبحر التي يتناهشها الأغراب والأذناب
عباس السيد
تكتسب محافظة الحديدة أهمية جيوسياسية واقتصادية بالغة ، وتبلغ مساحتها 18 ألفاً و500 كيلومتر مربع ، وبساحل طويل يمتد على الضفة الشرقية للبحر الأحمر بطول 300كم ، يبدأ من مديرية اللحيَّة شمالا حتى مديرية الخوخة جنوبا.
كما تنتشر قبالة سواحل الحديدة أكثر من 40 جزيرة أكبرها جزيرة كمران ، بالإضافة إلى جزر أرخبيل حنيش وهي حنيش الكبرى، والصغرى ، و جزيرة زقروالتي يوجد فيها أعلى قمة جبلية في البحر الأحمر بارتفاع يصل إلى 2047 قدما (624 مترا) فوق مستوى سطح البحر وتشرف على الممرين البحريين ، الممر المحاذي للشاطئ الأفريقي ويمر بقناة السويس ، والممر المحاذي للشاطئ الآسيوي والذي يمر بالموانئ السعودية ويؤدي إلى خليج العقبة .
وتعد المحافظة اليمنية الثانية من حيث الكثافة السكانية بعد محافظة تعز ، حيث يتجاوز عدد سكانها مليوني نسمة ، حوالي 700 ألف نسمة منهم في مدينة الحديدة .
لمحافظة الحديدة ثلاثة موانئ هي : ميناء الحديدة ، الصليف ، و رأس عيسى . ويعد ميناء الحديدة ثاني أكبر موانئ اليمن، بعد ميناء عدن، إذ يتوسط الساحل الغربي لليمن، ويتمتع بعدد من المزايا أهمها قربه من خطوط الملاحة الدولية ، وعبر هذا الميناء تدخل أغلب واردات اليمن من الغذاء والنفط والمساعدات الإنسانية ، وهو المنفذ الوحيد الذي لايزال خارج سيطرة التحالف السعودي .
الحديدة تستعصي على العدوان
ومنذ أكثر من عامين شهد الساحل الغربي أقوى المعارك وأشرسها ، حيث يرمي تحالف العدوان بكل ثقله في هذه الجبهة التي بدأها قبل أكثر من عامين . وتمثل السيطرة على الساحل الغربي هدفا مشتركا لقوى العدوان الخارجي بجناحيه ، العربي المتمثل بالسعودية والإمارات ، والأجنبي المتمثل بالولايات المتحدة وبريطانيا وبينهما إسرائيل .
وخلال العام 2018 ، كثف العدوان من عدته وعتاده وحشد الآلاف من المرتزقة المحليين والأجانب . وفي يونيو الماضي كشف مسؤول مقرب من حكومة هادي للجزيرة نت عن ضوء أخضر أمريكي لقوات التحالف السعودي الإماراتي بالسيطرة على الحديدة ومينائها ، رغم إدعاء الإدارة الأميركية رفضها مهاجمة الحديدة بعد تلقيها رسالة من دولة الإمارات في يونيو الماضي بطلب المساعدة في معركة السيطرة على مدينة الحديدة .
الرئيس الشهيد الصماد والحديدة
أهمية الحديدة بالنسبة لليمن واليمنيين جسدها الرئيس الشهيد صالح الصماد في أبهى صورة . فقد كان الشهيد يعي أهمية الحديدة وضروة التضحية من أجل الدفاع عنها ، وقدم دروسا وطنية استثنائية في حياته واستشهاده لتحصين الحديدة والدفاع عنها والتضحية من أجلها.
في آخر خطاب له بمدينة الحديدة بتاريخ 19 أبريل الماضي ، أكد الرئيس الشهيد صالح الصماد أن الأميركيين هم من يتبنون معركة الساحل الغربي ، وقال: بلغنا معلومات مؤكدة أن الأميركيين هم يتبنون معركة الساحل، فالسعوديون والمرتزقة عبارة عن خدام لهم” مشيرا إلى إسقاط طائرة أميركية لم يكشف عن نوعها في الساحل. وكشف الشهيد في ذلك الخطاب عن الدفاعات الجوية اليمنية، الأربعاء 18 أبريل، طائرة إم كيو ريبر الأميركية متعدة المهام والأكثر تطورا في العالم في سماء محافظة الحديدة .
وكان الرئيس الشهيد صالح علي الصماد قد دعا أبناء محافظة الحديدة للخروج في مظاهرة حاشدة تحت عنوان “مسيرة البنادق” لمواجهة أي تصعيد لقوى العدوان في الساحل الغربي.
وفي كلمته الأخيرة خلال اجتماعه بقيادات السلطة المحلية ، شدد الرئيس الصماد على خروج أبناء المحافظة خروجا مشرفا في مظاهرة حاشدة رافعين البنادق ، وقال : “نريد من أبناء الحديدة أن يوجهوا رسالة في المظاهرة الحاشدة للسفير الأمريكي أننا سنستقبله على خناجر البنادق.” وفي الخامس والعشرين من أبريل شهدت مدينة الحديدة مسيرة حاشدة شارك فيها عشرات الاف من أبناء الحديدة حاملين صور الشهيد الصماد ومؤكدين السير على خطاه .
فشلت قوات العدوان في الوصول الى الحديدة ، وانكسرت زحوفاتهم أكثر من مرة ، وتقطعت أوصال جحافلهم في مديريات التحيتا والدريهمي جنوب مدينة الحديدة .
وعلى وقع تداعيات جريمة خاشقجي التي أربكت قيادة تحالف العدوان وخلطت أوراقه ، حاول بعض الحلفاء الدوليين غسل أيديهم من الجرائم التي اقترفها بن سلمان بمساعدتهم وتواطؤهم . ومن بين أولئك الحلفاء ، الولايات المتحدة .
وبعد نحو شهر من جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول ، وفشل النظام السعودي في إبعاد التهمة عن ولي العهد ـ الحليف المدلل ـ للبيت الأبيض ـ خرج وزيرا الخارجية الأميركي جيمس ماتيس ، ووزير الدفاع مايك بومبيو بتصريحات تدعو إلى وقف الحرب في اليمن وبدء المفاوضات السياسية في غضون ثلاثين يوما ، وكانت هذه الدعوة أشبه ما تكون بتوجيه أمر من ” القائد الأعلى ” .
ومع ذلك ، لم يصاحب الدعوات الأميركية إجراءات على الأرض ، أو تحرك سياسي دولي عبر المنظمة الدولية ومجلس الأمن لترجمة تلك الدعوات . وكانت مهلة الثلاثين يوما التي حددها الوزيران الأميركيان بمثابة مهلة أخيرة للتحالف السعودي الإماراتي لإعادة الكرة مرة أخرى ومحاولة السيطرة على مدينة الحديدة ، ورغم كل الحشود واستنفار كافة الإمكانات للمعركة التي تجاوزت المهلة وظلت مستمرة حتى أثناء انعقاد المشاورات في ستوكهولم ، فشل العدوان مرة أخرى في الوصول إلى مدينة الحديدة .
الحديدة في إحاطة المبعوث جريفيث لمجلس الأمن
ومثلما كانت الحديدة والساحل الغربي بشكل عام ، مركز الأطماع الخارجية في اليمن على مر التاريخ ، ظلت الحديدة مركز الثقل في المعركة الشرسة التي فرضها العدوان على شعبنا ، وهي أيضا مركز الثقل في المشاورات السياسية التي شهدتها العاصمة السويدية ستوكهولم .
وفي إحاطته التي قدمها لمجلس الأمن بعد أيام من انتهاء المشاورات ، قال المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث مخاطبا أعضاء المجلس بنشوة من حقق نصرا أو إنجازا : ” أهم شيء تم الاتفاق عليه هو إنهاء المعارك في الحديدة. لقد دعا هذا المجلس منذ شهور للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، أعتقد أننا توصلنا إليه الآن. دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بعد نشر الوثائق في 13 ديسمبر. ” .
وأضاف : ” يشمل الاتفاق الانسحاب المتبادل التدريجي والسريع للقوات من موانئ الحديدة الثلاث والمدينة. وسيتم تطبيق ذلك في سياق وقف إطلاق النار على مستوى المحافظة، ومطلوب من الأمم المتحدة أن ترصد امتثال الأطراف لهذه الالتزامات. أنا متأكد من أن هذا المجلس يرغب في تلبية هذا المطلب. إن نظام مراقبة قويا ومختصا ليس ضروريًا فقط بل هو حاجة ملحة أيضا، وقد أخبرنا الطرفان أنهما سيرحبان به وسيعتمدان عليه. وبناء على تعليمات الأمين العام، فإن الإدارات المعنية في نيويورك وأماكن أخرى بدأت بالفعل في التخطيط للانتشار العاجل رهناً بقرارات هذا المجلس ” .
جريفيث ” الحديدة غير.. ”
ويمضي جريفيث في إحاطته : ” كانت الحديدة وما زالت محل الاهتمام الدولي هذا العام ، فهي ليست فقط مركز ثقل هذا الصراع، بل هي شريان الحياة الحيوي للبرنامج الإنساني الذي يعتمد عليه ملايين اليمنيين. إن احتمال حصول مجاعة مروعة جعل التوصل لحل في الحديدة أمراً مهماً وضروريًا. ولهذا السبب، فإن الطبيعة الدقيقة لعمليات الانسحاب المتفق عليها تتمحور حول المتطلبات الإنسانية، والسماح للأمم المتحدة بلعب دور رائد في الموانئ هو استجابة أولى لذلك. ويجب أن نرى تطبيقا لذلك في غضون أيام. وستتولى الأمم المتحدة دورًا رائدًا في دعم مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية في عمليات الإدارة والتفتيش في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، والتي ستشمل مراقبة معززة من قبل مراقبي آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM).” .
ويستطرد بلغة ” الديبلوماسية الإنسانية ” : ” لقد طور فريق الأمم المتحدة بقيادة زميلتي وصديقي ليز غراندي خطة تسعى للحصول على دعم محدد من الدول الأعضاء في الميناء، حيث كانت ليز غراندي وزملاؤها جزءا لا يتجزأ من صياغة الاتفاقات على الحديدة. فقد كان اثنان من زملائها معنا في السويد. أنا ممتن لها ولهم. وسيقومون بدور قيادي في الجوانب المدنية للاتفاقية. أود أن أشدد هنا على أن الحديدة تختلف عن أي أمر اخر، ولهذا السبب تعمدنا أن تكون الترتيبات التي تم الاتفاق عليها هي محددة زمنيا. إنها خطوة إنسانية لإنقاذ الأرواح وتحويل مسار الحرب نحو السلام “.
وفي لقاء للمبعوث الأممي مارتن جريفيث مع موقع ” أخبار الأمم المتحدة ” في 23 ديسمبر ، كانت الحديدة هي محور الحديث ، وبدأ من تقييمه لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة.
حيث قال : ” يعد ذلك من بين الأشياء التي لا يمكن معالجتها إلاّ من خلال الأمم المتحدة. والمثال الجيد على ذلك يتمثل في أن مراقبة وقف إطلاق النار والانسحاب سيتم تحت قيادة الجنرال باتريك كمارت الذي يتمتع بخبرة واسعة، نحن محظوظون لعمله معنا. والأمين العام نفسه حريص للغاية على التحرك بشكل عاجل على مسار تنفيذ وقف إطلاق النار. وفي غضون أسبوع من التوصل إلى اتفاق في السويد، بدأنا في رؤية الناس يتحركون ويعملون على الأرض في الحديدة. سيكون الأمر صعبا ولكنها بداية جيدة. وبشكل عام فإن اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة قائم ” .
لجنة تنسيق إعادة الانتشار
وحول دور ” لجنة تنسيق إعادة الانتشار ” التي يرأسها الجنرال الهولندي كمارت ، والقدرات المتوفرة لديه لتنفيذ هذا الدور على الأرض ، قال المبعوث الأممي : ” سيـُفصل الأمين العام ذلك في تقرير إلى مجلس الأمن الدولي، إذا حدث ما نتوقع وصدر قرار من المجلس خلال يوم أو اثنين يطلب تقديم مثل هذا القرار. تفاصيل بعثة الجنرال كمارت ستكون واضحة عندما يتوجه إلى هناك، وستتضح أيضا في التقرير المقدم إلى مجلس الأمن. ولكن، كما أعتقد، سيتمركز المراقبون غير المسلحين تحت قيادته في مواقع رئيسية بأنحاء مدينة وميناء الحديدة، مزودين بآلية إبلاغ قوية. ووفق المتصور، ستقدم تقارير أسبوعية إلى مجلس الأمن بشأن الامتثال للاتفاق. أعتقد أن هذا الأمر مهم للغاية ويمنح الثقة للأفراد والمجتمع الدولي ولنا في أن الاتفاق سينفذ ” .
وأضاف : ” المراقبون غير المسلحين سيعتمدون بشكل أساسي على حسن نوايا الأطراف. والأمر المهم هو أن الطرفين أعربا عن دعمهما الكامل لأنشطة المراقبة. ونحن نعلم أن ممثلي الطرفين يعرفان بعضهما البعض جيدا وقد عملوا معا من قبل. ويعطينا ذلك بعض الثقة. لا يمكن أن ينجح اتفاق لوقف إطلاق النار عبر المراقبة فقط، ولكن النجاح يأتي عبر إرادة الطرفين. ولم أسمع من أي من الطرفين ما يثير الشكوك في أنهما سيلتزمان بذلك. لا يعنى هذا أن الأمر سهل، ولكنني واثق أن الإرادة موجودة ” .
دور الأمم المتحدة في الميناء
واعتبر جريفيث أن الدور الرئيسي الذي ستقوم به الأمم المتحدة لدعم إدارة ميناء الحديدة ، قد يكون أكثر أهمية من وقف إطلاق النار نفسه ، وأشاد بدور ليزغراندي منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية وزملائها في وكالات الأمم المتحدة الذين وضعوا خططا مفصلة لذلك ـ حسب قوله . وقال : ” كنا محظوظين في السويد بحضور ممثلين عن مكتبها وبرنامج الغذاء العالمي، الذين كانوا منخرطين للغاية في ذلك منذ البداية. وأعلم أن برنامج الغذاء العالمي، الذي غالبا ما سيقوم بالدور الرئيسي في تعزيز عمل سلطة موانئ البحر الأحمر في اليمن، قد بدأ بالفعل التفكير في كيفية فعل ذلك ” .
واختتم جريفيث حديثه لموقع ” أخبار الأمم المتحدة ” قائلا : ” يجب أن نتذكر أننا كنا نتفاوض بشكل فاعل حول اتفاق ما بشأن الحديدة منذ مايو/أيار، بسبب القضايا الإنسانية والقلق إزاء تعقيد الوضع في المدينة والميناء. لذا كنا نعرف الكثير عن الاتجاه الذي نريد التحرك على مساره، وكنا محظوظين للغاية لأن الأطراف في السويد اتفقت معنا ” .
خلاصة :
تلك هي الحديدة كما يراها اليمنيون ، وهي تستحق كل تضحياتهم من أجل الدفاع عنها . وتلك هي الحديدة في أجندات الصهيونية وقوى الاستعمار وأذنابها في المنطقة العربية ، فما عساها أن تكون بالنسبة لأذناب الأذناب من المرتزقة المحليين الذين يساقون كالقطيع في معركة يقولون أنها لتحرير الحديدة والسيادة على الميناء ، وهم من أضاعوا الاستقلال والسيادة في كل المدن والموانئ من نشطون في المهرة إلى المخاء في تعز .
ما نشرته نيويورك تايمز عن الموت في البحر …