ج◌ِمöيل◌َ ي◌ْحب◌ْø الج◌ِمالú

● الجمال جزء أصيل في تكوين وتصميم الكون وكل ما في الوجود من آيات ومخلوقات! فالله سبحانه وتعالى زين هذا الوجود وجمله وأعطى كل شيء خلقه فيه ثم هدى, لأنه جميل يحب الجمال. لذلك تنجذب القلوب الحية وتسحر بجمال الحياة والكون. وتحلق في ميدان السعادة والأنس حينما تنطلق العقول من دهشتها بروعة جمال الآيات وتصل إلى غايتها حين تتفكر بخالق هذا الجمال ومبدع هذه المخلوقات. فإذا كان هذا الجمال بالمخلوقات كيف بجمال خالقها¿.
يدعو الجمال أولي العقول لينظروا باري الجمال ومن به يتجملون
روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صِلِى اللِهْ عِلِيúه وآله وِسِلِمِ أنه قال: (إن الله جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده)[1]
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال:صلى الله عليه وسلم (إن الله جميل يحب الجمال). وروى مكحول عن عائشة قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله صِلِى اللِهْ عِلِيúه وِسِلِمِ ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم وفي الدار ركوة فيها ماء فجعل ينظر في الماء ويسوي لحيته وشعره. فقلت: يا رسول الله وأنت تفعل هذا¿ قال: (نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال)[2] يقول الطبري في تفسيره للآية (الِذي أحúسِنِ كْلِ شِيúءُ خِلِقِهْ) قال: “(أحد وجهين: إما ما يدل على معنى الإحكام والإتقان أو معنى التحسين الذي هو في معنى الجمال والحْسن[3]) “
سبحان من زان الخلائق كلها
وكسا جميع الكائنـات جمالا
الجمال الباهر يقود إلى الحقيقة الأصلية
فالنظر في الجمال أنس وبهجة والكون كله جميل يدل على صانع الجمال يوجب الأنس به, يقول صاحب الإحياء: “فالأنس معناه استبشار القلب فرحة طالعة الجمال حتى إنه إذا غلب وتجرد عن ملاحظة ما غاب عنه وما يتطرق إليه من خطر الزوال عظم نعيمه ولذته ومن هنا نظر بعضهم حيث قيل له أنت مشتاق فقال لا إنما الشوق إلى غائب فإذا كان الغائب حاضرا فإلى من يشتاق ومن غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا في الانفراد والخلوة”[4]
من معاني الجمال
“يراد بالجمال: التجمل كأنه مصدر على إسقاط الزوائد. والجمال في الصورة يعني حسن التركيب يدركه البصر فتتعلق به النفس من غير معرفة. وفي الأخلاق باشتمالها على الصفات المحمودة: كالعلم والعفة والحلم وفي الأفعال: بوجودها ملائمة لمصالح الخلق وجلب المنفعة إليهم وصرف الشر عنهم. والجمال الذي لنا في الأنعام هو خارج عن هذه الأنواع الثلاثة والمعنى: أنه لنا فيها جمال وعظمة عند الناس باقتنائها ودلالتها على سعادة الإنسان في الدنيا وكونه فيها من أهل السعة فمن الله تعال بالتجمل بها كما من بالانتفاع الضروري لأن التجمل بها من أغراض أصحاب المواشي ومفاخر أهلها والعرب تفتخر بذلك (فالúمِالْ وِالúبِنْونِ زينِةْ الúحِيِواة الدْنúيِا) , وقوله تعالى: (زْينِ للنِاس حْبْ الشِهِوات)” [5]. والجمال المدهش المؤثر في الوجود وسائر المخلوقات فهو السمة البارزة في جمال هذه الحياة. في الثمار والينع والزهر وغيره والتي جاء التوجيه الرباني بالنظر إليه والتملي فيه ثم النظر إلى مبدع هذا الجمال الباهر, وهو ما نريد أن نصل إليه هنا. هذا الجمال على الوجود كأنه يدعو بني الإنسان أن يتأملوا.
يا من يرى خافي الصدور ولا نراهْ
وله الثناءْ بكل شيء قد براهْ
وله الخلائقْ سِبحتú وتِبِتِلتú
وكسا جمال الكائنات سِناهْ
في كل شيء نجتلي إبداعه
وبكل شيء نستبين علاهْ
لولاه ما انشق الوجود ولا انبرى
هذا الجمال بروعةُ لولاه
فطر الوجود لغاية وأحاطه
بجلال نور جماله وكساه
هذا الجمال يدل دون تكلف
أن الذي خلق الجمال إله
ما في الخلائق ذرة َخلقتú هبا
الأرضْ والأحياء والأمواهْ
انظر إلى ورق السنوسن هل ترى
في مثل حسن وْرِيúقهِا أشباه
انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه
“إنه الجمال المدهش المؤثر هو السمة البارزة في الثمار والينع انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه. ” فالجمال هو السمة البارزة هنا.. الجمال الذي يبلغ حد الروعة الباهرة.. المشاهد منتقاة وملتقطة من الزاوية الجمالية والعبارات كذلك في بنائها اللفظي الإيقاعي وفي دلالتها . والمدلولات أيضا -على كل ما تزخر به الحقيقة الأصيلة في هذه العقيدة- تتناول هذه الحقيقة من الزاوية الجمالية. فتبدو الحقيقة ذاتها وكأنما تتلألأ في بهاء ومما يوحي بالسمت الجمالي السابغ ذلك التوجيه الرباني إلى تملي الجمال في ازدهار الحياة وازدهائها فهو التوجيه المباشر إلى الجمال الباهر.. للنظر والتملي والاستمتاع الواعي. ثم ينتهي هذا الجمال إلى ذروته التي تروع وتبهر في ختام الاستعراض الكوني الحي حين يصل إلى ما وراء هذا الكون الجميل البهيج الرائع.. إلى بديع السماوات والأرض الذي أودع الوجود كل هذه البدائع.. فيتحدث عنه -سبحانه- حديثا لا تنقل روعته إلا العبارة القرآنية بذاتها “انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه” [6]
انظـرú إلى زِهو العصِافير الـتي
تِفúتِرْ في تسبيحهِا وتْهِلِــــــــــــلْ
وإلى بكاء المúعúصرات وذا النِدى
يتعانقان هنا فيولدْ جـدوِلْ
وإلى حِديث الكون حينِ يِشف عن
معنى الجمال وفي السعادة يرفلْ
حْلِلْ البِديع جداولَ مْنسابــةَ
تهـدي الحياةِ بِريقهِا وتْسِنúبلْ
فبحسن هذي الكائنات ومن برى
في حكúمِةُ هذا الجلالِ تأملوا
هوامش
[1] القرطبي 20/103
[2] الحديث في الكتاب الجامع للتفسير القرطبي الجزء 7ص 197
[3]: جامع البيان في تأويل القرآن محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبعة: الأولى 1420 هـ – 2000 م
بن غالب الآملي أبو جعفر الطبري[ 224 – 310 هـ ] المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة
[4] إحياء علوم الدين
[5] تفسير البحر المحيط: محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي: دار الكتب العلمية – لبنان/ بيروت – 1422 هـ – 2001 الطبعة: الأولى دد الأجزاء / 8 تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبدالموجود – الشيخ علي محمد معوض
[6] الظلال (1152 – 1152) سورة الأنعام: الجزء رقم (2)

قد يعجبك ايضا