منذ تأسيسه عام 1981م، كان مجلس التعاون الخليجي بمثابة مظلة لدول منطقة الخليج الفارسي لتعزيز التعاون الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأمني.
علاوة على ذلك، لا يمكن إنكار حقيقة أن الممالك البترولية الصغيرة في شبه الجزيرة العربية كانت دائما عرضة لتهديد شديد من جانب الدول الناشطة والجهات الفاعلة غير الدولية. فعلى سبيل المثال، زاد غزو العراق للكويت في عهد نظام “صدام حسين” في التسعينات من الحاجة إلى اتخاذ تدابير أمنية رادعة في المنطقة.
وغالبا ما يقال إنه بدون وجود مجلس التعاون الخليجي، لم تكن الممالك البترولية الصغيرة لتحظى بأي وضع مميز في الشرق الأوسط.
وفي كل عام، تتجمع دول الخليج الفارسي في قمة مجلس التعاون الخليجي لمناقشة الشؤون الجيوسياسية والأمنية في المنطقة، وهذا العام، تم عقد القمة في العاصمة السعودية الرياض، في 10 أكتوبر.
وكانت القمة مثيرة للاشمئزاز والجدل معا، بسبب الدعوة الخاصة من قبل ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، لحاكم قطر الشيخ “تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني” لحضور القمة، رغم استمرار المقاطعة والحصار البحري والبري والجوي من قبل السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر، منذ يونيو 2017م.
وتم تبرير هذا الحصار بمزاعم اتهمت قطر برعاية الإرهاب، ونشر أخبار غير مناسبة عبر شبكتها الإعلامية العالمية، الجزيرة، وقد نفى حاكم قطر هذه الادعاءات، حيث وصفها بأنها مطالب زائفة لانتهاك سيادة قطر.
ومع هذا الاستياء، امتنع أمير قطر عن حضور القمة الأخيرة، وبدلا من ذلك، أرسل وفدا برئاسة “سلطان بن سعد المريخي”، وزير الدولة للشؤون الخارجية، لحضور القمة.
ولم تفاجئ هذه الاستجابة القطرية الباهتة، الكتلة الخليجية العدوانية، التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ولكن بالنسبة لولي العهد “ابن سلمان”، قد يكون ذلك إشارة حمراء إلى أن قطر لم تعد رهينة في رقعة شطرنج دول الخليج الفارسي.
وانتقد وزراء خارجية دول المجلس أمير قطر لعدم قبول الدعوة، خاصة وزير الخارجية البحريني، الذي غرد قائلا: “كان من المفترض أن يقبل أمير قطر الدعوة الجادة لحضور القمة”.
وبالمثل، وبنفس الصوت المنسق، دعا جميع وزراء خارجية دول المجلس، قطر إلى تغيير سياستها من أجل بداية المفاوضات لرفع الحصار.
وجدير بالذكر أنه كان قد تم فرض نفس النوع من الحصار على قطر عام 2014م من قبل نفس الدول، لكن تم حل الأمر في القمة الخليجية في ذلك العام، ولكن يبدو أن الانقسام كان شديدا بين أعضاء المجلس في هذه المرة.
علاوة على ذلك، كانت المواضيع الأساسية في القمة الأخيرة هي القضايا الأمنية، والسياسة النفطية، وحرب اليمن، والحصار المفروض على قطر.
ومع ذلك، فقد أفسد غياب حاكم قطر روح المجلس، لأنه في هذه المرة، بعثت قطر برسالة واضحة أنها لن تتنازل عن سيادتها.
وفور فرض الحصار، تحركت كل من تركيا وإيران لإنقاذ قطر، إلى حد تهديد الرئيس “أردوغان” بنشر جيشه إذا حاولت دول المجلس غزو قطر.
وقبل القمة، أعلنت قطر في تحدٍ أنها ستترك منظمة “أوبك” بحلول يناير 2019م، وكانت قطر أول دولة تنضم إلى “أوبك” بعد تأسيسها في الستينات، وهي الآن أول بلد يغادرها.
وبحسب وزير الطاقة القطري “سعد الكعبي”، فإن بلاده ستنسحب من “كارتل” النفط بحلول يناير 2019م للتركيز على إنتاج الغاز.
علاوة على ذلك، تعد قطر المصدر الرئيسي للغاز الطبيعي المسال، حيث تملك ثاني أكبر احتياطي للغاز بعد روسيا.
وعلى الرغم من أن المغادرة المفاجئة لقطر من منظمة “أوبك” لن تؤثر في إنتاج المنظمة، لأن قطر تولد أقل من 2% من إنتاج الكتلة، لكنها ستؤثر في جيوسياسية الشرق الأوسط لأعوام قادمة.
وفي الآونة الأخيرة، تسببت جريمة قتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” داخل القنصلية السعودية في تركيا في زيادة تدهور العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والسعودية، وذلك لأن الرئيس “أردوغان” ألقى باللوم على ولي العهد السعودي في عملية القتل، وبهذا أضرت تركيا بالموقف السعودي في المنطقة.
وهكذا، مع هذه التطورات السياسية السريعة في المنطقة، أسفرت القمة الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي عن فشل كامل.
ولم يكن هناك نقاش جاد حول حل النزاعات الكبرى في منطقة الخليج الفارسي، التي تظهر بوضوح الوضع الحالي للمجلس، الذي يبدو كنسر تقدمت به السن ویحتضر في الصحراء.
• المصدر: اورا سيا ريفيو