“الشيطان عدو فاتخذوه عدواً”

محمد أحمد المؤيد
إن في الحياة الدنيوية ما يجعلنا نتحقق من أن هناك عدواً حقيقياً يؤثر في حياة الناس بشكل عام (ماضيهم وحاضرهم) , وقد ذكره الله في قوله تعالى : ” إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ” صدق الله العظيم , والذي لو تأمل الإنسان في ما المقصود بهذه الآية الكريمة , لوجد أن هناك ثمة شيئاً حذر منه الله تعالى أيما تحذير , حيث أن كلمة ” إن ” جاءت للتأكيد والتشديد والحزم وهو ” إن الشيطان ” أي ذلك الشيطان الذي هو رمز للشر والعصيان والنكران والتمرد على الله , والذي ذكره القرآن الكريم وقصة تمرده – في عدة مواضع من سور القرآن , وذلك بغية أن يعي الناس عظمة هذه القصة التي أخرجت أبانا آدم من نعيم الجنة وهبط بنا إلى عناء الدنيا – منذ الوهلة الأولى , وذلك عندما أمر الله ملائكته أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ” الشيطان عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ” أبى واستكبر , فأصبح بهذه العملة ومنذ تلك اللحظة رمزاً للشر والعصيان , الذي يغضب الله ويسخطه من جميع خلقه ومن عمل بعمله وانتهج نهجه وغوايته , ليس هذا وحسب بل إنه مذ تلك اللحظة صار يدعو إلى استمرار ذلك الشر بالعصيان لله (جل في علاه) بين خلقه , حيث أنه قد توعد بعزة وجلال الله ليغوينهم أجمعين إلا عباد الله المخلصين , وزاد وطلب من الله أن يمده بالعمر والجنود من الشياطين والمردة ” نعوذ بالله منهم ومن عملهم ” حتى قيام الساعة، لا لشيء وإنما ليغووا ويضلوا من حقت عليهم الضلالة من الثقلين الآنس والجن ” ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى “.
ومن خلال هذا التحذير الرباني الذي يدلنا إلى معرفة السبب الرئيسي لكل ما يكدر صفو حياة الناس وينكدها ويجعل غالبية الناس إن لم نقل جميعهم في حسرة وندم قد يلازمهم إلى أن يلقوا الله، لا لشيء وإنما بسبب التقصير مع الله وعصيانه وعدم التزام منهجه واتباع رسله ” عليهم أفضل الصلاة والسلام ” , والذي ما كان للإنسان على وجه العموم أن يعصي الله لولا وجود من ذكره الله في تلك الآية السابقة بأنه لكم – أي لنا – عدو , وماذا ياربنا ؟ .. ” فاتخذوه ” عدواً .. أي فاجعلوه في محمل العداوة الأبدية الدائمة المستمرة لكم وليس الآنية، وكذا لا تنظروا إلى هذا الشيطان وكل ما يوسوس به ويدعو إليه ويحثكم عليه إلا بمنظور العداوة التي بعداوتكم له تحذرون من الولوج في زمرته وموالاته وجنوده ومن يدعو إلى المضي في صفه وحزبه، لأن من كان الشيطان وليه ” ونعوذ بالله ” فقد حرم الله عليه الجنة وصار حطباً لجهنم .
ولذلك فلو نظر الإنسان إلى الشيطان وحزبه وما يدعو إليه أو يقربه من أوليائه وحزبه – الذين يعملون المنكرات وينتهكون حرمات الله ويأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله – بمنظور العداء والتهويل لأمر المحاباة لأي عمل يروج له العدو ” الشيطان ” , فلا شك سيسلم ويسلم حاله وعالمه ووضعه وأهله من مكر وخداع ومؤامرة عدو الثقلين الأزلي “الشيطان” , الذي هو حريص كل الحرص على الغواية وليس غيرها , لقوله تعالى : ” إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ” صدق الله العظيم , فهو حريص – عدونا الشيطان نعوذ بالله منه وحزبه – على أن يجعل الإنسان في تيه وتذمر وعصيان مستمر حتى الشخص مع نفسه , ما بالكم مع كل من حوله وما هي العلاقة فيما بينهم , لأن حقوق الأب والأم تختلف عن حقوق الأخ والأخت والزوجة والإبن والجار والصديق والصهر والرئيس والمرؤوس والولي والمسؤول والخادم والدابة والطريق والعمل وكل شيء في هذه الحياة ومدى تشبث الإنسان بالتعامل معها فيما يرضي الله أو ما يسخطه وذلك بمخالفته لربه واتباع عدوه الشيطان.. فوجوب مصاحبة الأب والأم كل حسب قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ” أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ” وعلى هذا فقس في كل حياتك وأولويات المعروف والعمل الصالح فالصلاة مقدمة على طلب الرزق أو طاعة المدير أو الأمير أو الحقير وهكذا.
إن الإنسان عندما يدرك معنى العداء للشيطان فإنه لاشك سيأخذ الحيطة والحذر من مغبة الوقوع في فخ الشيطان , الذي ينتهز كل فرصة يخلو بها الإنسان مع نفسه أو مع غيره أو في عمله أو مع كل حركة وسكنة قد يقوم بها الإنسان وهو غافل عن عدو يريد أن يوقعه في الغواية والضلال , فالشيطان عدو ليس كأي عدو , فهو عدو موجود ومتواجد مع الإنسان على مدار الساعة وطول عمره , حتى أنه ينتهز أي فرصة قد يغفل فيها الإنسان عن عدوه , بل ولشدة العداوة أنه يأتي من الأشياء التي يحبذها الإنسان أو يزخرفها له ويزينها ثم يدخل له من بابها وهكذا.. كما قال النبي المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه في يوم خطبة الوداع : ” ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب إلا ما استصغرتم من أعمالكم ” صدق رسول الله… فيقول الإنسان وقت الأذان والنداء للصلاة : ” مش مشكلة ذلحين (نخزن / نمضغ أوراق القات) وبعدين نصلي ” .. وهذا أمر غلط وآثم من يعمل هكذا…. وهكذا.
لا يوجد أي إنسان معصوم من وساوس الشيطان , لكن النهج الرباني وهو الذكر الحكيم الذي ورد في كتاب الله القرآن وآياته البينات , لاشك هو السبيل إلى الهداية التي تغلق وساوس الشيطان وطرقه ومنهجه منهج الغواية , وكذا اتباع نهج النبي وسيرته العطرة على صاحبها رسول الله محمد وآله أفضل الصلاة أزكى التسليم , والحث على عمل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر عظيم يدفع الله بها محناً عظيمة , فلو تأملنا أنه مثلما يوجد ذكر مبارك لهداية الناس وهي لا تتغير ولا تتبدل إلا بمن يفسرونها وإبداعاتهم في تلقينها للناس كالإلقاء للمحاضرات الدينية والندوات وحلق الذكر ومهارة المحدث أو المفسر أو الفقيه أو العالم , فالشيطان مع كل زمن ومكان يبتدع للناس طرقاً للغواية , والتي باعتقادي أن من أسهل وانجح طرق الغواية في عصرنا الحالي التلفونات الخلوية ” الذكية ” منها , والتي بكونها في متناول اليد لأي صغير أو كبير عالم أو جاهل فكلهم أصبحوا يرتادونها وما يخرج أو ينبعث منها حلوها ومرها بلا رقيب أو حسيب , فلا شك أنه أصبح من أشد وأوسخ وأسفه الطرق على بني البشر ومجتمعاتهم المحافظة , التي هي الشيطان بذاته وصفاته , إن لم يحسن أحدنا استخدامها والتعامل بها في ما يرضي الله.. وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. وهذا الأمر – أي التلفونات الذكية – يجعلنا نمعن النظر في كيف أن هذه الوسيلة التواصلية قد جعلت الناس يرتادون شتى أنواع البرامج الاجتماعية كالفيسبوك والتويتر والتلجرام وغيرها من الوسائل المتعددة , التي من خلالها يجد الكثير من الناس فرصتهم لإثارة قضايا اجتماعية وسياسة من شأنها أن تزيد من ألفة الأفراد داخل المجتمع الواحد , ولكن على العكس فالأغبياء يستغلونها لإثارة النعرات والمناطقية والحساسيات , التي من شأنها أن تفرق أكثر من كونها تزيد الوحدة الاجتماعية التي تبني المجتمعات والأوطان بالمحبة والوئام , والذي لو تأملنا لوجدنا أن ما نحن فيه اليوم , وخاصة العرب حيث نعيش حالة من الحروب والاقتتال أول ما أثارت النعرات والطائفية هذه الوسائل , التي ينتهزها الكثير لخلق شرخ بين الطوائف والجماعات التي لا تخدم إلا أعداء الأمة المحمدية , وهو الأمر الذي لو تمعنا ودققنا لوجدنا أن هذه هي واحدة من ضمن آلاف مؤلفة من الطرق والخيوط التي يحلو للشيطان أن يزيد من نوازع الشر والاقتتال والصراع بين الناس , والتي تعتبر قضية الحرب على اليمن الحبيب من قبل تحالف الشيطان من ضمن ما يحيكه الشيطان بين الاخوة والجيران بسبب وساوس شيطانية لا غير .. وهو ما يؤكده لنا كيف أنه رغم جدية عمل القيادة السياسية الحكيمة للسيد /عبدالملك الحوثي والرئيس المشاط وجميع قيادات الدولة المتحررة من الوصاية الأمريكية القبيحة والمتسلطة على الشعوب , وذلك بغية إرساء السلم والوفاق بين أبناء اليمن الواحد وقد أكدها وفدنا الوطني المفاوض في ستوكهولم , وصادق عليها مجلس الأمن الدولي , وأقرها ورضي بها العدوان المتمثل بحلف الشيطان والشر على اليمن , إلا أننا نأسف بشدة من عدم وجود نية صادقة ومخلصة من أولئك التحالف السعوأمريكي لإنهاء الأزمة اليمنية ودواعي الحرب والاقتتال وإيقاف الحرب بشكل كامل بسبب وساوس الشيطان , التي لازال الأمريكان وحلفاؤهم العرب يحاولون عرقلة ومماطله القضية اليمنية بدون استحكام العقل والخير الذي نتمناه لكل من في أرجاء الأرض لأننا بلد السلام المشرف لا الاستسلام , قال تعالى : ” الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” صدق الله العظيم… والله أعلم وهو المستعان.. وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ولله عاقبة الأمور

قد يعجبك ايضا