مأزق الرأسمالية الحاد وما وراء وما بعد ( السترات الصفراء )

عبدالجبار الحاج
رغم صمت الآلة الاعلامية الجبارة التي تنفرد بملكيتها الشركات الخاصة والتابعة لأفراد عن الغليان الشعبي المتفاقم في الشانزلزيه وفي مختلف مناطق باريس ومراكز المدن في فرنسا إلاّ أن الملاخط توالي واتساع دائرة الفعل الشعبي وتعاظم مده وتزايد التائيد الشعبي له فقد لاقت تلك الاحتجاجات اهتماما متزايدا في شبكات التواصل الاجتماعي وامتد تأثير الفعل الشعبي الغاضب في باريس إلى مناطق عربية وعالمية عبرت فيه عن تأبيدها وتأثرها البالغ بما يحدث في فرنسا وتراه فعلا في وجه ذات العدو الاحتكاري لخيرات وثروات الشعوب قاطبة..
على الرغم من محاولة بعض الأقلام العربية التابعة للأنظمة المذعورة أو تلك التي تلتزم تخوين الغضب الشعبي ضد الحكومات ومحاولتها توصيف الاحتجاجات بأوصاف لا علاقة لها إلاّ بوجه وأهداف حملة التشويه المفضوحة التي روجت بالمغالطات المكشوفة قائلة وواصفة إياها مرات بان امريكا هي من تقف وراءه لأنها حسب زعمها تريد خلق مصاعب لاقتصاد السوق الأوروبية للإبقاء على انفرادها والحقيقة ان ازمة الرأسمالية وجنونها هو ذو بواعث واحدة لكل الرأسماليات في مختلف العواصم والبلدان فالشركات العابرة باتت اليوم في موقع القرار والمصير الواحد أكانت أوروبية او امريكية او غيرها.. وزادت بعد كل فشل في التشويه تزيد مرات بالقول بأن الماسونية هي من تغذي الاحتجاجات وهذه من أكذب المبررات ..لأن الماسونية والصهيونية ليستا إلاّ الحلقات العليا والحلقة الاعلى الأضيق لدوائر الرأسمالية العالمية. …
ما حدث ويحدث في الشارع الفرنسي ليس إلا ظواهر وتعبيرات عن فشل وعجز الأنظمة الرأسمالية وحكوماتها عن الاستمرار في إلقاء المزيد من الأعباء الاقتصادية على كاهل الشعب لتكنيز ثروات لا حصر لها .. وفاشلة ليس عن الوفاء بالتزامات الحد الأدنى تجاه الشعب بل إن الفشل هو في تمرير سياسات القلة ضد الأغلبية ..فشل هو نتاج تخلي الدولة عن الوفاء ونكثها بالتزامات ما كان يسمي في حقبة ماضية بضمانات دولة الرفاه التي كانت تحاول مكرهة أن تلتزم او التزمت بشئ منه في حقبة اتساع وتعاظم المد الاشتراكي عالميا فكانت تضطر لتغطية فجوات المعيشة والبطالة بضمانات تفي إلى حد ما بما يكفل لها امتصاص أي غضب شعبي او ناتج تأثير عن ما تقدمه الانظمة الاشتراكية من منح مجانية في التعليم والصحة والسكن المجاني وحق العمل وغيرها فكانت في المقابل وخشية من عواقب عليها وعلى بقائها في سدة القرار الاقتصادي الخاكم كانت تتبع نهجا متضمنا سياسات اقتصادية تلبي جزءا من خدمات ما في مجالات المعيشة للشعب بحيث أبقت تلك المزايا التزاما على كاهل الدولة لتفادي خطر الغضب الشعبي. المحتمل آنذاك.. وسرعان ما قلبت دولة الرفاه تلك ظهر المجن للشعب…
فبعد سقوط المنظومة الاشتراكية في تسعينيات القرن الماضي دشنت الحكومات الرأسمالية عهدا سياسيا اقتصاديا بالغ القسوة والتوحش في سحب تلك المزايا الاقتصادية المؤقتة على عموم أغلبية السكان من عمال ومزارعين والعاطلين ايضا والطلاب والمرضى والعجزة بالذهاب إلى تقليص متسارع للخدمات بالتوازي مع زيادات ضريبية وسعرية وعادت الرأسمالية بعد عام 90 بوجهها البشع التخلي أجبرت على التقنع به مؤقتا في حقبة الحرب الباردة ونكثت بكل ما هو لزام على الدولة تجاه الشعب وازدهرت مفاسد الخصخصة للقطاع العام في شتى دول العالم..
منذ انفجار الشارع الفرنسي يوم ال 17 من نوفمبر الماضي تصاعدت واتسعت رقعة الانضمام والتأكيد الشعبي وكذا الالتحاق بالاحتجاجات من نقابات السائقين والشحن والنقل إلى أن انضم مؤخرا سائقو سيارات الإسعاف مطالبسن بتحسين احوالهم المعيشية ..
في مقابل اللهجة الحادة التي استخدمها ماكرون منذ اليوم الاول التالي لانفجار الاحتجاجات وتصعيده لهجة الخطاب المفعم بالتهديد بإعلان الطوارئ وتلك الاتهامات التي راحت تبحث عن تشويه التظاهر السلمي واتهام المحتجين بالجنون تارة وبالتآمر على الجمهورية تارة اخرى.. ومرات تبرير الزيادات بأنها اجراء لابد منه للوفاء بالتزام فرنسا في مواجهة الاحترار المناخي للأرض ..
ما الذي أثار غضب الشارع الفرنسي.. ؟
إنه تراكم الأعباء المعيشية التي تتعاظم بثقلها على المواطن ..لكنها ليست القشة التي قصمت ظهر البعير ..فقرار رفع سعر الديزل، وهو الوقود الاكثر استخداما في السيارات الفرنسية، بنسبة 23 في المئة تقريبا في السنة الماضية، حيث بلغ 1.51 يورو للتر. كانت أسعار الوقود العالمية قد ارتفعت، لكنها عاودت الانخفاض، لكن حكومة ماكرون رفعت ضريبة الهيدروكربون هذه السنة بقيمة 7.6 سنت للتر الديزل و 3.9 سنت للتر البنزين، كجزء من حملة لتشجيع الوقود النظيف…
نظر المحتجون إلى قرار رفع إضافي لسعر الديزل بقيمة 6.5 سنت و 2.9 سنت للبنزين على أنه القشة التي قصمت ظهر البعير ..
ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعاً أمنيا عاجلا عقب يوم من الأعمال الاحتجاجية التي قام بها مئات المحتجين على إجراءات الحكومة.
متحدث باسم الحكومة قال إن هناك احتمال فرض حالة الطوارئ لمعالجة الاضطرابات.امتدت الاحتجاجات على أسعار الوقود إلى غضب عام بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.ومع أن بعض المحتجين حافظوا على سلمية احتجاجهم إلا أن البعض اشتبكوا مع رجال الشرطة بالقرب من قوس النصر.وقد أصيب حتى يوم امس اكثر من 500 شخص بجروح ، بينهم أفراد من الشرطة..
وتقول مصادر الشرطة إن 400 شخص قد اعتقلوا.
و بعد عودة ماكرون من اجتماع قمة العشرين في الأرجنتين توجه مباشرة إلى قوس النصر لتقييم الاضرار.
وقال المتحدث باسم الحكومة بنجامين غريفو لمحطة إذاعة «أوروبا 1» إن فرض حالة الطوارئ بات خيارا محتملا، وأضاف «علينا التفكير بالإجراءات الممكن اتخاذها لتجنب تكرار هذه الحوادث».
ويقول الرئيس ماكرون إن حافزه للزيادة هو الحفاظ على البيئة ، لكن المحتجين يصفونه بفقدان الصلة مع سكان الريف الذين يحتاجون لاستخدام سياراتهم بشكل منتظم.
وقال إن الاحتجاجات «لا تشبه أبدا التظاهرات السلمية التي تعبر بشكل مشروع عن الاستياء».
وأضاف أن المحتجين لا يريدون التغيير بل الفوضى.وكرر القول إن هناك حاجة للإجراءات الأخيرة لمكافحة التغير المناخي، واتهم الخصوم السياسيين باستغلال الأحداث من أجل عرقلة برنامجه الإصلاحي وواضح للمتابع من هذه الإشارة أنها موجهة لليسار ومرشحه في الانتخابات الاخيرة
زار ماكرون موقع الاحتجاجات في الشانزلزيه
وكان ماركرون قد حاول في وقت سابق هذا الأسبوع التحدث بلكنة تصالحية ، وقال إنه يرحب بالأفكار حول كيفية تطبيق ضريبة الوقود.
يطلق اسم «الستر الصفراء» على المحتجين، لأنهم خرجوا إلى الشوارع مرتدين الستر الخاصة بالرؤية الليلية لسائقي السيارات.ويحتجون بشكل أساسي على ارتفاع أسعار الوقود .وليست هناك قيادة واضحة للاحتجاجات، وقد اكتسبت زخما عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجذبت إليها فئات مختلفة ومنها اليسار الذي تشير اليهم اتهامات ماكرون بانهم أتباع المرشح اليساري الذي حاز 21 في المئة لكن استطلاعات الراي الآن تشير إلى أن نسبة المؤيدين للاحتجاجات بلغب 83 في المائة من السكان وهم الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسات الحكومات الرأسمالية وآخرها قرارات ماكرون الاكثر تماديا في وضع ومعيشة الشعب التي تزداد سوءاً عقب كل انتخابات وقد شارك حوالي 300 ألف شخص في التظاهرة الأولى التي خرجت في 17 نوفمبر في أنحاء البلاد .
استخدم رجال الشرطة خراطيم المياه ووسائل أخرى لمكافحة الشغب
ماذا حدث في اليوم الاول للاحتجاجات؟ تجمع مرتدو الستر الصفراء السبت في شارع الشانزلزيه في باريس ، فأطلق رجال الشرطة عليهم القنابل الصوتية ورشوهم «بمدافع المياه»، بينما أطلق المتظاهرون المقذوفات الصمغية الصفراء ..
حتى يوم امس بدا أن ماكرون انكسر سريعا وتراجع كثيرا عن تلك اللهجة التهديدية واظهر التزاما بالتراجع عن تلك الزيادات في سعر الوقود ولكن هل اسعار الوقود هي وحدها السبب الرئيسي لانفجار الاحتجاجات أم أن سوء المعيشة باعث أهم لاغلبية السكان وهو ما عبر عنه سائقو سيارات الاسعاف في انضمامهم للاحتجاجات يوم امس..
الايام القليلة المقبلة وحتى يوم السبت المقبل سيكشف الشارع الفرنسي الذي بلغ فيه نسبة مؤيدي التظاهر والمستعدين للالتحاق به 83 % ما يعني ان هذه النسبة من السكان هي المتضررة والرافضة لسياسات الحكومة تجاه حال أغلبية السكان وليس سائقو الشاحنات والتقل أو الأجرة فقط من يرفضون هذه السياسات.
من الآن إلى يوم السبت القادم سيتحدث الشارع الفرنسي لينبئنا عما يعتمل فيه من غضب وثورة…

قد يعجبك ايضا