شيخوخة الدولة السعودية الثالثة 2-4
محمد ناجي احمد
في كتابه ( الفكر السياسي الوهابي ) الصادر عن مكتبة مدبولي بطبعته الثالثة 2008م – يرى ( أحمد الكاتب) أن النظام السعودي خلال العقود الماضية قدم الكثير من الوعود بإقامة انتخابات ومجالس الشورى ” لكن تلك الوعود لم تترجم إلى واقع ملموس أو مؤسسات دستورية ، ليس بسبب الرغبة السلطانية في الحكم المطلق والاستبداد فقط ، وإنما لغياب الفكر الشوروي ، ومعاداة الفكر الوهابي للديمقراطية باعتبارها دينا إلحاديا غربيا ، وكفرا معاديا للدين الإسلامي ، وشركا بالله تعالى ، وناقضا من نواقض التوحيد ، إضافة إلى الخوف من عامة السكان والتشكيك بدينهم أو اتهامهم بالشرك والانحراف والضلال والفسق والفجور ” ص7.
فالاستبداد في السعودية بحسب المؤلف-يتميز بخصوصية تتجاوز ما هو معروف من ديكتاتوريات معروفة في العالم، فالاستبداد هنا ينطلق من فكر وهابي يكفر المجتمع ويحاربه ويبيح دمه وماله، وينكر عليه أية حقوق إنسانية أولية.
الوهابية ترى أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا. وقد انطلق محمد بن عبد الوهاب من تكفير عامة المسلمين لأنهم يزورون قبور الأولياء والصالحين، ولهذا فهم في (توحيده) أشد كفرا وضلالا من أهل الجاهلية الأولى.
إن شرط الولاء والبراء في الوهابية أهم شروط الإيمان وصحته، والولاء هنا يكون للأمير الذي جاهد الناس حتى يدخلوا في جماعة التوحيد، فمفهوم الجماعة هنا ينصرف على من آمن بمفهوم (التوحيد) كما بينه محمد بن عبد الوهاب في (توحيد الألوهية).
بدأت فكرة مفارقة المجتمع وتقسيمه إلى (دار حرب) و(دار سلم) التي تبنتها الجماعات الجهادية في الهند وباكستان ومصر –مع دعوة محمد بن عبد الوهاب، وكانت (الدرعية) هي هجرة الإخوان، ترجمة فعلية لمفهوم (الولاء والبراء) الولاء لابن سعود والبراء من أعدائه والجهاد ضدهم. وأصبح (الخروج) عند الوهابية هو الخروج على (الشريعة) وليس الخروج على الإمام، هم في ذلك يتبعون اجتهاد ابن تيمية في جعل الخارج ليس من خرج على الإمام وإنما من خرج على الشريعة.
إلاَّ أن الفارق بين ابن تيمية وبين الوهابية بحسب (أحمد الكاتب) في مؤلفه سابق الذكر –هو أن ابن تيمية “يعترف بواقع التعددية السياسية في عصر الملك ، ولا يؤمن بضرورة وحدة الخلافة ،كما يعتقد غالبية أهل السنة ، ويقول بجواز الخروج على الإمام العادل نظرا لشبهة أو تأويل كما خرج معاوية بن أبي سفيان على الإمام علي بن أبي طالب ،فضلا عن وجوب الخروج على كل من يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية وقتاله “ص51.
لم تكن الأحكام السلطانية التي كتب وألف فيها الماوردي وأبو بكر الطرطوشي وغيرهم سوى تكييف للواقع مع التاريخ السياسي الذي اشتمل على: أن يعهد السابق للاحق أو القول باختيار أهل الحل والعقد أو القول بإمارة الاستيلاء والغلبة.
اشتهر عن أحمد بن حنبل قوله ” بأن من غلبهم صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما عليه، برا كان أو فاجرا، فهو أمير المؤمنين ” فالإمامة تنعقد بالقهر والغلبة كوسيلة مشروعة للاستيلاء على السلطة. وذلك ما أكده الإمام النووي في (منهاج الطالبين) و (روضة الطالبين ) فالإمامة تنعقد بالغلبة والقهر ولو كان فاسقا ” فمن اشتدت وطأته وجبت طاعته ” أي أنها معقودة بالقوة لا بالبيعة والاختيار .
قامت الحركة الوهابية والدولة السعودية على اجتثاث الآخر، فالوهابية كفرت المجتمع، والدولة السعودية استولت على الأرض والثروة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، وكونت ما سمي في بداية ثلاثينيات القرن العشرين بالمملكة العربية السعودية .
النهج الدموي للمذهب والدولة يرتكز على السيف في الانتشار في كل مراحل الدولة السعودية منذ غزوات عبد العزيز بن سعود عام 1802م والتي غزا فيها عسير وشرق الأردن وكربلاء عام 1802 م، وقتل فيها آلاف الناس في الأسواق والبيوت، وهدم القباب والأضرحة.
يرى حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز بن سعود –في ما ينقله (أحمد الكاتب) في كتابه آنف الذكر: أن سبب سقوط الدولة السعودية الأولى هو استنادها إلى القوة العسكرية أكثر من استنادها على القلوب. وعلى ذلك يذهب عبد الله بن عثيمين إلى القول ” كانت الحروب من أهم أسباب الدولة السعودية الأولى، كما كانت السبب الجوهري في نهايتها “.