حجب قناة ’ المسيرة’.. الغربال لن يغطي نور الشمس
علي الدرواني
ليست المرة الأولى التي يعمل فيها تحالف العدوان بسياسة تكميم الأفواه بالترغيب والترهيب، أو حتى بالمنشار وتقطيع الأوصال، وليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الرياض إلى الضغط على شركات الأقمار الصناعية لحجب قناة “المسيرة” عن مدار النايلسات، فهذه هي المرة التاسعة.
وليس من الصعب أن ندرك الأسباب والدوافع لإسكات “المسيرة” وحجبها، خصوصاً بعد أن أصبحت مصدراً مهما لعدد من الوكالات الاخبارية الدولية على مستوى الخبر المحلي، وإلى جانب المجازر المتوحشة التي ترتكب بحق الشعب اليمني، والتي تنقلها “المسيرة” للرأي العام العالمي. أول ما يتبادر إلى الذهن بعد سماع خبر حجب قناة “المسيرة” تلك المشاهد التي عرضتها القناة من مختلف جبهات القتال في اليمن لا سيما في جبهة الحدود الشمالية مع ممكلة آل سعود، لعمليات الاغارة على خطوط الدفاع السعودية الاولى وتدميرها، ومحو آثارها، بضربات مسددة للمجاهدين الأبطال، وغيرها من المشاهد التي وثقتها كاميرا الاعلام الحربي. تلك المشاهد تظهر المجاهد اليمني بقدميه الحافيتين يدوس على دبابة “الإبرامز” الأكثر تحصينا وتدريعا في مواقع العدو العسكرية، فضلاً عن المشاهد التي وثقت فرار العشرات من الجنود السعوديين في الملالات المدرعة أمام كلاشنكوف يحمله مقاتل يمني.
كذلك في الساحل الغربي، الذي أصبح آية في الصمود والاستبسال من خلال بطولات سطرتها سواعد أبطال الجيش واللجان الشعبية أمام أحدث آلة عسكرية على مستوى المنطقة، وكيف تحولت تلك الأرتال من المدرعات والآليات العسكرية الى أكوام من القش والخردة، وأدت الى اخفاق أربع جولات ومراحل من التصعيد العسكري لتحالف الغزو والعدوان وتكسرت كل محاولاته على أبواب مدينة الحديدة، وغرقت آلياته وعناصره المرتزقة في رمال سواحلها، وتحولت تهامة الى فخ استنزاف كبير لعديد العدوان وعتاده.
قناة “المسيرة” بدورها كانت سباقة في عرض تلك المشاهد للرأي العام المحلي والخارجي فكانت مادة هامة تكشف هشاشة الجيوش المعادية وعجزها رغم السلاح المتطور الذي تمتلكه كما ونوعا مقابل المجاهد اليمني الحافي المتوكل على الله والذي أصبحت انجازاته العسكرية اليوم محل استعراض وتحليل ودراسة في أهم الكليات والمراكز العسكرية على مستوى الولايات المتحدة الامريكية.
وكما كانت “المسيرة” انعكاسا لمشهدية البأس والصمود اليماني، مثلت أيضا مرآة واقعية للهوية اليمنية الشعبية والوطنية المناهضة للعدوان والرافضة للهيمنة الخارجية والوصاية على البلاد والمرتكزة على أصالتها في ثقافتها ودينها وعروبتها، وظهرت تجليات ذلك خلال أربع سنوات من الحراك الشعبي الكبير والمسيرات والمظاهرات والوقفات الشعبية القبلية المسلحة وغيرها الكثير من مظاهر الصمود والتحدي والتمسك بالثوابت الدينية والوطنية العميقة في وجدان الشعب العظيم.
وكانت فعاليات المولد النبوي الشريف على صاحبه وآله افضل الصلاة والسلام، التي شهدتها عدد من المحافظات هذا العام بزخم منقطع النظير، قد مثلت تتويجا مبهرا لحيوية الشعب والتفافه حول ثوابته وتمسكه بهويته الدينية الراسخة واستعداده للتضحية في سبيلها وحمايتها.
كل هذه المشاهد التي حرصت “المسيرة” على إبرازها للداخل والخارج تسببت في ذلك الضيق الذي تشعر به قوى العدوان من تأثيرات الصوت الاعلامي الحر والصادق والنهج الاعلامي المهني والمتميز الذي تسير عليه القناة مع بقية زملائها من الوسائل الاعلامية الوطنية المرئية والمسموعة والمقروءة، وجعلها تعقد خلال السنوات الأربع الماضية عدة اجتماعات موسعة لقياداتها الاعلامية وعلى مستوى الوزراء لبحث سبل مواجهة الاعلام الوطني.
بطبيعة الحال، كانت الاجتماعات المتكررة تخرج كل مرة بالتأكيد على أن امبراطورياتهم الاعلامية التي تعج بها الفضاءات العربية كمًّا وكيفا قد هزمت أمام الاعلام الوطني المناهض للعدوان وعلى رأسه قناة “المسيرة”.
وبالنظر الى طبيعة الشعب اليمني وما يواجهه من عدوان وحصار وما يصدره من صمود وبطولات وصور ملحمية، فإنه لن يكون غريبا أن تستطيع قناة “المسيرة” وبالإمكانيات المتواضعة التي تمتلكها وتوظفها في سبيل صدق الكلمة، أن تزاحم فضاء المكينة الاعلامية الضخمة التي يسخرها تحالف العدوان لتجميل صورته القبيحة مُنفِقاً عليها مليارات الدولارات دون جدوى.
ومن ناحية التوقيت الذي يأتي قبل أيام من موعد مفترض لانعقاد جولة جديدة من المشاورات المزمع عقدها في السويد مطلع شهر كانون الأول، فإن التوقيت يحمل دلالات سلبية لعدم الجدية أولا في الذهاب إلى الحلول السياسية، وثانيا تشير إلى نوايا العدوان للتصعيد في العمليات العسكرية سواء في جبهة الساحل الغربي أو غيرها، التصعيد الذي كالعادة سيترافق مع التحضير لارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين، وتخشى قوى العدوان من فضحها وتغطيتها.