التبعية والتطبيع بين السر والعلن!
عبد العزيز البغدادي
لا أعتقد أن ما يجري في بعض أقطار الخليج العربي مجرد رفع حالة التطبيع للعلاقة بين أنظمتها والكيان الصهيوني من تحت الطاولة إلى فوقها !؛
إنها حالة هوان أعظم ؛ لأن العلاقة أياً كان نوعها أو حجمها إنما تكون بين أحرار أما علاقة هذه الكيانات الخليجية مع الكيان الصهيوني فليست علاقة بين حرٍّ وحرً إنها علاقة الصانع بالمصنوع التابع بالمتبوع بل هي علاقة العبدِ بالحرِّ أو العبد بعبد العبد ، وأبرز دليل على ذلك أن هذه الأنظمة ليست من تختار وقت إظهار أو إخفاء هذه العلاقة أو ومدى حرارتها وحفاوتها ، ولم يكن التزامن بين نشوء المملكة السعودية والإمارات وغيرهما من الكيانات ونشوء الكيان الصهيوني مصادفة ، ومن يتابع كيف هندست بريطانيا لإيجاد هذه التكوينات ورسمت مسارها يدرك حقيقة أن وظيفتها تمويل مشاريع الإرهاب والفساد والحروب وما يجري من عدوان على اليمن باسم دعم الشرعية وبمشاركة فاعلة للكيان الصهيوني مثالٌ حي !،
الأكثر غرابة أن تتحول دولة كمصر منذ زيارة قائد التطبيع العلني أنور السادات للقدس عام 1977م الذي كانت تصرفاته خلال الزيارة وخطابه أمام الكنيست وابتساماته ولغة جسده أمام عدسات وكاميرا التلفزة والصحافة العربية والأجنبية وابتهاجه بالأوصاف التي أخذت تطلقها عليه وكالات الأنباء العالمية الموجهة مخابراتياً مثل : بطل الحرب والسلام ، ومهندس سلام الشجعان مقابل غدره بالجيش المصري بالأوامر السياسية في أمور عسكرية ميدانية يعود الحسم والتقدير فيها للقادة العسكريين حسب مقتضى الحال ما أدى إلى الإرباك والتأثير على معنويات الضباط والأفراد وساعد الجيش الصهيوني على الالتفاف والفصل بين الجيش الثاني و الأول كما أكدت على ذلك العديد من الدراسات الاستراتيجية والعسكرية منها كتابات الفريق سعد الدين الشاذلي أركان حرب القوات المسلحة المصرية الذي كان يقود المعارك وأحاديثه ومقابلاته الصحفية العديدة ومنها كتابه : ( حرب أكتوبر الخيار العسكري العربي ) التي أدى فيها شهادته التاريخية حول ما قام به السادات الذي أريد به ومن خلاله تحويل حرب 6 -أكتوبر1973 – 10رمضان 1393ه من حرب تحرير حقيقي لسيناء والأراضي العربية المحتلة إلى حرب وهمية لمصلحة إسرائيل تستخدم كتمهيد لإنهاء حالة المواجهة للأطماع الصهيونية ، وصرف مصرعن خيار المقاومة بل وتوظيف مكانتها وموقعها في خدمة الأطماع الصهيونية لتتحول إلى ذيل للرجعية العربية بدلاً عن موقعها في صدر جبهة المقاومة العربية والإسلامية وبذلك تحول أكتوبر إلى هزيمة لكن السادات ظل يحتفل بها على أنها نصرٌ هو بطله وبالمقارنة وجدنا عبد الناصر يعترف بهزيمة 67 ويعلن تحمله كامل المسؤولية عنها وقدم استقالته ثم تراجع نزولاً عند رغبة الجماهير التي نزلت إلى الشارع وعمل ثلاث سنوات على إعادة بناء القوات المسلحة وتقييم الأخطاء والمؤامرات التي أدت إلى الهزيمة ليأتي السادات فيقطف الثمار ويحول نصر اكتوبر المعلن إلى هزيمة أمرّ !؛
كان السادات نموذجاً للتطبيع العلني، لم يذهب إلى القدس على قدمين ثابتتين كما قال في خطابه الفاضح لكنه فعل ذلك بأمر الأمريكي ورمى بكل بيضه في سلته وهو المتحالف علناً مع الكيان الصهيوني وحامي وجوده وأساء الرئيس المؤمن كما كان يطلق عليه الإعلام المصري إلى السوفييت وطرد خبراءه مقابل المساعدات والتسليح والتدريب المجاني والمساهمة الجادة في الإعداد لحرب أكتوبر وعلى مدى عقود واستخدام الاتحاد السوفيتي لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن لصالح العرب مقابل ما تفعله أمريكا مع الكيان الصهيوني التي جندت نفسها منذ نشأت لخدمة مشروعه، ومن يريد التعمق عليه أن يقرأ كم عدد المرات التي استخدمت فيها أمريكا حق النقض ضد العرب وكم قبل العرب أقدامها شكرا وعرفانا ! كل ذلك لم يشفع للسادات عند سيده الأمريكي فقد لقي مصرعه بعد أن استغنى عنه على يد الإرهابيين الذين صنعهم في أفغانستان والعراق واليمن وسوريا ومصر ذاتها وغيرها كمشاريع للموت والإرهاب في بلدان العالم أسهلها مع الأسف البلدان الإسلامية أو التي تدعي الإسلام!
كانت رحلة السادات إلى القدس بداية خطوات التطبيع المعلنة التي لم يقم بها سراً أو علناً بناءً على دراسة أو وازع ديني أو أخلاقي أو مراعاة لمصلحة وطنية أو قومية لكنه ودون مبالغة كان وهو يجاهر بذلك أشبه بالرجل الآلي المسير غير مبال بمشاعر الشعوب العربية والإسلامية أما القيادات فقد كان واضحاً أن أغلبها مع زيارته الفضيحة سراً وضدَّه علناً لأن التوجيهات لم تصدر بعد لإعلانها كما حدث مع الملك الذي نهض من فراش الموت كي يعود إلى مملكته ويصدر قراراً بتعيين ولده ولياً للعهد بدلاً عن أخيه لأنه أضمن للاستمرار في خطوات التطبيع ثم عاد ليموت على الفور ! .
وآخر سلطان يفزُّ من القبر لاستقبال رئيس وزراء الكيان بحفاوة ظاهرة في خطوة لا يعلم معناها إلا الله والراسخون في التطبيع للولاء وليس للعلاقة!
أما الوزير الذي تحدث بسخرية عن حرية اختيار الدول لعلاقاتها والقدرة على اتخاذ القرار والتصرف إنما يهزأ ويسخر من نفسه هذه نماذج سريعة للحكام الذين ابتليت بهم الأمة ولاتزال ونماذج المطبعين اليوم أوضح لمن يريد أن يرى ويبصر وهي التي ستدفع الأحرار الحقيقيين إلى السير الجاد نحو الحرية! .