عن فلسفة الحكم عند الإمام علي (ك)

 

 

عباس الديلمي

أقولها ليس من قبيل المبالغة, أو التعصب, أو الغلو في التشيع ولكن من استقراء , وتأمل واستنتاج المتجرد, أقول : لم أجد بين ما ترك لنا الخلفاء وبقية الصحابة بما فيهم عبدالله بن عباس – الذي وصفه الرسول (ص) بحبر الأمة , ولم أجد بين الملوك في العصور الذهبية للحضارة العربية بما فيهم المأمون بن هارون الرشيد , من وصف بأعلم الملوك وهو القائل “لعن الله ملكاً يدخل عليه من هو أعلم منه”, لم أجد بينهم من بلغ مرتبة (باب مدينة العلم)الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه, في المعرفة لا بشؤون الدين والدنيا فحسب, بل وفي معرفته المتعمقة المتكاملة في شؤون النفس البشرية المختلفة وفي شؤون السياسة والحكم ..وهذا ما يجده كل مطلع بسهولة وجلاء , في خطاباته ومقولاته في (نهج البلاغة) وفي رسالته إلى الاشتر النخعي وإلى بعض ولاته وفي ما كتب عنه مفكرون وكتاب وشعراء مسلمون ومسيحيون..
هذا ما نختصره في موضوع بقدر ما كثر الخوض فيه, بقدر ما يطول الحديث عنه, وأادعوكم إلى وقفة سريعة أمام ما يتعلق بالسياسة والحكم عند الإمام علي مشيرين إلى جزئية هي ما يراه في الحاكم أو من وليِّ الأمر وما الصفات التي تتوفر فيه حتى يكون مصلحا لا مفسداً ,ولنختار نماذج من ذلك منها.
يرى الإمام علي أن تقلب الزمن يأتي بتداول الدول وحكامها ورجالاتها وان بين رجالات الحكام الآفلين من هو الصالح ومن هو الطالح – كحكامهم – ويشير إلى أكثرهم خطورة وهو من يتأقلم مع الوضع الجديد بنفاقه وتزلفه إشباعاً لنزواته الشريرة.
ولهذا نجد الإمام علي يحذر الحاكم الجديد من شرور ورواسب مَنْ قبله إن أراد إصلاحا أو معالجة لما فسد فيقول له ( إن شرَّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا , ومن شاركهم في الآثام فلا يكون لك بطانة فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة ..”ويسترسل الإمام علي في نصح الحاكم في اختيار وزرائه وبطانته إلى أن ينصحه بالا يختار لهذه المهمة من يتسلق بالمدائح والنفاق والمجاملة بل من يقول له الحق وأن كان مرّاً اذ يقول “.. ثم ليكن عندك آثرهم – أي أقربهم – أقولهم بمر الحق لك ”
وهنا استعير ما علق به على هذه النصيحة الأستاذ حسن الأمين مؤلف ( دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ) بقوله ” إنها نصيحة غالية كل الغلو صادقة كل الصدق .. لأن من أثم في ما مضى لا يؤمن إثمه في ما حضر ومن اتصل بالظلمة بالأمس لا يؤمن اتصاله بهم اليوم وإعانتهم على كيدهم بما له من سلطة الوزارة “.
كثيرة هي نصائح وتعاليم الإمام علي النابعة من رؤيته إلى أسس الحكم وسياسة الدولة التي استطيع وصفها بالرؤية الفلسفية التي لا تخرج في عمقها عما وضعه فلاسفة السياسة والاجتماع وهذا ما قد نتناوله في وقفة قادمة.
واستغلالاً لمساحة هذه الزاوية أو العمود ننوه برؤيته الإمام علي إلى الحاكم , فإذا ما كان أمر الحاكم أو الأمير في أي مجتمع اختار كيان الدولة شيئا محتما فإن هذا الحاكم قد يكون صالحا أو غير ذلك أو باراً برعيته أو فاجرا إلاّ أن عليه العمل بأشياء لا بد منها وأولها المساواة بين رعيته مؤمنين وكافرين) في العدل وأخذ حق الضعيف ومنع شرور الفجار عنهم إذ يقول الإمام علي ” لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمنون ويستمتع ( يطمئن على عرضه وماله ) فيها الكافر .. ويقاتل العدو وتؤمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح به من فاجر ) وهذه إحدى الشواهد على تمسكه بإرساء العدل والنظام بين الناس ولأن لا فرق بين مسلم وغير مسلم داخل المجتمع الواحد في ما يتعلق بالدماء والأعراض والأموال وغيرها مما نسميها اليوم حقوق المواطنة مادام مواطنا صالحا ولا يلحق أذى بالأمة ولا يخون.
وقد جاء في كلام الإمام الجامع علي كرم الله وجهه قوله ” إن أعظم الخيانة خيانة الأمة وأفظع الغش غش الأمة “.
أخيرا نقول كيف لا تأتي هذه الرؤية في المساواة والعدل من الإمام علي وهو الخليفة الذي ذهب لمقاضاة يهودي وجلس معه كغريمين لهما نفس الحقوق أمام القضاء فما كان من اليهودي إلا أن أعلن إسلامه في تلك الواقعة الشهيرة .

قد يعجبك ايضا