الحلم وثقافة الكراهية ..

 

أحمد يحيى الديلمي
لا يمكن لأحد أن يُحدد طبيعة التحولات المريبة التي حدثت في الواقع بأبعاده المختلفة وعلى مستوى العالم.
ما يمكننا فعله هو أن نتساءل لماذا تحولت الدهشة والانبهار والإنجازات التي حققها الإنسان في عصر النهضة والحداثة إلى إحساس بالغُبن والندم والحسرة ؟!! كل المؤشرات تدل على أن الارتهان المفرط إلى المصلحة بأفقه الانتهازي والبراجماتي المجرد من القيم قاد إلى التوحش وتقديس المصالح إلى حد العبادة.
هذا المفهوم للأسف أجاز انتهاز القيم والمبادئ والأعراف الإنسانية ، كل ذلك من أجل المصلحة والحصول عليها وإن اقتضى الأمر تغليب مبدأ القوة لفرض الهيمنة والحضور في المشهد العام ، وقد انقاد الإنسان إلى توظيف أساليب متدنية أباحت غزو الشعوب وانتهاك سيادتها واستقلالها من الطرف المالك للقوة للوصول إلى مصالحه وإخضاع الآخرين لخياراته الذاتية ، هذه الأمور لا تهتم بالتداعيات الخطيرة التي تقع على الآخر المستهدف ، وقياساً على مشاهد الصراع والحروب المدمرة في العصور الماضية تتضح حالة الفشل الذريع والهزيمة المروعة التي مُني بها الإنسان في هذا الزمن ، لأنه لم يتمكن من ترجمة الآمال والأحلام المخملية التي بشرت بها النظريات المتعاقبة ، كلها ظلت في الإطار النظري ولم تنتقل إلى الواقع ، ولم تتحول إلى سلوك وممارسات في الحياة اليومية ، وفي هذا دلالة أكيدة على أن الإنجازات التي تحققت من بداية عصر النهضة والحداثة إلى يومنا هذا فشلت تماماً في التأثير على عقلية الإنسان وتطهيرها من النزعات الحيوانية المتوحشة ، فظل مجبولاً على الدكتاتورية والتسلط وتقديس المصلحة الذاتية بما جعله يقول غير ما يعمل على مستوى الدول والأفراد والجماعات .
حتى لا نذهب بعيداً عن الو اقع المعاش نستحضر مشاهد البؤس الماثلة أمامنا لما تمثله من اعتساف وظلم وقهر واضطهاد للإنسان والحياة ، ليتضح لكل ذي بصيرة أن عصر الازدهار والرخاء والحرية والديمقراطية إنما كانت أشياء ضالة تشعبت في الواقع وتحولت إلى أدوات للدمار ، لأنها سقطت عند أعتاب المصلحة والقوة والجبروت وأصبح الإنسان في القرن الواحد والعشرين أكثر توحشاً منه قبل مئات القرون ، كون الأمور وصلت إلى حد لا يُطاق ، وتجاوزت بكثير ما كان يجري في الماضي حيث كان المنتصر يفرض إرادته على المهزوم ويستعبد أسرى الحروب ، بينما تحولت نفس الثقافة إلى نقمة اليوم في عصر التكنولوجيا ، اقتضت استعباد الشعوب المغلوبة على أمرها وإلزامها بدفع اتاوات باهظة والخضوع الكلي لإرادة وهيمنة من بيده القوة ، والصورة ماثلة تماماً اليوم في تصرفات “ترامب” تجاه الأشقاء في السعودية والخليج بشكل عام، وما “ترامب” هذا إلا نموذج لثقافة متجذرة في الواقع الأمريكي ، تمارس التحريض على الكراهية ورفض الآخر المخالف إن اقتضت المصلحة ذلك ، وإن أصر هذا المخالف على الاحتفاظ بشخصيته وذاته ولم ينصع لغطرسة وجبروت أمريكا ، الخلاف أن كل “ترامب” يأتي إلى البيت الأبيض يختار أسلوبا معينا لتنفيذ نفس السياسة المعدة سلفاً، وهذا هو محور الضلال.

قد يعجبك ايضا