من مساوئ الحروب أن نتائجها وآثارها طويلة الأمد ومن الصعب جداً ضبط هذه النتائج بسهولة، خاصةً إذا لم تكن هناك رغبة دولية لإنهاء الحرب هنا وهناك، وخلال الأعوام القليلة الماضية شاهدنا موجة هجرة غير مسبوقة كان عمادها “المهاجرون السوريون” الذين نهشت الحرب بلادهم فاضطروا مكرهين للجوء إلى أماكن أكثر أمناً، وفي حال كانت الدول الجارة لا تريد استقبال هذه الأفواج المهاجرة “لأسبابها الخاصة” فالمهمة تصبح أعقد بكثير، على عكس الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ما زالت تستقبل مهاجرين أفغان من سبعينيات القرن الماضي، وحتى الآن أصبح عددهم يناهز الـ 3 ملايين لاجئ، ومنهم من حصل على الجنسية الإيرانية بعد أن استوفوا الشروط القانونية.
ولكن مما لا شك فيه أن إيران اليوم تمرّ بظروف صعبة سببها الضغوط التي تتعرض لها من الغرب ومن كل حدب وصوب لتركيعها وإجبارها على اللحاق بالركب الغربي، ومع ذلك تحاول طهران توفير أفضل الظروف المعيشية للاجئين الذين يعيشون على أراضيها، وبالرغم من أن إيران تستضيف أكثر من مليون و600 ألف من الرعايا الأجانب، والنسبة الأكبر تعود للرعايا الأفغان والبالغ عددهم مليون و583 ألفاً و979 نسمة، ومع ذلك نجد أن الخدمات التي تقدّمها إيران لهؤلاء جيدة جداً مقارنة مع غيرها من الدول، فمثلاً اللاجئون في إيران يستفيدون من برامج الصحة الوطنية.
يضاف إلى هذا أن إيران إحدى الدول القليلة التي توفر التأمين الطبي للاجئين على الأسس نفسها التي توفرها لمواطنيها، إذ يُمكِّن برنامج التأمين الصحي العام اللاجئين الأفغان والعراقيين في إيران الاستفادة من التأمين الصحي على غرار ما يتمتع به المواطنون الإيرانيون، بما في ذلك العلاج في المستشفى والرعاية الخارجية مثل فحوص الأشعة السينية وتكاليف الأدوية.
وتقوم المبادرة المدعومة من المفوضية على اتفاق بين المفوضية ومكتب شؤون الأجانب والمهاجرين الأجانب في وزارة الداخلية ووزارة الصحة ومؤسسة التأمين الصحي الإيرانية، ويعتبر هذا البرنامج نتيجة شراكة طويلة الأمد بين المفوضية والحكومة الإيرانية لاستكمال الجهود الحكومية الهادفة لتزويد اللاجئين بالرعاية الصحية بتكلفة معقولة.
تقوم بتمويل هذا البرنامج عدة جهات مانحة من بينها مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية، “إيكو”، ويُكمل الدعم المقدّم من المفوضية مساهمة الحكومة، وقد غطى في عام 2017 الأقساط لحوالي 110,000 لاجئ من الفئات الأشد ضعفاً وأفراد أسرهم، بمن فيهم أشخاص يعانون من أمراض خطيرة مثل الهيموفيليا وأمراض الكلى، ويمكن لجميع اللاجئين الآخرين أيضاً التسجيل في نظام التأمين عن طريق دفع أقساط التأمين بأنفسهم.
المفوضية تثني على جهود إيران
بالرغم من أن الأمم المتحدة لا تقدم لإيران سوى بعض المساعدات الجزئية والشكلية لدعم اللاجئين وتأمين ظروف معيشية أفضل لهم، ومع ذلك تقدّم إيران كل ما باستطاعتها للاجئين من أمور معيشية وخدمات صحية وتسهيلات في مجال التحصيل العلمي ودخول المدارس والجامعات، وهناك مهرجانات تختص بالدراسات الأفغانية بغية تقديم الدراسات العلمية حول وضع الأفغان وطريقة معالجة المشكلات ورفع مستوى المعيشة والصحة وغيرها..
ودعماً لجهود طهران أثنت إيرينا كورنياك، القائمة بأعمال المفوضية في إيران، على الحكومة الإيرانية لمساعدتها حوالي مليون لاجئ يعيشون في إيران، وقالت كورنياك:”هذه المبادرة من الحكومة الإيرانية هي بالتأكيد مثالية، ولا سيما أنها أدّت إلى إدراج اللاجئين في نظامها الصحي الوطني”.
وخلال مراسم اختتام المهرجان الخامس للدراسات الأفغانية في بوشهر (جنوب) قالت كوريناك: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن خلال إتاحة الفرص العلمية والثقافية للجيل الثاني والثالث من الشعب الأفغاني تمكنت من إيجاد الأرضية لتعرّف هؤلاء على الثقافة والجذور الأفغانية التي ينتمون إليها.
وقالت: إن مهرجان الدراسات الأفغانية الذي أقيم برعاية الحكومة الإيرانية يهدف إلى تعريف هؤلاء على بلدهم بصورة أكبر،.واعتبرت أن الخدمات التي قدمتها إيران في مجال الصحة والتعليم لنحو 500 ألف طالب أفغاني في المدارس الإيرانية هي جزء من الخدمات الكبيرة التي قدمتها إيران.
حرية التنقل
بالعموم، هناك حرية التنقل للاجئين الأفغان في إيران، ولم يواجه الأفغان أي صعوبة تذكر في التنقل بحرية من موقع لآخر إلى عام 2000م عندما قررت الحكومة الإيرانية أن تنظم وضع اللاَّجئين الأفغان وأطلقت بالمشاركة مع مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين خطة مشتركة شاملة لتسجيل اللاَّجئين الأفغان، ثم تبع تلك الخطة المبدئية تدابير تكميلية أخرى بما فيها إصدار بطاقات الإقامة المؤقتة للاجئين الأفغان، ومع أنَّ بطاقات الإقامة التي أصدرتها الحكومة الإيرانية نظمت وقوننت وضع الأفغان في إيران، فقد أدت في الوقت نفسه إلى فرض قيود لا يستهان بها على حرية تنقلهم وحركتهم في بعض المناطق المحظورة عليهم وعلى أي أجنبي لاعتبارات الأمن القومي الإيراني، والأمر ليس متعلقاً بالأفغان دوناً عن غيرهم.
وأعلن مركز الإحصاء الإيراني في وقت سابق أن أكثر من مليون و600 ألف من الرعايا الأجانب يقيمون في إيران، مشيراً إلى أن النسبة الأكبر تعود للرعايا الأفغان والبالغ عددهم مليون و583 ألفاً و979 نسمة.
وأشار إلى أن مليوناً و242 ألفاً و332 أفغانياً يعيشون في المدن و340 ألفاً و968 أفغانياً يعيشون في القرى والأرياف، ولفت إلى أن العاصمة طهران تضم نحو ثلث الأفغان المقيمين في إيران، فيما حلّت محافظة كردستان المرتبة الأخيرة في عدد الأفغان المقيمين فيها حيث يبلغ عددهم 18 شخصاً.