الإمام علي وفطرة الحرية
محمد ناجي أحمد
جُبِل العرب على ما يسميه المفكر هادي العلوي بـ (اللقاحية العربية) أي ذلك النزوع الثوري الذي ينمو في البرية رافضا للخضوع للملك العضوض ،أو ما سماه قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بـ”قوى الطاغوت التي تتخاطب مع الناس باسم الدين” مستخدمة للدين صولجانا في خدمة الاستبداد والاستئثار بـ “بالمال والأمر ” ففي كلمته التي ألقاها بمناسبة يوم الغدير مساء 29-8-2018م أشار قائد حركة أنصار الله إلى أن الانتماء لعلي بن أبي طالب وموالاته هو انتماء لقيم الثورة ورفض الخضوع لطواغيت الأرض ، انتماء للحق وقيم الإنسانية المطلقة في شموليتها ،المتحررة من “كل الأهواء والعصبيات ” فالولاية في النص والخطاب الديني هي انحياز للمستضعفين في الأرض ،وانتماء للحق في مقابل من ينتمون إلى (الطاغوت) وطاغوت هذا العصر هي أمريكا وربيبتها إسرائيل ؛ أي أن الولاية هنا انتماء للقيم الكلية التي جاء بها القرآن . فعلي بن أبي طالب مفارق للعصبويات المنتنة ، أكانت عرقية أو مذهبية أو جغرافية ، إنه انتصار لفطرة الحرية والمساواة التي فطر عليها الإنسان .
طواغيت الرجعية والاستعمار في المنطقة هم ذاتهم الذين أشار إليهم جمال عبد الناصر في خطبة له بتاريخ 2-9-1954م بأن الدين ليس احتكارا لكن جماعة الهضيبي أرادت احتكاره في مصر وحين عجزوا عن ذلك ” توجهوا إلى سوريا ليبثوا فيها أحقادهم فإنهم بذلك يخدمون الصهيونية من حيث لا يريدون ،فإن راديو إسرائيل وباريس لا يجدان ما يقولانه سوى قراءة بيانات الإخوان المسلمين ” فما أشبه الليلة بالبارحة !
في مقارنة دقيقة بين احتكار شعائر الدين في مكة والمدينة من حج وعمرة وزيارة للمقدسات الإسلامية من قِبَلْ النظام السعودي وبين مشركو قريش من حيث منع الناس من تأدية مناسك الحج والعمرة ، وتوظيف شعائر الدين لصالح الاستثمار التجاري والسياسي ،بل واستخدام تاشيرات الحج والعمرة في الاستقطاب السياسي ،وتحويل الأماكن المقدسة إلى استثمار سياحي يدر المليارات ،وبين ما مارسه مشركي قريش ،فإن الكيان السعودي قد فاق قبح مشركي قريش بأن جعل الدين أداة في خدمة الغرب ،والأموال التي تحصدها من ممارسة الشعائر الدينية لعشرات الملايين من المسلمين سنويا يذهب ريعها لصالح الغرب وأسلحته ،وبذلك تكون السعودية بقرة حلوب يذهب ريع النفط وأموال السياحة الدينية فيها لصالح الغرب وأطماعه في المنطقة ،وتشغيل مصانعه وبنوكه وشركاته العابرة للقارات والجنسيات .
بين قائد حركة أنصار الله في خطابه آنف الذكر ” أن قوى الطاغوت كانت تتخاطب مع الناس باسم الدين وتحول أفكارها لعقائد محسوبة على الله وهي افتراء ” وأن ” النظام السعودي يستغل الحج وسيطرته على مكة كما فعل المشركون ،وأن الجماعات التكفيرية تستغل عناوين الدين لتضليل الناس وتحريكهم لصالح أمريكا وإسرائيل “.
يقدم قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي تصورا للإمام علي أساسه ومنطلقه الاقتراب من المفاهيم القرآنية ،فالقرآن والحق بوصلة الفهم لما يمثله الإمام علي عليه السلام .
الانتماء للإمام علي كقيم مثلى ليس انتماء عرقيا ولا مذهبيا ولا جغرافيا ،إنه انتماء لما جسده الإمام علي من انتصار للناس في رؤيته وفلسفته وإداراته للمال العام والوظيفة العامة وفي إدارته للحرب ، وفي توزيعه للحقوق ،وفي موقفه من المرأة التي بعثها قومها إلى الإمام علي للمطالبة برفع جور ونيل حق،فما عادت إلى قومها إلاَّ وقد سوت كل مطالب قومها ، وهي ذات المرأة التي أوفدها قومها في عهد معاوية بن أبي سفيان ، فقايضها على تلبية حاجتها وترك مطالب قومها ،لكن المرأة اللقاحية رفضت ذلك ، فقال معاوية لها :لقد أطمعكم بن أبي طالب بالسلطان وإني لفاطمكم .
هذه هي مدرسة الثورة التي ما كانت تقبل أن تنام والأموال مكتنزة في بيت المال ، والفقراء يتضورون جوعا ،بل يسارع إلى توزيعها بالسوية بين المسلمين، ملغيا لكل أشكال التراتب في الحقوق ،ناظرة إلى الجميع كأسنان المشط ،إلاَّ أن الضعيف لديه قوي حتى يأخذ الحق له ، والقوي ضعيف حتى يأخذ الحق منه .
هذه هي المدرسة الثورية التي أخرجت الحسين بن علي ثائرا ضد طغيان يزيد بن معاوية ،الذي أحال المال والأمر إلى ملك عضوض يستأثر به دون المسلمين ، وهي ذات المدرسة التي أخرجت زيد بن علي لمواجهة جبروت هشام بن عبد الملك وطاغوته . مدرسة جعلت أحد أعلامها يبكي حين وجد امرأة تلتقط ما يتساقط من القوافل لتطعم به أطفالها ،فأوجز جوهر خروجه واستشهاده غدا بأن سببه هذه المرأة وأطفالها وأمثالها من المستضعفين في الأرض ؛ أي انتصار للضعفاء وثورة على الطواغيت .
يقول قائد حركة أنصار الله في خطابه آنف الذكر ” من يقول أنا من شيعة علي بن أبي طالب ولا يتبعه بمصداقية ووعي ، ويبتعد عن الحق ،فهو بعيد عن علي بقدر بعده عن الحق ” مؤكدا ” أن الإمام علي لا يمثل عنوانا مذهبيا للدخول به في جدال مع أحد ،بل يمثل منهجا متكاملا في المبادئ والأخلاق والسلوك ” فالولاية “التزام عملي واستقامة على منهج الله ،واتباع للقرآن وتمسك بالحق .منهج متكامل في مبادئه وأخلاقه وقيمه وسلوكه وروحيته ” فالكثير من الأدعياء ” يقدمون أنفسهم باسم الدين وباسم الإسلام وباسم القرآن ،وأن الكثير والكثير من أولئك الطغاة والجائرين والظالمين والمضلين وأذنابهم يوظفون العناوين الدينية ويستغلونها لصالحهم ” ضاربا المثل بالنظام السعودي والجماعات التكفيرية من حيث استغلال الدين في مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني. فالعناوين الدينية تستغل “لإضلال الناس وخداعهم وتحريكهم “وفقا لمشيئة هذا الطاغية أو ذاك في إطار الهيمنة الأمريكية /الصهيونية .