اليمن والبانيا (2) تعلموا من الألبان
عباس الديلمي
يعيد الباحثون تحول الصلات بين اليمانيين والألبان من صلات دموية إلى صلات تأثير نضالي إلى ثلاثة عوامل رئيسية، أولها ظهور محمد علي باشا في مصر، وخروجه عن الهيمنة العثمانية المطلقة وسعيه لإيجاد إمبراطورية عربية يكون على رأسها، وثانيهما تأثر الألبان بالانتفاضات الثورية اليمنية ومحاكاتهم لها ابتداء من الانتفاضة القومية الألبانية في العام 1878م أما الثالثة فكثرة ضحاياهم في اليمن جراء الدفع بهم من قبل الدولة العثمانية إلى مقبرة الغزاة (اليمن) وهذا ما يؤكده أدبهم الشعبي كالمثل القائل ( ما يوجد في اليمن لا يمكن أن يسجله قلم) وهذا ما قد نقف معه لاحقا وليت من تدفع بهم دول التحالف العدواني على اليمني من يمنيين وسودانيين وغيرهم يتعلمون من الألبان ويحقنوا دماءهم.. ليتهم تعلموا من الألبان عندما رفضوا الموت من أجل أطماع غيرهم، وامتنعوا عن الانجرار وراء الاستخدام السيئ للدين والذهاب لحرب اليمانيين على أساس مذهبي.
يقول الباحث زكريا تسانا في كتابه ( الحركة القومية الألبانية) أن الصلات النضالية اليمنية الألبانية قد تبدت بشكل خاص في انتفاضة اليمن سنة 1904م عندما لجأ الباب العالي إلى الألبان لإخماد تلك الانتفاضة مستغلاً عامل الفوارق المذهبية في تحريضه الألبان السنة لمقاتلة اليمنيين الشيعة الزيدية، إلا أن الألبان رفضوا ذلك مفضلين الانسحاب من الجيش العثماني والكفاح في سبيل تحررهم القومي، وهذا ما أكده كتاب (تاريخ البانيا) لمجموعة من المؤرخين السوفييت بالقول “انحسب حشد من الضباط والجنود الألبان من الجيش العثماني وانضموا للقتال في صفوف الثائرين اليمنيين في العام 1905م” فهل يتعلم من الألبان أولئك اليمانيون الذين يموتون في حدود المملكة العدوانية على بلادهم وتحت راية مشيخة الإمارات؟!
ويقول مؤلف الحركة القومية الألبانية إن ثورة 1912م في اليمن والتي منحت اليمنيين استقلالاً نسبياً أو الاستقلال الداخلي التام من هيمنة استنبول فأن الألبان قد تأثروا بذلك، حيث يقول مؤلف الكتاب (تسانا)بأن انتفاضة اليمن قد خلقت شروطاً مناسبة للانتفاضة في المناطق الألبانية الأمر الذي هدد بفتح جبهتين مهمتين للحكومة العثمانية.
ما تم سرده ما هو إلا بغرض لفت النظر إلى تلك العلاقات أو الصلات اليمنية الألبانية التي لا يستغرب أن يجسدها الألباني محمد علي باشا – والي مصر – بتحمسه عندما أرسل حملته بقيادة ابنه إبراهيم لتخليص اليمن والجزيرة العربية عموما من التمدد الوهابي والقضاء على الدولة السعودية الثانية، لاشك أن السلطنة العثمانية قد ضاقت من تلكم النزعة الاستقلالية لدى الألباني محمد علي باشا ، وقد أشار إلى ذلك مؤرخون منهم الدكتور سيد مصطفى سالم، حيث يقول حول الموضوع ” واستطاعت السلطنة بمعاونة بريطانيا ومساندة الدول الأوروبية الأخرى، إجبار محمد علي باشا على الانسحاب من ممتلكاته العربية بما في ذلك تهامة اليمن” رغم تأثر الألباني بثورات اليمن في وجه السلطنة العثمانية والتعاطف معها، وخاصة ما شهدته اليمن في الأعوام من 1904 حتى العام 1912م فأن السلطنة لم تستغن عن الاستعانة بالألبان في جيشها، فسنت قوانين صارمة لتجنيدهم وإرسالهم إلى اليمن، إلا أن الألبان لم يتجاوبوا مع ذلك بإيجابية لمشاركتهم اليمنيين الثورة على هيمنة السلطنة، ولكثره قتلاهم الذين كانوا يجبرون على الذهاب إلى اليمن، وبهذا الصدد قالت جريدة (تيلي تورد) الألبانية في عددها بتاريخ 15 شباط 1909م أن ثلاثمائة ألباني فقط عادوا من اليمن من كل الذين ارسلوا للخدمة العسكرية هناك.
نعود ونقول ثانية ، هل يتعلم من الألبان أولئك الذين تزج بهم السعودية والإمارات إلى محارق اليمن وفي مقدمتهم من ينتمون إلى اليمن ؟؟