عادل بشر
أكثر من نصف عمره البالغ 52 عاما قضاها عمر في السجون متهما في قضايا نشل وسرقة إثر احترافه للأجرام مبكرا، وبعد أن خرج من السجن في آخر قضية ذهب إلى المنزل وارتكب آخر جريمة في حياته وابشعها، بقتله لوالدته ليعود بعد ذلك إلى السجن منتظرا لحظة الإعدام:
كل هموم الدنيا تجمعت فوق رأس الأم التي مات زوجها تاركا وراءه خمسة أطفال 2 ذكور و3 إناث ، وساهم أكثر في معاناة الأم وأطفالها تنكر إخوة والدهم لهم وعدم مد يد العون لهم ولو بالشيء اليسير، فلم تجد الأم سوى العمل في بيوت الآخرين مقابل اجر بسيط.
كانت الأم تترك أطفالها في المنزل وتحث شقيقهم الأكبر “عمر” على الاعتناء بهم حتى عودتها من العمل، وفي أحد الأيام عادت ولم تجد ابنها عمر فبحثت عنه عند الجيران ولكنها لم تجده ثم توجهت إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن احتفائه فعلمت هناك انه تم ضبطه متلبسا بسرقة تلفون أحد المواطنين في الشارع المجاور لمنزلهم .
ثم خرج عمر من السجن ولكنه لم يمتنع عن ممارسة هوايته الخاصة في نشل المارة وظل على هذا الحال وفي كل مرة يتم ضبطه وسجنه وبدلا من أن يكون رجل البيت ويحمل عن والدته جزءا من هم الحياة وتعب المعيشة تحول إلى عبء آخر على الأم المسكينة التي ظلت تلاحقه من سجن إلى آخر ومن مصلحة إلى أخرى خلال مراحل وفترات تردده على السجون.
رغم ذلك لم تهمل الأم أبناءها الآخرين وكان انحراف عمر بمثابة الدرس الذي لا ينسى، فاهتمت بهم كثيرا وغرست في نفوسهم الصدق والإيمان والأمانة، فكانت نشأتهم مختلفة جدا عن نشأة شقيقهم عمر.
عندما اقترب موعد الإفراج عن عمر في آخر جريمة سرقه اقترفها مع رفقاء إجرام آخرين تعرف عليهم في السجن وكان عمر حينها قد أصبح شابا يافعا اعتقدت الأم أن ابنها قد عاد إلى صوابه وان بقاءه في السجن مدة طويلة قد أفاده وانه حين يخرج سيعوضها عن كل ما سببه لها من مآسٍ وأحزان.
وقبيل خروج عمر من السجن كانت إحدى شقيقاته قد تم خطبتها من احد أبناء الحي ووافقت والدتها على تزويج ابنتها من هذا الشاب واتفق الجميع على أن يكون الزفاف عندما يخرج عمر من السجن لتكون الفرحة فرحتين.
بعد أسبوع واحد من انتهاء المدة القانونية المحكوم بها على عمر وخروجه من السجن تم الزفاف وسط فرحة الجميع وانتقلت شقيقته للعيش في منزل زوجها وعاد عمر للعيش مع والدته التي شعرت بنوع من الراحة والطمأنينة واكبر أبنائها بجوارها.. ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن فسرعان ما ظهر “عمر” على حقيقته التي لايستطيع تركها، حيث لاحظته الأم أكثر من مرة وهو يفتش بين اشيائها بحثا عن ما تبقى من فلوس” مهر شقيقته”، ومن باب الاحتياط كانت الأم قد خبأتها في مكان لا يعرفه احد.
حين عجز “عمر” عن الوصول إلى الفلوس سأل والدته عنها فأخبرته انها محفوظة في مكان آمن، فحاول إقناعها بان تسلمه إياها ليستثمرها في عمل تجاري بدلا من تركها دون فائدة منها، ولكن الأم كانت تعرف نوايا ابنها وخشية من أن يسلبها النقود ويرحل بعيدا عنها ويتركها هي وإخوانه الصغار يواصلون رحلة العذاب التي بدءوها منذ وفاة والدهم .. لذلك فقد رفضت الأم إعطاؤه النقود وأخبرته إنها محتفظة بها لتصرفها على إخوانه الصغار , أما هو فقد أصبح شابا ويستطيع تدبر أموره.
لم ترق إجابة الأم لابنها الأكبر فتشاجر معها وهددها بالضرب في حال لم تعطه النقود وكان في كل مره ترفض طلبه، يتجه إلى إخوانه الصغار ويعتدي عليهم بالضرب أمام والدتهم حتى ضاقت الأم من تصرفاته واعتداءاته المتكررة على إخوانه فذهبت للشكوى عنه لدى رجال الأمن وطلبت منهم حبسه، ولكن الابن كان قد علم بما تخطط له والدته فاختفى من المنزل والحي بأكمله لبضعة أيام ثم عاد في وقت متأخر بإحدى الليالي.
كانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل حينما دخل “عمر” إلى المنزل والجميع نائمون وتوجه مباشرة إلى غرفة والدته ليوقظها من النوم ويطلب منها إعطاءه النقود ولكنها رفضت فذهب إلى الغرفة التي ينام فيها إخوانه الصغار وأخذ أكبرهم من على السرير وسحبه إلى صالة المنزل، حيث كانت الأم تقف وانهال عليه ضربا بكل ما يملك من قوة معتقدا أن والدته حين تشاهد ذلك المشهد الإجرامي ستسلمه النقود بكل سهولة.. غير أن الأم أرادت تأديبه هي الأخرى فتوجهت إلى المطبخ وأخذت سكينا وهمت غرسها في صدر ابنها الشرير ولكن النتيجة كانت عكس ذلك فقبل أن تضربه بالسكين تمكن “عمر” من أخذها وبدون أي رحمة غرسها في قلب والدته التي سقطت مباشرة غارقة في بركة من الدماء أمام أبنائها الآخرين الذين تجمعوا حولها يبكون ويصرخون.
وقف “عمر” مذهولا مما ارتكبت يداه وحاول الفرار ولكنه بمجرد أن فتح باب المنزل محاولا الهروب وجد نفسه بين أيدي رجال الحي الذين تجمعوا على بكاء إخوانه والقوا القبض عليه وسلموه لرجال الأمن ليعود إلى السجن بجريمة قتل والدته منتظرا الإعدام.
قد يعجبك ايضا