جرائم العدوان وأدواته بحق العملة الوطنية
رشيد الحداد
ارتكب العدوان السعودي الأمريكي جرائم اقتصادية متعددة متعمداً استهداف القيمة الشرائية للعملة الوطنية متعمداً ضرب الاستقرارالمعيشي والاقتصادي في البلاد، فالعدو الذي حول البنية التحتية للاقتصاد اليمني إلى أهداف عسكرية منذ الوهلة الأولى لعدوانه الأرعن مخالفاً بذلك القوانين الدولية ومتجاوزاً كل أخلاقيات الحروب، شن حرباً مالية موازية بدأت منذ اللحظات الأولى لعدوانه على شعبنا اليمني في الـ 26من شهري مارس 2015م، ولايزال العدو يتخذ من الحرب المالية أداة من أدوات العدوان ووسيلة من وسائل الحصار المفروض على الشعب اليمني في ظل صمت وتواطؤ وخذلان العالم .
وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات اتخذ العدوان السعودي الأمريكي كافة الوسائل المحرمة دولياً، في سبيل تحقيق أهدافه الإجرامية بحق الشعب اليمني الذي يصنف كواحد من أفقر شعوب المنطقة، فقتل الشيخ والمرأة والطفل ودمر المزرعة والمدرسة والمصنع والسوق والطريق العام واستهدف مخازن الغذاء وخزانات وشبكات المياه وضرب محطات الكهرباء في مختلف المحافظات ، وفرض حظْراً جوياً وبرياً وبحرياً على شعبنا اليمني الذي بفعل الحرب الاقتصادية لمملكة الشر يستورد بنسبة 90% من الغذاء والدواء والوقود من الأسواق الخارجية ، ولم يتوقف حقده الدفين على الشعب اليمني عند أي حد من حدود الجريمة المنظمة التي تنفذ على مرأى ومسمع من العالم ، بل استهدف ويستهدف كل القطاعات الاقتصادية والخدمية منها والإنتاجية والتجارية والمصرفية محاولاً تجفيف كافة قنوات الدخل الوطني المحلية والأجنبية .
فبعد أن فرض العدو السعودي الأمريكي حظراً على التحويلات المالية من وإلى اليمن، وتسبب بتوقف صادرات النفط والغاز والذي يعد من أهم مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة وأدى إلى توقف المساعدات والهبات والقروض الخارجية، وشدد الخناق على ما تبقى من صادرات وطنية إلى الخارج وقف العدوان حجرة عثرة أمام كل المساعي التي قامت بها البنوك والمصارف في سبيل نقل تغذية أرصدتها في الخارج بالعملة الصعبة، ورفض أكثر من طلب بالسماح بنقل الأموال الصعبة من خزائن البنوك التجارية والإسلامية في العاصمة صنعاء إلى البنوك الأجنبية، حتى لا تستطيع البنوك اليمنية تغطية قيمة الواردات الضرورية للبقاء كالغذاء والدواء، ورغم فداحة تلك الجريمة التي تستهدف 27مليون إنسان يمني ، إلا أن الصمت الدولي دفع العدوان السعودي الأمريكي إلى تجميد كافة الاحتياطات الأجنبية من العملة الصعبة المملوكة للبنوك اليمنية الأهلية والحكومية وأحتجز مئات الملايين من الدولارات كمستحقات لشركات يمنية في الخارج دون أي مبرر .
وبعد أن فشل العدو عبر آلية تجفيف مصادر الدخل الوطني من النقد الأجنبي وفرض المزيد من القيود على حركة الأموال من وإلى اليمن في تحقيق أهدافه العدائية، اتجه عبر أدواته وخلاياه النائمة إلى سحب الاحتياطات الداخلية من العملات الأجنبية وذلك من خلال آلية المضاربة بسعر صرف الدولار وسحبه من السوق المحلي ، وعلى الرغم من أن هذه الآلية فشلت خلال العام الأول من العدوان في تحقيق أهدافها بفعل السياسات والإجراءات المالية المتخذة من قبل البنك المركزي في العاصمة صنعاء ابتداء بقرار منع بيع العملة الأجنبية في السوق المحلي ، ومن ثم تشديد الرقابة على القطاع المصرفي ، وإعادة النظر في فاتورة الاستيراد وتقليصها من قبل البنك المركزي ، وكذلك منع التعامل بالدولار كعملة في السوق المحلي إلى جانب العملة الوطنية وفرض التعامل بالريال اليمني في كافة المعاملات الرسمية وغير الرسمية ، وكل تلك السياسات والإجراءات التي اصطدمت بها مؤامرة العدوان ، حدت من المضاربة بالعملة في السوق المحلي وحققت استقراراً نسبياً خلال الفترة « مارس 2015م ــ سبتمبر 2016م» وخلال ذات الفترة لم يتجاوز تدهور القيمة الشرائية للريال اليمني الـ 27% أمام الدولار عن سعره الرسمي قبل العدوان .
ولذلك بدأ العدو ومرتزقته منذ مطلع العام 2016م بالاتجاه نحو إعاقة حركة انسياب الأموال وتدفقها من وإلى البنك المركزي من جانب وبين المحافظات الشمالية والجنوبية ، وأعقب ذلك العدو بعملية تكديس السيولة وتجميدها حتى وصل الأمر بالعدو إلى مصادرة رواتب الموظفين في محافظتي عدن وحضرموت من خلال اعتراض طائرات الشحن التي استخدمت في نقل تلك الرواتب واجبارها على تغيير مسارها إلى مطار بيشة السعودي واحتجاز تلك الأموال في المطار ، كل تلك الأساليب التي وقف خلفها العدوان السعودي وأدواته كان هدفها شل حركة البنك في ما يتعلق بصرف رواتب موظفي الدولة وإيجاد ذريعة لاستهدافه وتعطيل وظائفه ، فحاول البنك المركزي في صنعاء الاستمرار في الوفاء بالتزاماته تجاه موظفي الدولة ومع اشتداد الحرب المالية الناتجة عن تجميد السيولة النقدية لجأ البنك إلى إعادة تدوير الكتلة المالية التالفة .
ومع بروز أزمة السيولة النقدية لدى البنك المركزي في صنعاء كنتيجة لسلسلة الأعمال العدائية التي استهدفت الاقتصاد الوطني، صعد العدوان وادواته من مرتزقة وعملاء حربهم غير الأخلاقية على البنك المركزي في منتصف العام 2016م، من خلال الطعن بحيادية البنك المركزي والتشكيك في نزاهة إدارته، وبالتزامن مع تكثيف الحرب الإعلامية، تولى المدعو أحمد عبيد بن دغر مهمة الحرب على البنك المركزي في صنعاء وبعد سيل من الاتهامات والمزاعم وجه بن دغر السلطات المحلية في المحافظات الجنوبية بوقف التعامل مع البنك المركزي في صنعاء ، ووقف توريد الإيرادات إلى البنك ووجه مطلع يوليو من العام 2016م بتوريد تلك الإيرادات إلى فروع البنك الأهلي في المحافظات الجنوبية والشرقية ، وتحت ذات الذريعة طالب المؤسسات المالية الدولية ممثلة بالبنك والصندوق الدوليين بعدم التعامل مع محافظ البنك المخضرم محمد عوض بن همام ، ووجه مذكرة رسمية طالب البنوك الدولية فيها بصورة علنية بتجميد الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي حتى إشعار آخر.
ولم يكن قرار نقل البنك المركزي وتعطيل وظائفه في العاصمة صنعاء أواخر سبتمبر من نفس العام سوى مكملٍ لسلسلة من الجرائم الاقتصادية التي استهدفت الاقتصاد الوطني والاستقرار النقدي والمعيشي ، بل كان لتشديد الحصار وتضييق خيارات العيش الكريم على المواطن اليمني فالعدوان الذي أستهدف البنية التحتية للاقتصاد الوطني متسبباً بتراجع مستويات الإنتاج وارتفاع فاتورة الواردات الأساسية من الأسواق الخارجية ، عمد إلى استهداف كافة الإيرادات العامة للدولة من العملة الوطنية ، فبعد أن صادر إيرادات الضرائب والجمارك والنفط والغاز من المحافظات الجنوبية والشرقية والتي تغطي 75% من موازنة الدولة ، اتخذ من قرار نقل البنك وتعطيل وظائفه في العاصمة صنعاء ، أداة لشن حرب مفتوحة على المواطن اليمني وعلى القطاعين التجاري والمصرفي ، فبقرار نقل البنك توقف البنك عن تغطية الواردات من العملة الصعبة وفي أواخر العام 2016م تمكن مرتزقة العدوان بمساعدة أمريكية وتنفيذ إماراتي من السيطرة على السويفت التابع للبنك محاولين إيقاف الواردات وتجويع الشعب اليمني برمته ، وجاء ذلك بالتزامن مع قيام ما تسمى بحكومة هادي بفرض عقاب جماعي على موظفي الدولة وتنصلها عن التزاماتها التي قطعتها أمام الأمم المتحدة بصرف رواتب 800 الف موظف يعيشون في الشمال مختلقة عددا من المبررات الواهية ، ونظراً لإمعان تلك الحكومة في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق اليمنيين مستخدمة الورقة الاقتصادية كسلاح في محاولة تحقيق مالم تحققه في الجبهات ، أقدمت على ضرب ثقة القطاع المصرفي وأصحاب رؤوس الأموال بالبنك المركزي اليمني باعتباره بنك البنوك من خلال بيع الاحتياطات النقدية من العملة الأجنبية التي كانت متواجدة في خزينه فرع البنك في عدن بالمزاد العلني وبسعر السوق السوداء ،حتى تثير مخاوف المستثمرين والمدخرين بالعملة الوطنية وتدفعهم نحو سحب الدولار من السوق المحلي وتأمين رؤوس أموالهم خوفاً من التآكل ، تلك العملية التدميرية لثقة القطاع المصرفي بالبنك وثقة المستثمرين بالعملة الوطنية تكررت مطلع العام 2017م حين أعلنت حكومة الفار هادي عن عرض 100 مليون دولار كانت في البنك الأهلي في عدن للبيع أيضاً بمزاد علني وبسعر السوق السوداء ، وعلى الرغم من خطورة بيع الاحتياطات النقدية من البنك المركزي والبنوك الحكومية ، إلا أن تلك اعتبرت قرار نقل البنك المركزي قرارا عسكريا صرفا قبل أن يكون اقتصاديا فشلت في إدارة البنك فشلاً ذريعاً في عدن ، كما فشلت في إحداث انهيار اقتصادي متسارع من خلال إدارة عملية تدهور سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار خلال الفترة سبتمبر 2016ــ يونيو2017م ، فأعلنت تخليها عن أهم وظائف البنك المركزي المتمثلة في تحديد سعر صرف العملة وحمايتها من المضاربة في السوق المحلي ، لتعلن في منتصف يوليو من العام 2017م تعويم سعر صرف الريال اليمني وهو ما يعد إقرار رسميا بفشلها في إدارة البنك .
وخلال النصف الثاني من العام 2016م ، عملت تلك الحكومة الفاقدة للسيطرة والشرعية على الأرض على استهداف ما تبقى من الإيرادات العامة للدولة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة «الإنقاذ « كإيرادات الجمارك والضرائب عبر تشديد القيود على الحركة الملاحية في ميناء الحديدة، أو عبر استهداف قطاع الاتصالات والتبغ والكبريت ، وصولاً إلى منع تدفق تحويلات المغتربين إلى المحافظات الشمالية .
وعلى الرغم من فداحة الأضرار الناتجة عن تلك الحرب المفتوحة التي شنها العدوان ومرتزقنه، إلا أن نتائجها لم تتحقق كما خطط لها العدو، فلقد نجح المجلس السياسي الأعلى بصنعاء في الحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار، واستطاع إدارة ازمة السيولة المفتعلة والتخفيف من أثارها على المسارين الخدمي والعسكري، في الوقت الذي فشلت فيه ما تسمى بحكومة الفار هادي في إدارة البنك المركزي في عدن ولم تتمكن من استعادة الإيرادات العامة للدولة من عدد من المحافظات الخارجة عن سيطرة الجيش واللجان الشعبية، ولجأت إلى عدد من شحنات النفط في ميناء الضبة وفي المسيلة لتمويل أنشطتها في الخارج ، ونظراً لعجز تلك الحكومة الفاقدة للسيطرة والشرعية على الأرض عن استعادة تلك الإيرادات ، اتجهت نحو طباعة العملة دون غطاء بصورة مفرطة في محاولة منها لتغطية الفشل الذريع .
فحكومة الفار هادي نفذت اجندة العدوان في حربه الاقتصادية على الشعب اليمني دون ادنى شعور بالمسؤولية عن تداعيات الحرب الاقتصادية، فبعد أن سيطرت على 400 مليار ريال من العملة المطبوعة طلب البنك المركزي في صنعاء طباعتها من شركة روسية مطلع العام 2017م ، اتجهت لتغطية عجزها وفشلها في السيطرة على المحافظات الخارجة عن سيطرة الجيش واللجان الشعبية ، بطباعة أكثر من 1,5 تريليون ريال خلال أقل من عامين
، منها 600 مليار ريال من فئة « 1000 ريال و400 مليار ريال من فئة 500 ريال، ومن ثم طبعت العام الحالي 648 مليار ريال الفئات النقدية الصغيرة من فئة 100 وفئة 200 ريال ، وتفيد المصادر بأن إجمالي العملة المطبوعة من تلك الفئات 900 مليار ريال وصلت منها 647 مليار ريال ، بينما لا تتجاوز الطبعة القديمة التي كانت متواجدة في السوق والبنوك قبل العدوان 1200 مليار ريال.
أمام الكثير من التساؤلات التي يطرحها الشعب اليمني حول سبب لجوء تلك الحكومة نحو الطباعة المفرطة تدعى بأنها لجأت لذلك الكم المهول من العملة المطبوعة لاستبدالها بالعملة التالفة ، وتبرر تارة أخرى تلك الجريمة الاقتصادية بسعيها لسحب كل الأموال المتداولة من العملة المحلية في السوق ، وفرض شرعية مالية ، بينما الحقيقة أن تلك الحكومة التي أدارت بنك البنوك بعقلية عصابات المافيا ، استخدمت مليارات الريالات من العملة المطبوعة في المضاربة بسعر صرف العملة المحلية ، خلال العامين الماضيين وتعمدت سحب كتلة لا بأس بها من الاحتياطات النقدية من العملة الأجنبية واستخدمتها في شراء عقارات ضخمة في القاهرة وعمان وبيروت واستثمارات متنوعة بمئات الملايين من الدولارات في تركيا ، يضاف إلى ذلك قيام تلك الحكومة بصرف ملايين الدولارات كرواتب شهرية لكبار الموالين لها في الخارج بالدولار وكذا قيام تلك الحكومة غير الشرعية بتلميع العدوان السعودي من خلال الحديث عن وديعة سعودية قيل انها تبلغ ملياري دولار، ولكن الحقيقة أن لا اثر لتلك الوديعة التي قيل إنها اودعت للحفاظ على القيمة الشرائية للعملة الوطنية، بل أن تلك الوديعة كذبة فبراير حاول من خلالها العدو السعودي تهدئة وإيهام المجتمع الدولي الذي صعد من مخاوفه مطلع العام الجاري من تدهور الأوضاع الإنسانية بصورة حادة نتيجة للعدوان والحصار، فرد العدو على تلك المخاوف بكذبة الوديعة.
لا يتسع الحيز هنا للحديث عن جرائم العدوان وادواته من المرتزقة بحق الاقتصاد الوطني والتي آخرها طباعة مئات المليارات من دون غطاء، ولكن نعدكم بكشف المزيد من تلك الجرائم في سلسلة مقالات قادمة بإذن الله.