ببغاوات التعليق الرياضي
حسن الوريث
ظهرت إلى السطح تقليعة جديدة في مجال التعليق الرياضي وبالتحديد في مباريات كرة القدم من خلال قيام بعض من يحسبون أنفسهم على الإعلام الرياضي بالذات في مجال التعليق بتقليد عدد من المعلقين المشهورين أمثال عصام الشوالي ورؤوف خليف وحفيظ دراجي وغيرهم وانتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير وصار الناس يطلقون صفة معلق رياضي على كل من يجيد الصياح خلف المايكرفون وتقليد معلق بعينه.
بالتأكيد أن ليس كل من يستطيع تقليد بعض المعلقين الرياضيين يمكنه أن يصبح معلقا ناجحا وليس كل من يستطيع الصياح خلف الميكرفون يمكنه أن يصير معلقا وليس كل من لديه بعض الكلمات والمصطلحات في كرة القدم يكون معلقا كرويا، فالتعليق الرياضي صار فنا وعلما يتم تدريسه في الكليات والأكاديميات الإعلامية والرياضية وله اتحادات ونقابات مهنية ولا يتم منح أي شخص صفة معلق رياضي إلا بعد اجتياز مراحل من الدراسة العلمية والممارسة العملية وهو قبل كل ذلك موهبة على اعتبار أن المعلق الرياضي هو الوسيط بين الحدث والمشاهد وتأثيره كبير بحيث أصبح من أخطر أدوات النقل في الإعلام فمشاهدون بالملايين ودوره يتعدى كونه ينقل وصف لمباراة أو حدث رياضي إلى التأثير الكبير في وعي المشاهدين وتشكيل ميولهم الرياضية.
عندما يتحول المعلق الرياضي إلى ببغاء يقلد ما يسمعه من الآخرين أو ممثل يؤدي دوراً معيناً كالفنان والمغني والممثل لكنه لا يمتلك موهبة التمثيل والغناء ولا يمكنه أن يمتع الجمهور كالفنان والممثل الحقيقي الأصيل والمعلق الذي يقلد الآخرين لا يمكنه أن يمتع الناس أو أن يكون له هويته الخاصة وبصمته المميزة كما هي لمن يقوم بتقليدهم من المعلقين، ونتيجة لما يحدث فإننا هنا في اليمن مازلنا نفتقد للمعلق الرياضي المتمكن الذي يستطيع أن يأخذك إلى جو الحدث الرياضي كما أن المعلقين الرياضيين في بلادنا عددهم الآن لا يتجاوز عدد أصابع اليدين ومعظمهم لم يتلقوا التدريب والتأهيل الكافي ولم يجدوا من يحتضنهم ويؤهلهم، فقنواتنا الفضائية غير مهتمة بالرياضة ولا يهمها أن يكون لديها معلق رياضي وكلنا نتذكر ذلك الموقف المحرج الذي تعرض له أحد الزملاء في إيران حينما تم الزج به للتعليق على مباراة بطل اليمن وبطل إيران وكان موقفاً لا يحسد عليه ويؤكد مدى العجز الذي تعاني منه القنوات التلفزيونية في اليمن.
مما لاشك فيه أن المعلقين اليمنيين بعضهم دخل إلى مجال التعليق بالصدفة أو من خلال قدرته على التقليد للآخرين كما أن الكثير منهم لا يعرف حتى قوانين الرياضة التي يقوم بالتعليق عليها وبعضهم لو جربته للتعليق على مباراة دولية ستجده يقف عاجزاً عن القيام بالمهمة، لأنه يحتاج إلى أن يستوعب مفهوم مهمة التعليق ومفرداتها لكي يقدم للمتابع المعرفة التاريخية التي يحتاجها رجل الشارع الرياضي المتلهف للحصول على التاريخ الرياضي باعتبار التعليق الرياضي جزءاً مهماً من منظومة متناغمة ومتناسقة تشتمل على تخصصات متنوعة ومختلفة تتكامل مع بعضها لتشكل في مجملها الإعلام الرياضي الذي هو جزء أساسي من منظومة الإعلام بشكل عام.
في حقيقة الأمر وكما يدرك الجميع أهمية التعليق الرياضي وضرورة الالتزام بأصوله وقواعده ومراعاتها وانه ليس مجرد تهريج في تهريج وتقليد في تقليد، فالببغاء -كما قلت- يستطيع التقليد لكن ليس لديه القدرة على الكلام والتخاطب والإبداع وعلينا أن ندرك ذلك وأن نسعى إلى إيجاد قاعدة أساسية وحقيقية للتعليق الرياضي وأن نستفيد من الخبرات والكوادر المحلية وغير المحلية في تأسيس هذه القاعدة وعلى جميع الجهات المختصة ابتداء من وزارة الإعلام والقنوات الفضائية والجامعات وكليات الإعلام مرورا بوزارة الشباب والرياضة والاتحادات والأكاديميات الإعلامية وصولا إلى الإعلام الرياضي وحتى الإعلاميين الرياضيين والمعلقين القدامى عليهم جميعا أن يسهموا في إنشاء أكاديمية للإعلام الرياضي وتنظيم موضوع التعليق الرياضي وأن يكون جزءا مهما من برامجها وخططها وأنشطتها وأن يعملوا على استقطاب المواهب والمبدعين وتطوير قدراتهم وتنمية مهاراتهم.
وأتمنى أن تكون رسالتي وصلت ليكون التعليق الرياضي في بلادنا فنا وعلما وليس تهريجاً في تهريج وتقليداً أعمى لا يستند إلى أصول وحتى لا يتحول المعلق الرياضي إلى مجرد ببغاء فقط.