لماذا تفقد الأمم المتحدة ثقة العالم ؟
عبدالرحمن علي الزبيب
تتلاشى ثقة العالم في منظومة الأمم المتحدة وبدأت معظم دول العالم في تشكيل منظومات أقليمية لتتجاوز منظومة الأمم المتحدة التي أصبحت في تصور شعوب العالم منظومة ضعيفة لا تأثير لها وما حصل مؤخراً من إعلان أمين عام الأمم المتحدة في الشهر السابع من عامنا هذا 2018م بقائمة طويلة للدول التي لم تسدد اشتراكاتها للامم المتحدة هذا الى جوار إخفاق الأمم المتحدة في جمع التمويل المطلوب لكثير من خطط الاستجابة الانسانية في العالم ومنها اليمن وسوريا وغيرهما من المناطق في العالم التي تحتاج الى تنفيذ خطط استجابة إنسانية مستعجلة وطارئة لتقديم إغاثة ومساعدة إنسانية تنقذ حياة الكثير من البشر المهددين بالموت والذي تتكفل منظمات الأمم المتحدة الانسانية بتقديمها، كما يلاحظ مدى السخط الشعبي والمجتمعي لشعوب العالم ضد الأمم المتحدة ووكالاتها وأكبر مؤشر على ذلك هو السياجات وقوالب الاسمنت العملاقة التي تحيط بمكاتب الأمم المتحدة في العالم خشية استهدافها، هذا الخوف سببه ضعف الثقة بين الأمم المتحدة وشعوب العالم الذي لو تحققت الثقة بينهم لتحولت شعوب العالم الى سياجات بشرية تحمي الأمم المتحدة ووكالاتها ولن يتحقق أي اعتداء عليها وبالرغم من ذلك لم تقم الأمم المتحدة بإعادة النظر في آليات عملها لتكون قريبة من الشعوب لتستعيد ثقتها المهزوزة فيها .
الجميع يتساءل: لماذا فقدت الأمم المتحدة ثقة العالم ؟
للاجابة على هذا التساؤل نوجز أهم الأسباب في التالي :
1. إخفاق الأمم المتحدة في تحقيق أهداف انشائها وهو إطفاء وإنهاء الحروب في العالم والذي نص عليه ميثاق تأسيس الأمم المتحدة حتى أن معظم شعوب العالم وانظمته السياسية وصلت الى قناعة شبه كاملة بأن الأمم المتحدة لم توقف أي حرب ولم تقم بواجبها القانوني والإنساني لايقاف الحروب التي تعتبر أهم أسباب انتهاكات حقوق الإنسان في العالم بالرغم من وجود الصلاحيات والامكانيات والفرص لتوقف الحروب في العالم ولكن جميع ملفات الحروب فشلت منظومة الأمم المتحدة في توقيف طاحونة الحروب ولم تنجح حتى في أنسنة الحروب وتطبيق القانون الدولي الانساني للحد من انتهاكات حقوق الانسان اثناء الحروب وتتحول جميع الحروب الى أوراق ضغط ومفاوضات للدول العظماء على حساب الدول الضعيفة الذي تدفع شعوبها ضريبة كبيرة من ضحايا الحروب الذين تسفك دماؤهم بلاتوقف وتحولت الى ميدان يتصارع فيها العظماء ويتساقط ضحيتها الضعفاء والأمم المتحدة تصمت ولاتتحرك
2. الفساد : يعتبر من ضمن أهم أسباب فقدان الأمم المتحدة ثقة العالم فيها هو الفساد المالي والإداري الذي ينخر معظم منظمات ووكالات الأمم المتحدة والذي لم تقم الأمم المتحدة بتفعيل الدور الرقابي على جميع عمليات منظماتها ووكالاتها ومحاسبة أي فاسد تثبت التحقيقات تورطهم فيها والذي نؤكد بوجود فساد كبير في عمل منظمات ووكالات الأمم المتحدة وأكبر دليل هو اخفاقها وفشلها في إدارة الملفات السياسية والانسانية في جميع مناطق العالم والذي يرجع أهم أسباب ذلك الإخفاق والفشل الى الفساد وبامكان الأمم المتحدة تفعيل الدور الرقابي بقوة ومحاسبة جميع من يتورط بفساد بلا تمييز ولا استثناء وهذا سيكون له مردود ايجابي في استعادة ثقة العالم فيها .
3. غياب التقييم والمراجعة :
بالرغم من الاخفاقات الكبيرة للامم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها ولكن للأسف الشديد أنها لم تتوقف وتراجع نفسها ومازالت تكرر نفس الأخطاء وتحقق نفس النتائج والاخفاقات وكأنه عناد الأفضل ان يتم تفعيل آليات المراجعة والتقييم الدوري والمستمر في جميع مفاصل الأمم المتحدة وتصحيح أي أخطاء أو انحرافات قبل استفحالها .
4. عقدة المنتصر في الحرب
مازالت الأمم المتحدة منذ إنشائها في النصف الأول من القرن الماضي وحتى الآن لم تتجاوز عقدة سيطرة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على قيادة الأمم المتحدة بسيطرة الدول الخمس المنتصرة ( امريكا – بريطانيا – الصين – روسيا – فرنسا ) على مجلس الامن الدولي القائد والمسيطر فعلياً على جميع قرارات الأمم المتحدة والذي أوضح أحد الأصدقاء الذي كانوا يشغلون منصباً هاماً في أجهزة الأمم المتحدة بأن مجلس الامن الدولي وخصوصاً الدول الخمس دائمة العضوية ومن تملك حق الفيتو والاعتراض هي القيادة الحقيقية للأمم المتحدة وان جميع الاجهزة والوكالات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة ماهي إلا إدارات تحت قيادة مجلس الامن وجميع منتسبيها هم فقط موظفون لديه يأتمرون بأمر مجلس الامن بلا حدود .
بالرغم من ظهور دول وقوى عالمية عملاقة ولكن الأمم المتحدة مازالت جاثمة في الإرث التاريخي لها ومازالت تجثم وتسيطر عليها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وتم تداول ضم دول اخرى ضمن عضوية مجلس الأمن الدائمة ولكن كانت تلك الجهود تتوقف ويتمسك المنتصرون في الحرب على أحقيتهم في قيادة الأمم المتحدة وهذا يعتبر موقفاً خاطئاً فمن غير المعقول من يسيطر على الأمم المتحدة بصفته منتصراً في حرب بأن يكون صانع سلام بل على العكس سيكون صانع حروب لأن الحرب هي من منحته الافضلية على الآخرين ويستوجب على الأمم المتحدة مراجعة هذه العقدة وتجاوزها وفتح باب الأمم المتحدة امام جميع دول العالم بالتساوي دون تمييز وان يكون عملها مهنياً إنسانياً يصنع السلام ويطور العالم والبشرية بالتنمية والسلام لا أن يدمرها بالحرب والعدوان .
5. عدم الاندماج المجتمعي:
تعاني الأمم المتحدة ووكالاتها من الانزواء في جميع دول العالم وعدم قبول شعوب العالم بها بسبب ان الأمم المتحدة لم تقبل شعوب العالم بثقافته المتعددة، حيث مازالت الأمم المتحدة تفرض ثقافة دول الاستعمار على جميع شعوب العالم ولم تقبل ثقافة الشعوب ولاتحترمها حيث مازالت الأمم المتحدة تفرض وبقوة اللغة الانجليزية كلغة رسمية متداولة في جميع مفاصل الأمم المتحدة وجميع فروعها في جميع دول العالم وفي تقاريرها ودراساتها .
وهذا التصرف الخاطىء جعل الأمم المتحدة كنتونات منعزلة في دول العالم وجسداً بارداً لايتفاعل مع محيطه المجتمعي وتعتبر الأمم المتحدة ومنظومتها من كوكب آخر غير كوكب الأرض فلا تستمع لأنين المظلومين ولا صياح الجائعين والمكلومين لأنها لم تندمج بايجابية في المجتمعات من المفترض أن تغير الأمم المتحدة تصرفاتها الرعناء وتحترم ثقافات العالم وان لا تستمر في فرض اللغة الانجليزية في جميع مفاصلها ومكاتبها وكأنها فقط قفاز ناعم لاستعمار جديد تحت غطاء الأمم المتحدة يستلزم اندماج الأمم المتحدة في جميع دول العالم وتحترم ثقافة ولغة هذه الشعوب وتقوم بجهود ايجابية لترجمة جميع تقاريرها ودراستها وتلزم جميع موظفيها بالتعامل بلغة شعوب العالم لا أن تفرض لغة محددة أو ثقافة محددة وان يتم معاملة جميع اللغات والثقافات بشكل متساو بلا تمييز ولا استثناء .
6. غياب مفهوم الأولويات
معظم وكالات الأمم المتحدة في العالم تدخل في صراع شديد مع جميع شعوب العالم في تنفيذ انشطتها بسبب ان الأمم المتحدة لم تستطع معرفة أولويات واحتياجات هذه الشعوب وتحاول الأمم المتحدة فرض أولوياتها على تلك الشعوب وهذا تصرف خاطىء يعزز من ممانعة الشعوب لها وبدلاً من احتضانها يتم طردها وتصبح غير مرغوبة في تواجدها في معظم دول العالم كما انه يلاحظ ان الأمم المتحدة تشتغل في جميع دول العالم بنسق واحد وبأولويات محددة يتم تكرراها بنفس الآلية في جميع دول العالم وهذا خطأ جسيم، لكل شعب في العالم ثقافته وأولوياته بحسب ظروفه واهمية تلك الاحتياج له ويعتبر التعميم خطأ تستمر الأمم المتحدة في ارتكابه وتستمر هذه الأخطاء في توحيد آليات التعامل وتنفيذ الأنشطة والمشاريع بشكل موحد في جميع دول العالم دون أي إبداع أو تحسين أو تطوير أو مراعاة لأي متغيرات أو اختلاف في الثقافات والاهتمامات .
7. غياب الشفافية الكاملة
معظم برامج ومشاريع الأمم المتحدة يلفها الغموض والسرية والكتمان بالرغم من كلامهم المستمر على أهمية الشفافية ولكنها لاتحققها في نفسها وتظل معظم البيانات والمعلومات عن جميع برامجها وأعمالها طي السرية والكتمان ويفترض ان تنشر الأمم المتحدة جميع التفاصيل الدقيقة عن مهامها وانشطتها ومواردها ومصارفها بلغة الشعوب التي تعمل فيها ليعرف الجميع أين نجحت وأين اخفقت لأن عدم الشفافية لاتحقق أي تقييم مهني لها وتؤدي الى استمرارية الاختلالات والأخطاء لعدم معرفة العالم بها .
8. التوزيع غير العادل لموظفيها
معظم موظفي الأمم المتحدة ينحصرون في دول محددة لاتتجاوز اصابع اليد الواحدة من أصغر موظفيها وحتى قياداتها واداراتها وهذا خطأ جسيم يكرس النظرة التمييزية للامم المتحدة يستوجب اعادة النظر في آليات الاستيعاب والتوظيف لتشمل جميع دول العالم وجميع الثقافات وبحجم متوازن للجميع واتاحة فرص الالتحاق بالأمم المتحدة لجميع شعوب العالم على قدم المساواة حتى تصبح الأمم المتحدة منظومة دولية من جميع العالم ولجميع شعوب العالم استمرارية انحصار كوادر وموظفي الأمم المتحدة في زاوية واحدة في العالم يفقد ثقة العالم فيها ويؤكد عقدة المنتصرين في الحرب والنظرية الاستعمارية الخاطئة .
9. ارتفاع النفقات الشتغيلية وغياب الجودة والانجاز
ترتفع باستمرار فاتورة نفقات الأمم المتحدة لتبتلع نسبة كبيرة من ايراداتها كنفقات تشغيلية كان بالامكان تخفيضها واعادتها لتصب في دفع قيمة كسرة خبز لشعب جائع لحبة دواء لانسان يعاني من وجع المرض لانسان محتاج للغوث والمساعدة دون مرور تلك الاغاثة والمساعدات الانسانية في ماكينة الأمم المتحدة الحالية التي تكلف الكثير من الأموال دون الاهتمام بجودة العمل وتحقيق الاهداف والانجاز وكأن الأمم المتحدة فقط منشار لا وسلية بناء وتطوير ونماء.
وفي الأخير :
نؤكد على أهمية دور الأمم المتحدة كمنظومة عالمية تسعى لتحقيق السلام وتعزيز مباديء حقوق الانسان في العالم والذي فقدت الكثير من ثقة شعوب العالم بسبب الأخطاء التي رافقت مسيرتها منذ انشائها حتى الآن تلك الأخطاء أتاحت مساحات كبيرة لاشعال الحروب في العالم وارتفاع انتهاكات حقوق الانسان وتوسعت قناعة شعوب العالم بعدم جدوى الأمم المتحدة فمصروفاتها ونفقاتها كبيرة وثمارها وانجازاتها ضعيفة .
وندعو الأمم المتحدة الى وقفة جادة وتقييم شامل لعملها في جميع دول العالم وتشخيص أسباب رفض العالم لها وتلاشي ثقتهم فيها ومنها ما اوردناه في مقالنا هذا، كوننا مازلنا نأمل خيراً فيها وذلك لن يتحقق إلا بمراجعة دقيقة وشاملة لجميع تصرفاتها وبالتقييم الجاد والذي سيظهر أخطاء وملاحظات تسببت في إخفاق الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها وأهمها إيقاف الحروب وتحقيق السلام وتقديم العون والمساعدة للمظلومين في العالم .
واتمنى من أمين عام الأمم المتحدة وكل شخص يعمل فيها أن يبدأ اليوم قبل غد بتشخيص اختلالاتها ومعالجتها وأول خطواتها هي ان يسأل نفسه هذا السؤال ويبحث بإلحاح عن إجابته وهو: لماذا تفقد الأمم المتحدة ثقة العالم ؟
* عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الإنسان –النيابة العامة