ومن المهرة يأتيك الخبر اليقين
عبدالله الاحمدي
منذ الاستقلال الوطني في 1967م ظلت المهرة محافظة وديعة ومسالمة، تنأى بنفسها عن الصراعات والأحداث، وكان المركز هو من يقرر مصيرها ومصير الجمهورية.
كانت المهرة تمثل بوزير في كل حكومة رغم قلة سكانها.
أما المرأة المهرية فلها وضعها الخاص المتكافئ مع الرجل، الثورة أعطت هذه المحافظة الكثير، وحَّدت القبائل المتناثرة في الصحراء، وألغت الثأر، ونشرت التعليم بعد أن كان شبه منعدم، والناس بدو يرتحلون وراء الماشية والإبل والأغنام والمرعى.
هرب السلطان ابن عفرار بعيداً عنهم، نحو السعودية، وبدأ الناس يتنفسون ثقافة وسياسة بعد أن كانوا رعاة وصيادين. وأصبح للمرأة المهرية حضور في المنظمات الجماهيرية والحزب والدولة.
إلى عام الاستقلال كان المهريون يتكلمون لغة خاصة بهم، يطلق عليها المهرية، وهي جزء من الحميرية القديمة – كما يقال – وبعد انتشار التعليم الحديث تحدثوا العربية إلى جانب لغتهم، لكن بعد حرب 1994م اضطروا لاستخدام لغتهم لحماية أنفسهم من الاختراق العفاشي.
كانت المناطق المحاذية لسلطة عمان منطلقاً للجبهة الشعبية لتحرير عمان، وبعد المصالحة بين عمان والجبهة انفرجت الامور في المحافظة.
قبل العدوان السعو/ إماراتي كان جيش وامن عفاش هناك في شحن ونشطون والغيظة يحرسون التهريب، ويحرسون الإرهاب، لكنهم هربوا، وبقيت المحافظة بيد أهلها.
لم يصل أنصار الله إلى المهرة، وحتى إلى المحافظة المجاورة “حضرموت”.
في العام 2017م بدأت الأطماع السعودية، والإماراتية تظهر إلى العلن في المهرة وسقطرى.
شحن هي بوابة اليمن الشرقية على عمان والإمارات والخليج بعمومه، ومنها تدخل الكثير من السلع.
في فبراير من هذا العام ارتكبت القوات السعودية مجزرة على ساحل المهرة في حق مواطنين من آل هضبان من الجوف، وآخرين مهريين يعملون في تجارة السيارات.
إذ قامت قوات الاحتلال السعودي بإطلاق النار على هؤلاء النفر الذين كانوا على الساحل، وقتلت مجموعة منهم وجرحت، وأسرت 16 آخرين من دهم في الجوف وآل كدة في المهرة. كان من بين القتلى ( فهد عزيز هضبان، وعزيز محسن هضبان من الجوف، وسعد المحورن من المهرة ).
تراكمت مظلومية أبناء المهرة جراء ممارسات القوات السعودية ضدهم في المنافذ والميناء والمطار. إذ قامت قوات الاحتلال بمنع الصيد على الساحل مما فاقم الأزمة لدى الأسر التي تعتمد على الصيد.
المهري يحب الحرية كثيرا، وتعوَّد عليها، فهو ابن الصحراء والبحر. ويكره القيود المفروضة عليه.
للامارات والسعودية اطماع في المهرة وسقطرى، فتواجد قواتهما ليس من اجل سواد عيون أبناء المحافظتين، بل من اجل أطماع احتلالية.
الزوبعة التي افتعلها بن دغر في سقطرى كانت من اجل إدخال القوات السعودية الى الجزيرة.
نعم ابن دغر كان يقوم بمهمة مكلف بها من قبل السعودية.
اخرج القوات اليمنية واستبدلها بقوات سعودية، وإماراتية.
“شبش عليك يابن دغر”، ناجح في تنفيذ المهام، وكله بحسابه. لم يستطع سكان المهرة التكيف مع الاحتلال، فطالبوا ما تسمى الشرعية بإخراج المحتلين وبسط نفوذها في المحافظة، لكن الشرعية ليست سوى يافطة وجسر عبور، يمر من خلالهما جنود الاحتلال.
تيقن أهالي المهرة أن الشرعية قد باعت البلاد، وارتهنت للاحتلال، وان نداءاتهم لا سامع لها، فقرروا بدء الاعتصام السلمي لمطالبة قوات الاحتلال بالرحيل من محافظتهم.
في 24 يونيو 2018م بدأ اعتصام أبناء المحافظة رجالا ونساء للمطالبة بانسحاب القوات الأجنبية من المحافظة، وتسليمها للأمن والجيش اليمني، لكن لم يجد المعتصمون تجاوبا لا من تحالف الاحتلال، ولا من شرعية الارتزاق، لذلك كرروا اعتصامهم للمرة الثانية في 7/7 /2018م الذي قالوا انه سيكون مفتوحا، للمطالبة بخروج القوات السعودية والإماراتية من الميناء والمطار، ونقاط الحدود الواقعة بين المهرة وعمان، ومنها شحن وصرفيت.
وكيل المحافظة سالم علي الحريزي الذي حضر الاعتصام، وخطب في المعتصمين، وصف القوات السعودية والإماراتية بأنها قوات احتلال، وطالب برحيلها.
يعلم المهريون أن قوات الاحتلال لا تبحث عن حوثيين في المنطقة، وليس في وارد اهتمامها عودة ما تسمى الشرعية، بل ان لهذه القوات أجنداتها الخاصة، فالسعوديون لهم أطماع في الوصول إلى البحر العربي، ومد انبوب ينقل نفطهم إلى الساحل، وربما قد بدأوا في ذلك في ظل صراع اليمنيين فيما لا ينفعهم.
وهناك استراتيجية الأمريكي ينفذها الوكلاء السعو/ اماراتيون تختص بالصراع مع الجمهورية الإسلامية في ايران، ومحاولة حصارها، وضربها من قواعد قريبة، والمهرة هي الاقرب لذلك.
ولا يخفى على المتابع الصراع السعو/ إماراتي مع سلطنة عمان، والكثير مما يجري في المهرة يحسب في هذا الجانب.
ما يهمنا – هنا – هو تصاعد نضال الجماهير في هذه المحافظة التي تتمتع بكتلة سكانية متماسكة، هذا النضال يتراكم كل يوم في ظل استخفاف الاحتلال بإرادة ومطالب السكان.
وفي اعتقادي أن الوضع مرشح للتصاعد، خاصة وهناك من يدعم هذا التذمر الجماهيري ضد قوى الاحتلال، واعتقد أن الهبة الجماهيرية لاقتلاع المحتل ستبدأ من هذه المحافظة التي لم يتلوث أهلها بدنس العمالة والارتزاق، ولم تفت صراعات الماضي في عضدها.