تُمثّل التظاهرات الرياضية العالمية فرصة هامة للشركات متعددة الجنسية، وفي مقدّمتها شركات صناعة التجهيزات والملابس الرياضية، لمضاعفة أرباحها عبر الإشهار في الملاعب وشاشات التلفزيون، بالتوازي مع أزياء الفرق الرياضية الوطنية والنوادي خلال مباريات البطولات الوطنية والقارّية (كأس أوروبا أو إفريقيا أو آسيا).
وتمثل الألعاب الأولمبية وبطولة العالم لكرة القدم (المونديال) أهم مناسبة تتنافس خلالها أكبر شركتين مُتعددة الجنسية في مجال الرياضة، حيث ترعى “أديداس” (ألمانية المَنْشَأ تأسّست بعد الحرب العالمية الثانية) عَدَدًا قياسيًّا من المنتخبات المُشاركة في كأس العالم، بفضل التّواطؤ التاريخي للإتحاد العالمي لكرة القدم (فيفا) مع “أديداس” التي نجحت في فَرْضِ مُديرها السابق “جوزيف بلاتر” على رأس “فيفا” (1998 – 2015) وتوقيع اتفاقية شراكة مع “فيفا” منذ سنة 1998 (سنة بداية رئاسة “بلاتر”)، لكن “نايك” (أمريكية المَنْشَأ) تسيطر على أحذية اللاعبين المُشارِكِين.
وتمتلك “أديداس” الحقوق الحَصْرِية، في إطار عقد الشراكة مع “فيفا”، وتتضمن الشراكة وضع شعارها على كُرة البطولة وعلى ملابس حُكّام المباريات (منذ عشرين عام)، وأعلنت الشركة إنفاق نحو 176 مليون دولارا على “مونديال روسيا 2018″، ولكنها لم تعلن عن قيمة الأرباح المُتَوَقّعَة لهذا الاستثمار، ويرتدي لاعبو 12 منتخبًا (منها منتخبات إسبانيا والأرجنتين وألمانيا، حاملة اللقب) ملابس “أديداس”، وسيطرت المنتخبات المتعاقدة مع “أديداس”، على النهائيات الخمس الأخيرة.
حيث فازت ثلاث فرق من خمسة ترتدي ملابس “أديداس”، وفي نهائي كأس العالم 2014 فازت ألمانيا على الأرجنتين وشاهد مليار شخص المُباراة على شاشات التلفزيون، لمُنْتَخَبَيْن يرتديان ملابس الشركة الألمانية، أما “نايك” فإنها (بحُكْمِ نشْأَتِها الأمريكية) تسيطر على كرة السلة وكرة القدم الأمريكية في الولايات المتحدة، وبدأت تقْضم حِصَصًا متزايدة من هيمنة “أديداس” على كرة القدم، عندما بدأت تُرَكِّزُ على السوق العالمية (وهو نفس تكتيك الإمبريالية، حيث تُسَيْطِر الشركات على السوق الداخلية قبل غَزْو أسواق خارجية لتسويق فائض الإنتاج واستثمار الفائض المالي واستغلال العَمالة الرّخيصة في البلدان المُسْتَعْمَرَة).
ورغم انتصار أزياء “أديداس” في بطولة 2014، ارتفعت أسهم “نايك” بفارق أكثر من 30% عن أسهم “أديداس” خلال الأشهر الثلاثة التالية للبطولة (سنة 2014)، وعمدت “نايك” إلى رعاية العديد من اللاعبين (كأفْرَاد) منهم “كريستيانو رونالدو” و”نيمار” ولاعبين صاعدين مثل “رَحيم ستيرلنغ” و”هاري كين”… لكن الإستراتيجية التّجارية للرّاعي الرّسْمي “أديداس” تُرَكِّزُ على بيع القُمْصان، لأنها لا تقتصر على اللاعبين، حيث يشتري المُحِبّون والمُعْجَبُون قُمصانًا أكثر من الأحذية، وهي بارزة للعيان، وتُظْهِرُها شاشات التلفزيون عند نقل المباريات في المدارج وعلى عُشْب الملعب، خاصة أمام الشاشات الكبيرة في الساحات العامة، خلال المناسبات الكبرى، وتُقَدّر نسبة الملابس العادية ذات الطابع الرياضي بنحو 70% من سوق الأحذية الرياضية العالمية…
انتهجت الشركتان المُعَوْلَمَتَان استراتيجيات استثمارية مختلفة، فبينما اختارت “أديداس” الإستثمار في رعاية الإتحاد الدّولي لكرة القدم (فيفا)، سَخَّرَت “نايك” إيراداتها الضّخْمَة بالتركيز على مشاهير اللاعبين، لزيادة القدرة “السّوقية” (من السُّوق) للرياضيين المتعاقدين معها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذْ جَمَعَ “رونالدو” أكثر من نصف مليار من المشاركات عبر “فيسبوك” و”تويتر” و”انستاغرام”، خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2018، وتفوق بأكثر من 350 مليون مُشَارِك على “ليونيل ميسي” أبرز المتعاقدين من “أديداس” الذي لا يملك حسابا على “تويتر” ويتفوق “رونالدو” فيما يتعلق بالمتابعين على مجموع متابعي المطربة “بيونسيه” ولاعب كرة السلة الأميركي “ليبرون جيمس سويا”،كما تقَدّمت “نايك” على غريمتها في مجال الأحذية، حيث يرتدي (خلال مونديال روسيا 2018) نحو 132 من بين أغلى 200 لاعب أحذية “نايك” مقابل 59 لـ”أديداس”… عن مرصد (سي.اي.إي.اس) لكرة القدم.
Prev Post