حرب المصطلحات الناعمة
محمد ناجي أحمد
في سياق حروب الولايات المتحدة الأمريكية العديدة يأتي المصطلح كأحد أدواتها وأسلحتها في توجيه الفكر والتحكم بالوعي .
خلال حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي سابقا ابتكرت إدارة (ريغان ) مصطلح (الإرهاب الدولي ) و (إمبراطورية الشر ) وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي كان تقديمها للصراع مبنيا على ترويجها لمصطلح (صراع الحضارات ) ثم كانت (القاعدة ) و(داعش ) وإغلاق الحدود أمام الهجرات والنزوح بسبب الحروب التي يشعلها الغرب في آسيا وأفريقيا .
إنه الاستعمار الغربي ” لا قلب له وهو لا يرحم ،ولا يجوز أن نتصور أن لديه ذرة من المشاعر الإنسانية ،فهو إذا كان لا يقتل التابعين له فلأنه يحتاج فحسب لوجودهم . ولكنه يبقي عليهم في حالة من الغيبوبة التي بلغت حد الموت . وبما يصاحبها في فترات التنبه من عذاب ،ولكنه يضن على من يستغلهم إلى حد الاستنزاف برصاصة الرحمة التي تريحهم من آلام الحياة المهينة ” ص77 المأزق العربي –1986م.
لا ينزح العربي من أرضه باختياره ،لكنها حروب الغرب التي لا تبقي ولا تذر ،فالعربي شديد الالتصاق بأرضه ،والشعر الجاهلي والأندلسي يعكس حنينه وشدة تشبثه بالأرض ،التي تتماهى لديه كمعشوقة يهيم بها وفيها قلبا وعقلا ،وإن ذوى نتيجة هذا الوله بالأرض /المرأة .
كان لإسرائيل قلقها وخوفها من عراق صدام وإيران الخميني ،فاختارت الولايات المتحدة الأمريكية طريقة إشعال فتيل الحرب بينهما لثمان سنوات ،استنزفت الثروة والبشر ،طيلة ما سمي بالغرب (حرب الخليج الأولى).
يقول عمر التلمساني مرشد الإخوان المسلمين الأسبق ،بمقالة له بعنوان “توحيد الكلمة والاستعانة بمن لا غالب له” نشرت في كتاب “المأزق العربي ،الذي أعده لطفي الخولي ونشر عام 1986م:” كنت أفهم أن تتوحد كلمة إيران والعراق على تطهير المنطقة العربية من إسرائيل ثم تنصرفان بعد ذلك إلى تصفية المنازعات بينهما بالأسلوب الذي يتخيرانه إن سلما أو عسكريا . ولكن الذي حدث العكس فقد قضت إسرائيل مؤججة هذه الحرب على أكبر قوتين عسكريتين في المنطقة ،وكما خلا لها الجو في حدودها الجنوبية ،خلا لها أكثر من ناحية حدودها الأخرى ،والأمر يومئذ لله .”ص92.
وعلى ذات النهج تسير أمريكا والصهيونية في إثارة الحروب والأزمات في سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبيا إلخ، مستخدمة بعض العرب وثروة العرب لتحقيق هيمنتها على المنطقة .
إن أبرز ملامح حركة التاريخ العربي المعاصر هو دور مصر العربي والقضية الفلسطينية بحسب المفكر منح الصلح لهذا تم عزل مصر عن إطارها العربي ،بل وجرها ضمن المشروع الأمريكي في المنطقة ،وانساقت منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاقية أوسلو 1993م ،لتصبح اليوم بلا قضية ولا دولة ، وحلقة من حلقات ما سموه في اصطلاحاتهم الناعمة ب(صفقة القرن) مما يوسع الجرح العربي ،ويصب في خدمة المشروع الاستعماري الغربي في المنطقة .
هناك شكلان للجهل ،بحسب( توما دوكونانك )في كتابه (الجهل الجديد ومشكلة الثقافة –ت منصور القاضي 2004م.وهما متناقضان كليا : الأول يفتح الطريق ويحررها ،والثاني يقتل . الأول هو الاستفهام والتساؤل والبحث ،والثاني هو الوهم بأننا نفهم ،ويسميه (أفلاطون ) ب”الجهل المزدوج ” وهو من وجهة نظري يسيطر على القوى التي انخرطت تقاتل مع العدوان والاحتلال بمبررات غير منطقية ،بل وفيها تفريط بالأرض والسيادة والقرار اليمني المستقل .
استخدمت التقنيات الجديدة للاتصال والصورة وتجريد العلاقات في مواقع التواصل الاجتماعي ،والتلاعب بالعقول والعواطف ،حتى أصبحنا مع سيل الصور لا ننظر ولا نعي شيئا . إنه ” اللا واقعي ينمو ” بحسب نيتشة ،يزيح الواقع الدموي للعدوان ومذابحه الجماعية ضد المدنيين والعمران ليحل بدلا عنها ما سموه بمصطلحاتهم الناعمة ب”القتل النظيف “!
يرى نعوم تشومسكي في كتابه (تواريخ الانشقاق )ت محمد نجار -1997م. أن ” ما ينبغي أن تكون عليه الحركة الشعبية هو التحرر بشكل رئيسي من أشكال القمع ،السلطة والهيمنة ” وذلك في سياق تفكيكه للسلطة والهيمنة الإعلامية للولايات المتحدة الأمريكية .
حين كانت أمريكا في عهد (ريغان ) تستخدم مصطلح (الإرهاب الدولي ) وتكافح كما تزعم ضده ،كانت هي على رأس الدول التي تمارس (الإرهاب الدولي ) ” جهاز دعاية الدولة “في أمريكا يختلف عنه في الدول التي تسيطر على وسائل الإعلام وتمتلك عقيدة تريد إيصالها ،فجهاز أمريكا “يعمل بصورة مختلفة كثيرا ،أو بشكل أكثر فعالية ، إنه جهاز مخصوص للدعاية ،يشمل وسائل الإعلام والصحافة المعبرة عن الرأي ،ويتضمن بشكل عام الاشتراك الواسع لرجال الفكر والعلم ،وهم الجزء المتعلم والمثقف للشعب ،والعناصر الأكثر وضوحا للتك الجماعات التي تصل إلى وسائل الإعلام ،بما فيها الصحف والمجلات الفكرية ،والذين يشرفون بشكل أساسي على الجهاز التعليمي ” ووظيفتهم الرئيسية هي تقويض العقائد والمباديء للقوى المناوئة للمشروع الغربي الامبريالي في المنطقة .ومن وظائف هذا الجهاز منع الفهم والقدرة على التحليل ،لهذا يصبح تدهور تعليمنا جزءا من آلياتهم في التدمير .
لقد استطاع هذا الجهاز الإعلامي بمصطلحاته الناعمة أن يجعل قوى سياسية تهلل بفرح حين تشاهد طائرات العدوان والغزو فوق سماء اليمن تلقي بأطنان من صواريخها لتقتل البشر وتدمر العمران !
علينا ألاّ نندهش لرعاية الولايات المتحدة الأمريكية لعمليات الإبادة التي تشنها طائرات العدوان والاحتلال بواجهته السعودية /الإماراتية ،وعديد دول منخرطة في تحالفها العدواني ،فلقد حدث ذلك داخل أمريكا حتى عام 1900م ،في إبادتهم للسكان الأصليين ،والذي وصل في بعض الولايات إلى إبادة مائة مليون ! لذلك هي مستمرة في رعاية عمليات الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني في فلسطين ،والكيان السعودي في اليمن !
فلقد دعمت في أماكن عديدة مذابح لمئات الآلاف ،كما هو شأنها في اندونيسيا ،حين ساعدت بأسلحتها على قتل (700) ألف عام 1965م من أجل ما سمته اصطلاحا استعادة اندونيسيا إلى (العالم الحر )وكذلك المذابح في تيمور الشرقية عام 1975م .ص29 تشومسكي –المرجع السابق.
وهو ما تفعله اليوم باليمن في دعمها لجرائم ومذابح التحالف الذي تقوده السعودية تحت ذريعة محاربة (التمدد الإيراني )!
عندما شنت الولايات المتحدة الأمريكية عدوانها على فيتنام الجنوبية صاحبها إعادة لـ(هندسة التاريخ ) وصناعة (الرضا والقبول ) عند الأمريكيين ؛ أي التحكم بقناعة وتصورات الأمريكيين وتفكيرهم . وهو ذات الدور الذي يقوم به الإعلام المساند للعدوان على اليمن .
نهج السعودية والإمارات كقفازات للهيمنة الأمريكية –في تدمير المدن اليمنية هو ذاته النهج الأمريكي في حربه على فيتنام والسلفادور وبنما وأفغانستان والعراق إلخ . إنها الولايات المتحدة الأمريكية تكرر جرائمها طالما أن مطامعها في ثروات الجغرافيا ثابت لا يتغير .
كانت الولايات المتحدة الأمريكية بحسب زعمها تنقذ “بن تري ” عندما كانوا يحتلونها من سكانها . وكانت العبارة التي يتداولونها هي ” تدمير البلدة من أجل إنقاذها ” هذا هو السيناريو الدامي الذي تكرره أمريكا في اليمن بقفازات مشيخات الخليج .