أطلقت مؤسّسة الفكر العربي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية (الابتكار أو الاندثار، البحث العلمي العربي: واقعه وتحدّياته وآفاقه)، وذلك في بيت الأمم المتحدة في بيروت.
وقدّم طلال سليمان الرحبي نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط مداخلة في حفل إطلاق التقرير، تحدّث فيها عن التحدّيات التي تواجه مجتمع البحث العلمي العُماني، وأبرزها الهيكل التنظيمي لجهة أعداد الباحثين، وهويّة الباحثين الفعليين، ونوعية الكُتّاب الذين سيعدّون التقارير العلمية، ويأخذون بأسباب البحث العلمي.
ولفت الرحبي إلى أن البحث العلمي نخبوي، لذلك هناك ضرورة للتركيز على المواهب والمبادرات في هذا المجال. وأشار إلى تواضُع مساهمة الدول العربية في البحث العلمي التي لا تصل مجتمعة إلى 1% من الإنفاق العالمي، داعيًا إلى تجمّع عربي لمواجهة التحدّيات الكبرى مثل الغذاء والبيئة والبطالة واستدامة الموارد الطبيعية.
وكان الحفل استُهلّ التقرير بكلمة لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) د.محمد علي الحكيم، الذي أكد على جملة ضرورات للتقدّم في مسيرة الدول والمجتمعات في التنمية، ومن بينها تطوير الابتكار التكنولوجي ودعمه، وانعكاس ذلك في الخطط الوطنية الشاملة لتطوير جميع القطاعات، والتحوّل من الوضعية المستهلِكة للتكنولوجيا إلى الوضعية المنتجة لها، وذلك عبر إدماج الشباب في عملية إنتاج التكنولوجيا، وضرورة توفير التمويل اللازم للمشاريع، ومشاركة الجيل الجديد في رسم السياسات لتحديد مستقبله، وفهم الطبيعة المتغيّرة لوسائل التعليم المختلفة، ودور التكنولوجيا في ذلك كلّه.
وألقى المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربي د.هنري العَويط، كلمة تحدّث فيها عن سمات التقرير وفي طليعتها طابعه الشمولي والمتكامل، المتمثّل في المِروحةِ الواسعة من الموضوعات التي عالجها، والتي تغطّي معظم الجوانب المرتبطة بالبحث العلمي وأنشطة التكنولوجيا والابتكار في دول مشرق العالم العربي ومغربه.
وقال العَويط إن التقرير يمتاز بوفرة الموضوعات الجديدة التي غابت عن التقارير المماثلة السابقة، أو لم تنل معالجة وافية. ومن هذه الموضوعات: الذكاء الاصطناعي والروبوتات، والعلم المفتوح، والمشاع الإبداعي، والبحوث العلمية في محاور العلوم الاجتماعية والانسانية، ودور اللغة العربية في قيام مجتمع المعرفة، والمرأة وعلوم التكنولوجيا، والمبادئ الأخلاقية في البحث العلمي وصدقيّة أنشطته، والمردود التنموي لمنظومة البحث والابتكار، والثقافة العلمية، والنشر العلمي.
ورأى العَويط أنّ أبرز ما يتّسمُ به التقرير من مزايا، تركيزه على الصلة الوثيقة والروابط العضوية بين أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار من جهة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، فضلًا عن تشديده على إسهام هذه الأنشطة في التنمية الشاملة والمستدامة، ودعوته الدول العربية إلى اعتماد آليّات عمل ملائمة وفعّالة لربط هذه الأنشطة بأولويات التنمية.
وقدّم منسّق التقرير والأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان د.معين حمزة، عرضًا تحدّث فيه عن أهمّية التقرير. ولفت إلى أنّ عددًا من البلدان العربية قامت خلال العقد الماضي بصياغة سياسات تنموية و”وثائق رؤية” تسعى إلى حيازة قدرات علمية وتكنولوجية متميّزة في مجالات تتضمّن تنويع مصادر الدخل الوطني وتوفير فرص عمل، إلّا أن معظم هذه السياسات لم يستند إلى دراسات معمّقة لواقع البلدان العربية من الجوانب المُختلفة، ولمَواطِن الخلل في منظومات التعليم بمراحله المختلفة.
وعرض حمزة الاستنتاجات الأولية التي خلص إليها التقرير، ومن بينها غياب المبادرات الفاعلة في العقود الماضية لبناء مجتمع علمي يتمتّع بحوافز تكفل تحقيق تنمية شاملة ومستدامة وتقدّم حلولًا مجدية لمجموعةٍ من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيق تقدّمه. كما إن ما شهدته المنطقة مؤخرًا من تطوّر في مضمار البحث العلمي لم يأخذ في الاعتبار الكثير ممّا يحيط بها في أرجاء العالم من تطوّرات ذات آثار محورية، لذا بقيت الإنجازات التي تحققت دون المطلوب على أرض الواقع.
ولفت إلى أن التقرير يطرح خيارين لا ثالث لهما: ضرورة التجديد الشامل على أصعدة شتّى، أو الفشل في تحقيق التجديد المتواصل الرامي إلى التنمية الشاملة والمستدامة وبالتالي التشرذم والتخلّف، ولا سيّما إذا ما تضافرت مجموعة من الظروف الضمنية والدولية لغير مصلحة العرب.
وألقى وزير الثقافة اللبناني د.غطاس خوري كلمة ركّز فيها على حاجة العالم العربي للابتكار، ليس في مجال البحث العلمي فحسب، وإنما في الأنماط السياسية الجديدة التي تأخذ في الاعتبار التعدّديةَ والخروجَ من السلفية البائدة، وتدفع بالقوّة القادرة التي يمثلها الشباب، من أجل تحقيق التنمية وتطوير المجتمع والدولة.
وتحدّث الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المغربية المكلف بالشؤون العامة والحكامة لحسن الداودي، عن دور الابتكار في إيجاد فرص عمل مُجدية للشباب العربي، وفي وضع الشباب في محيطهم العالمي ومواكبة ما يجري من حولهم. ورأى أن المأزق الفعلي يكمن في أننا شعوب لا تعرف تاريخها، كأنه ليس لدينا تاريخ ولا حضارة، وأننا نعاني أزمة ثقة بأنفسنا وبابتكاراتنا إذا ما جاءت من الداخل، لذلك لا بدّ من إعادة هذه الثقة بأنفسنا والاعتزاز بماضينا وما أنجزه أجدادنا إذا أردنا أن ننافس الآخر ونقلّده.
وأشاد أمين عام المجلس الأعلى للتخطيط في الكويت د.خالد المهدي، بالمنهجية العلمية المتطوّرة التي اعتمدها التقرير، ولفت إلى التحدّيات التي يواجهها الاستثمار في الابتكار في المجتمع العربي بشكل عام، لافتًا إلى وجود عوامل سياسية واقتصادية مؤثّرة، فضلًا عن الإشكالية المتعلّقة بدور هذه المؤسّسات الأكاديمية، فهل هي تعليمية أم منتجة للمعرفة؟ منبّهًا إلى التناقض القائم في مبدأ حوكمة هذه المؤسّسات الأكاديمية، التي لا تحمل في صلب إنشائها بذور إنتاج المعرفة كجزء لا يتجزأ منها.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا