انعم به من كافر
عباس الديلمي
اعرف أن هذا العنوان مستفز وصادم، فأنا لست صاحبه، بل اخترته ، فقد جعله الكاتب المصري أحمد أبو الفتوح عنواناً لمقالٍ له نشرته صحيفة “المصري” عام 1948م رداً على شيخ الأزهر – حينها – عندما كفر العالم والدبلوماسي الباكستاني (ظفر الله خان) فمن هو هذا العالم السياسي ولماذا كفّره شيخ الأزهر؟
أنه وزير خارجية باكستان والصوت الأعلى والحجة القوية في وجه التآمرات التي كانت تحاك في الأمم المتحدة في العام (1947م) لتقسيم فلسطين وإقامة دولة إسرائيل عليها، حتى أن بعض الكتاب العرب لقبوه بـ”بطل قضية فلسطين”.
هكذا كافأته بعض الأنظمة العربية، بالتكفير وعبر مشايخ السلطة أما لماذا؟ فلأنه قال في إحدى محاضراته “إن تدهور أمور المسلمين يعود إلى تدهور أولي الأمر فيهم” فغضب منه ملك مصر، وأوحى إلى شيخ أزهره أن يكفره.. ففعل..
هل نقول ما أشبه الليلة بالبارحة ونحن اليوم نسمع فتاوى شيوخ الوهابية ومن يدور في فلكها وهم يكفرون كل مدافع عن العروبة والإسلام، ورافض للهيمنة الأمريكية والصهيونية بل كل من له صلة بمحور المقاومة ابتداء من سيدها حسن نصر الله وانتهاءً بأصغر مقاومٍ بسلاحه وفكره .. ورافض للخنوع والتبعية المذلة.
لست ممن يقول بـ”إن التاريخ يعيد نفسه” لأني أرى صوابية مقولة لفيلسوف يوناني هي “أنك لاتنزل النهر مرتين” ولهذا أكرر القول ما أشبه الليلة بالبارحة، وأنا أرى أن ما تقوم به السياسة الأمريكية في منطقتنا اليوم لا يبتعد عما فعلته الصهيونية السياسية في العام 1947م وتعالوا لنرى التشابه.
عندما طُلب من هيئة الأمم المتحدة أن تتولى الوضع في فلسطين ودفع بها لتتبنى مؤامرة تقسيم فلسطين اعتمدت الصهيونية السياسية على صوتين في الأمم المتحدة لا نقول من أنكر الأصوات بل يمثلان دولتين لا مكانة ولا حضور دوليا لهما ولا وزن لهما (جواتيمالا) و (ارجواي) حيث كان مندوباهما في الأمم المتحدة من أكثر الأصوات حماساً في المطالبة بتقسيم فلسطين بل وتفرغا لخدمة إسرائيل في أكثر من مجال ومنبر والف أحدهما كتاباً بعنوان (ميلاد إسرائيل) وهذا ما جعل دولة إسرائيل بعد إنشائها تكافئهما وتطلق اسميهما على شارعين في تل أبيب.
وإذا ما كانت الصهيونية قد اعتمدت على دولتين هامشيتين للتمهيد والعمل على تقسيم فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل فها هي الولايات المتحدة وإسرائيل تقدمان على خطة مشابهة من أجل ما أسموه بـ(صفقة القرن) والتطبيع مع إسرائيل والوقوف معها في خندق واحد ضد عدو مشترك.
ها هو الرئيس الأمريكي ترامب الذي قال عن دول في الخليج أنها دول لا تستطيع البقاء لمدة أسبوع واحد دون حماية أمريكا أي أنها دول أكثر من هامشية وهشة (لولا مال نفطها والحماية الأمريكية) ها هي أمريكا وإسرائيل تعتمد على تلك الدول الهشة في الدعوة لما أسموه حق إسرائيل التاريخي في فلسطين والتمهيد لصفقة القرن والدفع نحو التطبيع والتخندق مع إسرائيل ضد ما هو فلسطيني وما هو مقاوم بحجة التصدي لإيران.
هنا لا تفوتنا الإشارة إلى أسمي مندوبي الدولتين الهامشتين اللذين طلب منهما القيام بذلك الدور التمهيدي من قبل الصهيونية السياسية وهما (جرانادوس) ممثل جواتيمالا و(فابريجات) ممثل الارجواي.
وإذا ما كانت إسرائيل قد أطلقت اسميهما على شارعين في تل أبيب، فهل يتوقع (بن سلمان) و(بن زايد) أن يسمى الكيان الصهيوني باسميهما شارعين في تل أبيب أو القدس المحتلة، إذا ما نجحا في تمرير صفقة القرن وملحقاتها؟
لا نعتقد ذلك لأن التاريخ لا يعيد نفسه، وإن تشابهت بعض الصور والممارسات وما بشائر الانتصارات التي يحرزها محور الصمود على الساحة العربية إلاّ شاهد على فشل ما يتم التخطيط له.
نعود إلى عنوان مقالة أحمد أبو الفتوح، فقد أراد القول: إذا ما كان المتصدي للمخططات الصهيونية، المناصر لمظلومية الشعب الفلسطيني المشخص لعلة العالم الإسلامي، هو كافر في نظرهم فأنعم به من كافر بهم وبعمالتهم وخياناتهم.