الثورة نت|..
ودّعت فصائل المعارضة المسلحة في درعا حضنها الدافئ يوم أمس الجمعة “6/7/2018″، وداعاً مصحوباً بطعم الخسارة والفشل والخذلان من الداعمين، فلم تتمكن هذه المعارضة أن تكسب حاضنة حقيقية لها، لذلك كانت مهددة بالانهيار عند قدوم أي رياح من أي طرف، وهذا ما حصل خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وهو موعد انطلاق عملية الجيش السوري في درعا وريفها ليستعيد خلال هذه المدة أكثر من 75% من مساحة المحافظة ككل، ويبسط سيطرته من جديد على أكثر المناطق حساسية في سوريا منذ اندلاع الأزمة، ربما نقول ذلك لرمزيّتها لدى “الثوار” الذين اكتشفوا ومن سوء حظهم أنهم دمى بيد مراهقين سياسيين من أبناء جلدتهم ومن الخارج، واليوم بعد أن شعروا بطعم الخذلان يسري في عروقهم، ماذا بوسعهم أن يقولوا لبقية “المتمردين على الحكومة” في ريف حماة وإدلب؟!.
الخيط الأبيض من الأسود ظهر جليّاً في الأزمة السورية وتبيّن للجميع أن لا كلمة تعلو فوق كلمة الدولة، والأسباب كثيرة في هذا المضمار، قد يكون سوء تنظيم المسلحين وعدم وجود قيادة موحدة لهم وفشلهم في كسب شعبية الشارع نظراً لممارساتهم غير الإنسانية في أي وسط يحّلون فيه وعدم وجود خارطة طريق واضحة لديهم وغيرها من الأسباب جعلتهم عرضةً للانهيار عند أي مطبّ يظهر أمامهم، فكيف إذا كان من يظهر أمامهم هو الجيش السوري الذي وبالرغم من كل ما تعرّض له من تركيا وأمريكا و”إسرائيل” وبعض الدول العربية، بقي صامداً موحداً يتبع قيادة موحدة وغرفة عمليات واحدة تدير كل ما يجري وفقاً لما يقتضيه الواجب الوطني.
درعا خارج سيطرة المسلحين
ضربة موجعة تعرضت لها الفصائل المسلحة في درعا بعد أن أعادت قوات الجيش السوري سيطرتها على أغلب المناطق التي كانت تحت سيطرة المسلحين، ولا سيما معبر “نصيب” الحدودي الاستراتيجي والذي خرج عن سيطرة الدولة قبل ثلاث سنوات، واليوم تُعيد الحكومة سيطرتها عليه، ولهذه السيطرة أبعاد مهمة ورسائل أهم للداخل والخارج:
أولاً: معبر “نصيب” على الحدود مع الأردن، هذه الحدود التي كانت خارج سيطرة الدولة السورية لوقت طويل، الأمر الذي أضعف حضورها في المشهد السياسي والاقتصادي، فالحكومة اليوم ستكون أقوى سياسياً في أي مفاوضات مقبلة أيّاً كان المفاوض من داخل البلاد أم خارجها، خاصة أن السيطرة على المعبر قد تعيد العلاقات مع الأردن إلى سابق عهدها، فليس من مصلحة الأردن اليوم معاداة الدولة السورية وهي تعلم أن أوضاعها الداخلية على كفّ عفريت.
اقتصادياً، سيعيد المعبر الذي تم تحريره على الحدود مع الأردن أهم شريان من شرايين الاقتصاد إلى الداخل السوري، عبر عودة حركة الاستيراد والتصدير إلى الجنوب السوري والذي يعدّ نسبياً ليس بعيداً عن العاصمة دمشق ومن هنا يكسب أهمية أكبر.
ثانياً: الأردن ضاق ذرعاً بالمسلحين على حدوده، وما يؤكد ذلك عدم مدّ يد العون لهم عند قدوم الجيش السوري كما كانوا يتوقعون، وهذا بحدّ ذاته يعدّ نصراً للحكومة السورية، لكونه يعني أن المسلحين لم يستطيعوا أن يقدموا أي شيء إيجابي للأردن لكونهم مشرذمين ولا يملكون أي نقاط قوة، وبعد أن حررت القوات السورية أصعب المناطق في دير الزور وحماة وحلب وغيرها أدرك الأردنيون أن لا مصلحة لهم في دعم المسلحين لكونهم ساقطين عسكرياً، فضلاً عن كون اقتصادهم يشهد أسوأ حالاته فوقفوا على الحياد، لأن المسلحين أثبتوا فشلهم على جميع الأصعدة فما هي مصلحة الأردن بدعم جماعات ضعيفة لا تملك أي نقاط قوة.
ثالثاً: أدركت واشنطن التي لا أحد يشكّ بقدراتها التحليلية لوقائع الأحداث، أن المسلحين أصبحوا في عداد الساقطين عسكرياً، لذلك لم نستغرب أن أمريكا أعلنت قبل أيام وبشكل مفاجئ نهاية صلاحية الجماعات الإرهابية في الجنوب السوري حيث أكدت بأنه يجب ألّا تعوّل الجماعات المسلحة على دعمها، ولم يكن من المستبعد أن يحذو السعوديون وسائر من كانوا يمدّون الإرهابيين بالمال والسلاح حذو أمريكا ويقطعون دعمهم عن هذه الجماعات.
رابعاً: لم يعد هناك حاضنة شعبية للمسلحين وهناك إحساس ضمني بأنهم أصبحوا عبئاً في أي مكان يحلّون فيه، ومثال هذا ما حصل مؤخراً في ريف حماة، حيث لوّحت “هيئة تحرير الشام” بشنّ عملية عسكرية في ريف حماة الشمالي “نصرة لدرعا”، ومطالبتها سكان القرى المحاذية لخطوط التماس وإخلائها خلال 48 ساعة، فجاء الرّد سريعاً من قبل سكان بلدات ريف حماة الشمالي والشمال الغربي، حيث أصدروا بياناً أكدوا فيه عدم استعدادهم لمغادرة قراهم، مذكرين “الهيئة” بأن سكان درعا توصلوا إلى اتفاق تسوية وسوف يغادر قسم منهم إلى ريف حماة الشمالي.
الجيش يرحم المسلحين
الاتفاق الذي حصل بين المسلحين والجيش السوري برعاية روسية، أظهر تساهلاً كبيراً من طرف الجيش السوري تجاه المسلحين، فلم يكونوا قادرين على الصمود أكثر من ذلك، ومع هذا قبل الجيش بأن يتضمن الاتفاق إجلاء المقاتلين والمدنيين الرافضين للتسوية إلى شمال غرب البلاد.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأنه تم “التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السورية والمجموعات الإرهابية” يتضمن “البدء بوقف إطلاق النار وقيام المجموعات الإرهابية بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط في جميع المدن والبلدات”.
كما يتضمن الاتفاق وفق سانا “استلام الدولة السورية كل نقاط المراقبة على طول الحدود السورية الأردنية” على أن يعود النازحون إلى بلداتهم وتعود مؤسسات الدولة إلى ممارسة عملها.
في كل مرة يقع المسلحون في فخ الإعلام ويصرّون على الدخول في معركة خاسرة، ولا نعتقد أنهم سيتمكنون من المقاومة أكثر على مساحة الأرض السورية، وفي حال قرروا الدخول في معارك جديدة سيكلّفون عوائلهم أعباء هم بغنى عنها.
الوقت التحليلي