حاجز اللغة في المنظمات الدولية خلل وانحياز
عبدالرحمن علي الزبيب
نستغرب من احتكار المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة للغة الانجليزية كلغة رسمية لها واعتمادها في جميع تقاريرها ومراجعها واليات عملها في مقرها الرئيسي وفي فروعها في جميع دول العالم وهذا يؤدي إلى خلل في عملها وانحياز كبير فيها يستلزم إعادة النظر فيها لتصحيح الخلل وتحييد عملها.
لامبرر لاحتكار معظم منشوراتها وبحوثها ودراساتها باللغة الانجليزية ووضع شرط اجادتها لقبول طلبات التوظيف والانضمام إليها او الحصول على منح دراسية او تاهيلية.
وكأن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى منظمة انجليزية وليست عالمية ووصفها بأنها عالمية هي فقط لذر الرماد في العيون لأن جوهرها وظاهرها يؤكد على أنها فقط إنجليزية لأنها تعتمد اللغة الإنجليزية حصراً في معاملاتها وقراراتها.
حتى الدول التي تنص دساتيرها الوطنية على اعتبار اللغة العربية هي اللغة الرسمية تكسرها المنظمات الدولية وتعتبر اللغة الرسمية لها هي اللغة الإنجليزية وتتحول المنظمات الدولية إلى كنتونات غريبة داخل الدول العربية بلغة متختلفة وثقافة مختلفة.
في إحدى زياراتي لمقر إحدى منظمات الأمم المتحدة وجدت ازدحام كبير تساءلت لماذا ؟
أتت الإجابة بأنه اليوم مخصص لاختبار اللغة الانجليزية للمتقدمين للتوظيف لديها.
قد استسيغ اشتراط اللغة الإنجليزية للعمل في دول لغتها الرسمية الإنجليزية لكن من غير المعقول اشتراطها للعمل في بلدان لغتها ليست الانجليزية.
وكأن الهدف سلخهم من هويتهم وإجبارهم على التقوقع في بيئة بعيدة عن أوطانهم لاتلامس همومهم ولا احتياجاتهم وهذه من أهم أسباب فشل تلك المنظمات الدولية واخفاقاتها المستمرة.
ويفترض أن يتم الزام العاملين في تلك المنظمات من خارج تلك البلدان على اتقان اللغة الوطنية لا أن يتم فرض الإنجليزية على أبناء البلد انفسهم.
حيث تعتبر اللغة وسيلة للتواصل والاتصال الإنساني وكل مجتمع له لغة يتحدث بها يكتب بها ويعبر بها عن تصرفاته عن احتياجاته عن شكواه وطلباته ويستوجب أن يتم احترام اللغة الوطنية داخل الأوطان كونها تعبر عن ثقافتها الوطنية
ونستغرب أن يتم اعتماد الأمم المتحدة للغة الإنجليزية كلغة رسمية لها بالرغم من الكرة الأرضية تعج بلغات كثيرة جداً ومتنوعة وأهمها الخمس اللغات التي يتحدث بها عدد كبير من سكان الكرة الأرضية وفي المستوى الأولى تقع اللغة الصينية ( ماندراين ) من حيث عدد المتحدثين بها يليها اللغة الإسبانية – ثم اللغة الإنجليزية – ثم اللغة الهندية – ثم اللغة العربية )
البعض يطرح أسباب سيطرة اللغة الإنجليزية على منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية على أنها انعكاس للسيطرة الفعلية للقوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية والذي في مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ولكن ؟؟
يستوجب اعادة النظر في هذه الآلية غير المفهومة في تعامل منظمات الأمم المتحدة داخل دول العالم بلغة تختلف عن لغة تلك الدول واستمرارها دون اي تعديل او تصحيح.
في نقاشي مع أحد الاصدقاء عن هذا الموضوع اوضح لي أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية قد تحترم إرادة الدول الذي تبلغهم باهمية التعامل داخل الدولة باللغة الرسمية العربية ومنع التعامل بلغة أخرى وأوضح لي هذا الصديق أنه لاحظ في إحدى زيارتها لإحدى دول العالم أن مكتب الأمم المتحدة في تلك الدولة تتعامل باللغة الوطنية لتلك الدولة وتم منعها من التعامل باللغة الإنجليزية حيث يتم رفع التقارير ومحاضر الاجتماعات والمراجع والأنشطة باللغة الوطنية لها وإذا ما رغبت الأمم المتحدة يتم ترجمتها الى اللغة الإنجليزية عند إرسالها إلى خارج الدولة كما يلتزم موظفو الأمم المتحدة في تلك الدولة بالتعامل باللغة الوطنية لها ويمنع استقبال أي موظف لايتقن اللغة الوطنية لها وحتى أن تم إرسال موظف من خارج ذلك البلد يلتزم بالتحدث مع الأخرين عبر مترجم ويمنع التحدث باللغة الإنجليزية ويعتبرون مخالفة ذلك أخرتاق للسيادة الوطنية.
خطورة استمرار تعامل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في وطننا باللغة الإنجليزية لايتوقف في السيطرة الثقافية والانحياز بل لها مخاطر أخرى نوجز أهمها في التالي :
1. اللغة حاجز للتوظيف لديها
يعتبر البعض اعتماد اللغة الانجليزية لغة التعامل لمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حاجزاً كبير يمنع الكثير من الانضمام إلى هذه المنظومة العالمية مما يؤدي إلى انحصار العدد الكبير من موظفيها وكوادرها في مواطني الدول التي تتقن اللغة الانجليزية وبعض المواطنين من الدول الأخرى الذين يستطيعون الالمام باللغة الإنجليزية وتكون نسبتهم قليلة جداً حيث يتم حصر عروض التوظيف فيها لمجيدي اللغة الانجليزية حتى أن طلبات التوظيف تكون محصورة باللغة الإنجليزية لمنع أيّ شخص لايتقنها من الانضمام إلى كوادر عملها وبمتابعة إعداد المنظمين للعمل في المنظمات الدولية من العرب قليل جداً بسبب حاجز اللغة الذي يستوجب إعادة النظر فيه وفتح المجال واسعاً للتنافس والانضمام بعدالة ودون انحياز أو تمييز بسبب اللغة الذي تعتبر تمييزاً سلبياً يستوجب تجاوزه.
2. خطورة اللغة على السيادة الوطنية :
استمرار تعامل المنظمات الدولية باللغة الانجليزية تجاوز كبير للسيادة الوطنية الذي ينص الدستور الوطني على ان اللغة الرسمية هي اللغة العربية وهنا تكون اللغة الانجليزية محطمة لها النص الدستوري.
بالاضافة إلى أن ذلك يقصد به الاستخفاف والنظرة الدونية للثقافة الوطنية وأن الثقافة الانجليزية هي الثقافة المسيطرة على العالم فقط.
ويؤدي إلى توجه أعداد كبيرة من المواطنين لإتقان اللغة الانجليزية ليطالعوا التقارير والمراجع العالمية أو لينالوا فرصة للعمل في تلك المنظمات الدولية التي تشترط إجادة اللغة الإنجليزية لانضمامهم لها أو الحصول على منح دراسية وتأهيلية ولايمكن إجادتها مالم يتم الغوص في ثقافاتها وهذا مهدد كبير لثقافتنا الوطنية.
وبالتركيز على ذلك الشرط يؤدي إلى انسلاخ المواطن عن ثقافته وانخراطة في ثقافة أخرى لأنه لايستطيع إتقان اللغة الانجليزية إلا اذا انخرط بشكل كامل في الثقافة الأخرى.
3. استمرارية التجهيل بسبب حاجز اللغة
بسبب عدم الاهتمام باللغة الوطنية من قبل المنظمات الدولية يستمر تجهيل المجتمعات غير الناطقة باللغة الانجليزية عن مهام وواجبات تلك المنظمات وأيضاً العلوم والمعارف والقوانين التي تنتجها تلك المنظمات والتي تتكاسل عن القيام بواجباتها بنشر تلك العلوم والقوانين والمعارف وتكتفي فقط بنشرها باللغة الانجليزية ولايتوقف الموضوع هنا بل يتم بجهود حثيثة ترجمة جميع العلوم والقوانين والمعارف الى اللغة الانجليزية وهذا يعتبر انحيازاً كبيراً لامبرر له.
كما أن انحياز المنظمات الدولية الى اللغة الانجليزية ورفض بقية اللغات العالمية واعتمادها كلغة تعليم في الدراسات التخصصية والدورات التدريبية التي تقيمها تلك المنظمات يؤدي الى حرمان الكثير من المستحقين لها من فرصة الحصول عليها بسبب حاجز اللغة وتنحصر الفرص في أشخاص محدودين يتكرر اختيارهم وتمتعهم بتلك الفرص ويحرم العدد الكبير منها بسبب حاجز اللغة.
4. وسيلة سيطرة على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية
اعتماد حاجز اللغة كشرط للتمتع بمخرجات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أو الحصول على فرص تدريب وتاهيل أو الانضمام إليها يجعل جميع موظفي تلك المنظمات والمستفيدين من خدماتها محصورين في فئة محددة من المجتمع وغالباً تكون من فئة الأغنياء القادرين على دفع تكاليف دراسة اللغة الإنجليزية الباهضه جداً ويحرم منها الكثير من المحتاجين والمستحقين لتلك الفرص وتم حرمانهم بسبب حاجز اللغة وكونهم من الطبقة الوسطى أو الفقراء يتم حرمانهم منها لإفساح المجال للطبقات الغنية للاستحواذ عليها بالرغم من تلك الطبقات الغنية لديها خيارات أخرى بعكس الطبقة الوسطى والفقراء الذي قد تكون فرصة وحيدة لهم هو الانضمام للعمل في المنظمات الدولية أو الحصول على منح دراسية او تدريبية لتحسين وضعه ورفع مستواه العلمي.
وانحصار تلك الفرصة في الطبقة الغنية في المجتمع يجعل دورهم سلبياً جداً من معاناة مجتمعاتهم كونهم عايشين في طبقة غنية وولدوا وفي فمهم ملعقة ذهبية وتأتي مرتبات ومستحقات المنظمات الدولية الباهظة لتجرفهم اكثر بعيداً عن ملامسة اوجاع واحتياجات المجتمع.
كما أن بعض الجهات والمنظومات تقوم باستغلال حاجز اللغة في المنظمات الدولية لدفع منتسبيها للسيطرة على مفاصل تلك المنظمات عن طريق دفع التكاليف الباهظة لاكتساب اللغة الانجليزية ويتم حرف والتحكم في تصرفات وتعاملات تلك المنظمات الدولية لتحقيق مصالح تلك الأطراف حصراً بالسيطرة على أهم عناصرها وهو الكادر البشري فيها.
ويفترض أن يتم كسر هذا الاحتكار وتنويع الكادر العامل في تلك المنظمات ليظم أشخاصاً من طبقات مجتمعية بسيطة لإثراء وتطوير ادائها وعدم احتكارها في الطبقة الغنية فقط أوفئات محددة وهذا يتناقض مع وصف ومسمى تلك المنظمات كمنظمات عالمية انسانية.
5. حاجز اللغة على حساب الكفاءة
حاجز اللغة لدى المنظمات الدولية ووضعه شرط جوهري للانضمام والدراسة والتدريب والعلوم والمعارف يكون غالباً على حساب الكفاءة.
حيث يتم استبعاد الكفاءات من فرص الحصول على منح دراسية وتأهيلية أو الانضمام للعمل لديها بسبب حاجز اللغة الذي لاتستطيع معظم الكفاءات إجادة لغة اخرى بشكل كامل كونهم منشغلين بالدراسة والعمل في اطار تخصصاتهم المهنية وليس لديهم الوقت لتعلم اللغة الإنجليزية وإجادتها والذي يستوجب التفرغ الكامل لها والممارسة المستمرة لها.
وضع حاجز اللغة يحرم المنظمات الدولية من كوادر مهنية جيدة مما يؤدي إلى ضعف ادائها بشكل كبير ويستمر عملها روتينياً بعيداً عن الابداع الذي لايصنعها الا الكفاءات الماهرين والذي غالباً لايجيدون لغة أخرى.
لايوجد مبرر لحرمان المنظمات من تلك الكفاءات وبالإمكان وضع آليات عملية لإكسابهم اللغة الإنجليزية بعد انضمامهم للعمل لديها أو للحصول على منح دراسية وتأهيلية لأن اجادة اللغة يستوجب الاحتكاك والممارسة وبالإمكان توفير ذلك لتلك الكفاءات بعد وليس قبل الانضمام أو الحصول على المنح.
6. حاجز اللغة يتناقض مع الشفافية ومكافحة الفساد
لاتتوقف أضرار حاجز اللغة في حرمان الكفاءات والمستحقين للعمل بالمنظمات الدولية والحصول على منح دراسية أيضاً هناك أضرار تتمثل في غياب مبادىء الشفافية ومكافحة الفساد بسبب حاجز اللغة واعتماد اللغة الإنجليزية لغة رسمية لعمل الأمم المتحدة في مقرها الرئيسي ومكاتبها في دول العالم حيث لايجيد معظم أفراد المجتمع لها ولايعرف ماذا تعمل تلك المنظمات وهل أخفقت أم نجحت وهل تخللت أعمالها فساد أم لا لأن المجتمع لايعرف بسبب حاجز اللغة وقد تسقط معظم المنظمات الدولية في مستنقع الفساد بسبب ذلك.
ويستوجب أن يتم اعادة النظر في ذلك وإلزام جميع المنظمات الدولية باعتماد اللغة الوطنية في جميع تعاملاتها ونشرها في موقع الانترنت الخاص بها باللغة الوطنية وإتاحة جميع الوثائق والتقارير باللغة الوطنية لجميع أفراد المجتمع وعدم حصرها في فئات محددة والزامية نشر جميع تفاصيل أنشطتها دون اختصار ولا إخفاء ليقوم المجتمع بتقييم ادائها وتقويم انحرافاتها.
وفي الأخير :
نؤكد على وجوبية إعادة النظر في آليات عمل منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى وكسر حاجز اللغة الانجليزية والزامها باحترام ثقافة ولغة المجتمعات الأخرى لتعزيز وتفعيل دورها وبمايؤدي إلى استقطاب الكفاءات للعمل لديها بعيداً عن التقوقع في اشخاص محدودين تفرغوا معظم سنوات عمرهم لإجادة اللغة الإنجليزية ولو على حساب مهاراتهم المهنية.
ولتنويع كوادر العمل في تلك المنظمات الدولية لتظم كوادر بشرية من جميع دول العالم ومن ثقافات متعدده كونها منظمات عالمية كما هو موضح في مسمياتها ويجب ان تطابق التسمية الواقع لا أن تناقضها.
بالإضافة إلى أهمية التركيز على مخاطر حاجز اللغة واعتماد المنظمات الدولية لغة أخرى غير اللغة الوطنية كلغة رسمية لها في بلدان لا تتقنها مما يؤدي إلى سيطرة فئات محددة على مفاصل تلك المنظمات ويؤدي الى انحيازها وغياب حياديتها أو حصرها في طبقة الأغنياء القادرين على دفع تكاليف إجادة اللغة الانجليزية بالرغم من أنه لا أهمية لها للعاملين في بلدان لغتها الرسمية ليست الانجليزية لأنه يؤدي ذلك إلى عدم ملامستهم لواقع ومعاناة واحتياج مجتمعاتهم الإنسانية بالرغم من أن عملها غالباً إنساني وهذا يتناقض معها.
كما أن حاجز اللغة يتسبب في تفشي الفساد بسبب غياب الشفافية الحقيقية لعدم إتاحة تفاصيل أنشطة وبرامج المنظمات الدولية للمجتمع كونها بلغة أخرى لايجيدها معظم أفراد المجتمع ويستوجب إلزام جميع المنظمات الدولية بنشر كافة تفاصيل انشطتها باللغة الوطنية في موقعها على الانترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ليقوم المجتمع بدوره في تقييم ادائها وتقويم اعوجاجها والذي لن يتحقق ذلك مالم يتم نشرها باللغة الوطنية باعتبار حاجز اللغة في المنظمات الدولية خلل وانحياز.
* عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الإنسان