الخليج وحصاد الهشيم
إيهاب شوقي
أحياناً تجرفنا تطورات الأحداث لتعزلنا عن أصولها وتغرقنا في فروعها وهو ما يؤدي بنا إلى تفسيرات مبتسرة، مع العلم أنه وبالعودة لنقاط تاريخية حتى لو قريبة العهد، فإنه يمكن الوصول لتفسيرات أدق ونتائج أشمل وأصح.
التطورات الراهنة إذا تم تناولها في سياق منفصل عن التاريخ، فإنها تأخذ تحليلات مختلفة عن التي يمكن الحصول عليها من وضع التطورات في سياق تاريخي.
التصعيد السعودي والإماراتي ضد اليمن، وضد محور المقاومة بشكل عام، يفسر بأنه نتيجة انهيار الوضع العربي، وان ما يحدث هو مطامع في القيادة واستلاب الثروات بعد اقتراب نضوب النفط وأزمات الخليج المالية، وكذلك خدمة المشروع الأمريكي، كلها تفسيرات صحيحة ولكنها غير مترابطة في سياق متصل، مما قد يوقع في التوصل لاستنتاجات وبالتالي طرق للمواجهة منقوصة الفاعلية.
وأحياناً لا يعني السياق التاريخي، أن نعود لجذور بعيدة في التاريخ، بل تغني عن ذلك العودة لنقاط قريبة ولكن مفصلية، لأن هذه النقاط تحمل في طياتها ملخصات للسياق التاريخي الأقدم.
وللدخول مباشرة في الموضوع، فإنه ومنذ أواخر عهد الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، شهدت العلاقات الخليجية نقلة معاكسة للنقلة التي حدثت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي والمتمثلة في إنشاء مجلس التعاون الخليجي. هذه النقلة المعاكسة ربما هي التي مثلت بداية حقيقية لانهيار العمل الخليجي المشترك حاليا، واستبداله بمجلس التنسيق السعودي الإماراتي.
كان سبب هذه النقلة، الرغبة السعودية الأمريكية المشتركة في إنشاء حلف عسكري، على غرار حلف الناتو، والذي جاءت تفاصيله بتقرير هام على مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تحت عنوان “الخليج بحاجة لحلف ناتو خاص به”. ومما جاء في التقرير المؤرخ له بالعام 2012، انه وعلى غرار حاجة أوروبا لحلف جماعي بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة الروس، فإن دول الخليج بحاجة لحلف لمواجهة إيران! كما اعتبر التقرير أن الأوربيين لا يثقون ببعضهم ويشككون في الألمان وإمكانية عودتهم لابتلاع أوروبا إذا ما نهضوا سريعا، ولهذا قرروا الاستعانة بالامريكيين لقيادتهم.
كذلك الحال في الخليج، فدول الخليج لا تثق ببعضها وخاصة لا يثقون في السعودية ونواياها، ولهذا فقيادة أمريكا لهذا الحلف واجبة!
هذه المقاربة تتطلب صراعا وحربا واقناعا للمؤسسات الأمريكية بان إيران تشكل خطرا، وهو ما يفسر التحرش والحملة الإعلامية الدائمة على إيران، ومحاولة الصاق الإرهاب بها.
لا نظن أن كافة دول الخليج مقتنعة بهذا الخطر الإيراني، وإلا كانت تجاوبت مع قيادة السعودية لحلف ناتو جديد، وكانت نحت مخاوفها وهواجسها تجاه السعودية جانبا أمام الخطر الإيراني الحقيقي، لو كان صحيحا، وهو ما لم يحدث، وما لم يصح.
عندما وجدت السعودية الأمور هكذا، شكلت مع حليفها وشريكها الأكبر الإماراتي حلفا مستقلا، ولأن إعلان الحرب على ايران ليس نزهة، فقد أعلنتا الحرب على أصدقاء إيران وحلفائها، وعلى كل مقاومة ترى في إيران صديقا وداعما للمقاومة.
من هنا يمكن تفسير العدوان على اليمن، تصورا منهما انها البطن الضعيفة وان الصاق تهمة العمالة لايران بالمقاومة اليمنية يؤدي ذات الغرض السياسي لمواجهة إيران! وهنا كانت الخطيئة الأخلاقية، والخطيئة السياسية التي قد ينتج عنها أزمة سياسية قد تطيح بالعروش في السعودية والإمارات بعد الخسائر الباهظة والفشل السياسي وما تبعه من فشل إعلامي واقتصادي.
الحرب على المقاومة هو هدف امريكي صهيوني خليجي (سعودي اماراتي بالأساس)، تتلاقي بها أهداف كل طرف، ناهيك عن الأسباب الأخرى المتعلقة بالنهب وأشواق القيادة والخدمة الجبرية للأمريكيين.
أن حلف ناتو خاص بالخليج هو مزيد من التموضع الأمريكي المعمق في المنطقة، وهو حلف يسمح بدخول إطراف جديدة تشتاق للتواجد والتموضع الاستراتيجي مثل فرنسا، هو ما يفسر دخولها طرفا في العدوان على اليمن.
وكل ذلك فإن الحرب على لبنان وسوريا، هي استهداف لمحور المقاومة الذي يهدد الكيان الاسرائيلي، ويهدد أيضا العروش العميلة للمشروع الصهيو – أمريكي.
الشيطان الامريكي يعظ ويبتز ويبيع الأسلحة وينعش القطاع الصناعي العسكري، والكيان الصهيوني، يسعد بإهدار موارد النفط في إراقة الدم العربي بدلا من توظيفها للتحرر العربي وإزالة الكيان الغاصب، ناهيك عن تأمين الممرات البحرية للعدو وإتاحة الفرصة له للتموضع الاستراتيجي في المنطقة.
السؤال هنا: ما هي بدائل الخليج لوجود عمل عربي وخليجي وإسلامي مشترك؟ وماذا بعد اتخاذ السعودية والإمارات قرارات منفردة بالمغامرات والمقامرات؟
أن حصاد العمل الخليجي الذي تغنّت به غالبا دول الخليج عن العمل العربي والإسلامي، يكاد يكون حصاداً للهشيم، بل ويكاد يكون وبالا بحكم المآلآت.
هل ستصمت الدول والشعوب بانتظار نتيجة المغامرات والالتحاق بالمعسكر المنتصر؟ أم ستشكل كيانا بديلا يواجه التهور والخرف السعودي والإماراتي ويحجم هذا الانزلاق ويعيد التوازن بالخليج وبالإقليم؟.