ثقافة تغييب الآخر وغياب قيم المجتمع

 

عبدالفتاح حيدرة
من أخطر وأخبث علامات التخلف المجتمعي وغياب الوعي الجماعي ، هو تكريس سياسة غياب وتغييب الآخر في ثقافة وعي وقيم ومشروع المجتمع اليمني، لم يعد الأمر متعلقا بنوعية وطرق وأساليب السياسة أو علاقة الحاكم والسلطة والدولة بالمواطن، بل أصبحت هذه الثقافة تتوسع وتتمدد تدريجيا لتكون جزءاً أصيلاً من ثقافة شعبية أصبحت تغزو المجتمع اليمني بشكل مخيف ومرعب، أصبحت تتجسد ثقافة عدم وجود الآخر وغيابه وتغييبه في علاقة المقاتل والمجاهد اليمني بأهله وقبيلته وقادته ومجتمعه وشعبه، بعلاقة الصديق بصديقه، بعلاقة الزميل بزميله، بعلاقة الجار بجاره، بعلاقة المواطن بغيره في الشارع في المواصلات العامة، وفي العمل وفي وسائل التواصل الاجتماعي وبكل مكان..
إنها ثقافة (طالما وأنت مختلف مع الآخر، ليس لك أية حقوق عنده، وطالما والآخر مختلف معك، ليس له أية حقوق عندك) ، وأصبحت الحالة الوحيدة التي يحترمك فيها الآخرون، ويقدمون لك التقدير هي أن تكون قادرا على حماية حقوقك، ويا حبذا لو كانت لديك القدرة على أذيتهم وتهديد حقوقهم، هكذا أصبحنا للأسف، هكذا أصبحنا ونحن في حالة غزو وعدوان واحتلال، يفترض أن يحرص كل مسؤول وكل قائد وكل إعلامي وكل مواطن يمني على أن تكون حقوق الآخرين في ذهنيته قبل حقوقه هو ..
يجب أن نتحرك وبسرعة لتغيير ثقافة غياب وتغييب الآخر ، ونبذها والتحذير منها وفضح وكشف أصحابها، وتقريعهم بالاسم وبالتصرف، أيا كانوا، لأن هذه الثقافة تصنع تدريجيا مجتمعاً غير غيور، يهمه فقط شرفه وكرامته الفردية فقط، على ما يحدث أمام بيته، وطالما أن ما يحدث لا يمس حقوقه هو، فإن الأمر لا يهمه ولا يعنيه، انها ثقافة صناعة المجتمع المتبلد غير المهتم وغير المبالي وغير المكترث بما يحدث من حوله..
صناعة مجتمع غير مهتم بقضايا أهله ولا مهتم بقضايا قبيلته، ولا مهتم بقضايا مجتمعه ولا مهتم بقضايا شعبه ولا مهتم بقضايا أمته، وكل هؤلاء بالنسبة له هم شر يجب الحذر منهم، إذا شعر أو حس أن حقوقه ومصالحه فقط هي التي سوف تمس من قبلهم ، إنها صناعة مجتمع متبلد أمام المعتدي الخارجي ، مجتمع عليه فقط أن يتنمر ليحافظ على حقه ومصالحه من أهله وناسه وشعبه وأمته، لكنه متبلد بدون غيرة وحمية عندما يشاهد حقوق سيادة بلده تنهار وحقوق حرية شعبه تنتهك وحقوق استقلال دولته تغتصب وحقوق شرف وكرامة أهله وناسه تنتهك وحقوق أصدقائه تلغى، هنا تجده يقف متبلداً لا يحرك ساكناً، المهم لا احد يقترب من حقوقه ومصالحه..
إن هذه الثقافة تبدأ بصناعتها شلل وصبيان السلطة والثروة داخل المجتمعات، وتلاقي البيئة الخصبة والمناخ الجيد للتوسع والانتشار داخل المجتمع الذي لا يملك الوعي الجماعي المدافع والمحارب عن حقوقه الوطنية الجماعية ككتلة واحدة، ولا يملك القيم الجماعية التي تصون وتحفظ كرامته وشرفه الوطني والسيادي والإنساني ككل وككتلة واحدة، ولا يملك المشروع الجماعي والكلي الذي يبني دولته العادلة والقوية والمهابة التي تضمن حماية حقوقه وحقوق غيره العامة والشخصية..
كيمنيين واستحلفكم بالله، من أكبركم لأصغركم ومن قائدكم لفراشكم، ان تسألوا أنفسكم، ألسنا في أمس الحاجة لتوحيد وعي وقيم ومشروع الجبهة الداخلية، واحترام بعضنا بعضا، والخوف على حقوق بعضنا البعض وتحشيد وعي كل يمني لمقاتلة ومحاربة العدو الذي يهدر حقوق جميع اليمنيين، وأول تلك الحقوق هو حق الحياة ، إن ثقافة غياب وتغييب الآخر بدأت تجتاح مجتمع صبيان شلل السلطة والثروة هذه الأيام، وبشكل مخيف ومرعب، والأخطر من ذلك هو تعمدهم تسريب هذه الثقافة وللأسف الشديد في كثير من معاملات المؤسسات الحكومية الرسمية والهيئات والشركات العامة المملوكة للدولة ..
إذا لم نتحرك تحركاً قيادياً ورسمياً وشعبياً ومجتمعياً جماعياً لإيقاف أصحاب هذه الثقافة عند حدهم وعكس ثقافة وعي المقاتل اليمني وقيم الشعب اليمني ومشروع القائد اليمني على نفسية وروح وضمير المجتمع اليمني كله، فسوف يذهب الشعب والمجتمع اليمني كله وبيده ورجله إلى الهاوية، وإلى هدر كيان دولته وإلى إلغاء وعي مقاتليه ومجاهديه وإلى إلغاء قيمه وقيم جيشه ولجانه والمدافعين عن كرامته وشرفه، وإلى إفشال مشروع بناء مؤسسات دولته وقطع يد المؤسسة العسكرية اليمنية التي تحميه ..
إذا لم نتحرك تحركاً قيادياً ونخبوياً رسمياً وشعبياً ومجتمعياً، ضد آفة ثقافة تغييب الآخر، فإنها كارثة الكوارث، وسوف نعيش البؤس والقهر والظلم من كل ناحية، لا عارفين نلاحق ونحارب تحالف دول الشر والعدوان والاحتلال والغزو ولا نحمي أنفسنا من مكائد ودسائس تصرفات وممارسات صبيان شلل السلطة والثروة والإعلام ، ويبقى وعينا وعياً جماعياً متبلداً ضد العدوان والاحتلال والغزو الخارجي، ومتحفزاً ومتنمراً ضد بعضنا البعض، ولسان حال بعض المحسوبين على تيار التنوير بثقافة تغييب الآخر، يقول ( شوفوا أنا جاي أنوركم والذي ما با يتنور معي سوف أرميه من الشباك، فاهمين ولا مش فاهمين يا جهلة يا منافقين يا حق الزلط)..

قد يعجبك ايضا