رسائل وعبوات متفجرة!
محمد السقاف
الإنسان العاطفي يصعب تغييره أو التأثير عليه بالمنطق وذلك لأنه يعول على الأحاسيس أكثر من التحليل المنطقي العقلاني للاستنتاج وفهم الأمور .. هذا النوع من الناس تجده أكثر الناس انطوائية على بيئته التي نشأ فيها وأكثرهم تحيزا ونرجسية لرأيه الذي يعتقد أنه صحيح وحتى وإن أفلحت وحصرته في الزاوية بالحقائق المنطقية المعززة بالشواهد والبراهين من أرض الواقع ستلقاه في ذات الزاوية يجاهد في الإنكار ويهرب منك ليفتح ملفا آخر وهكذا حتى تلقى نفسك أخيرا بعد المعاناة في الشرح والتفصيل مشتتا منهكا بين فوضى مواضيعه المبعثرة فتتركها وتتركه لتبحث عن جرعة ماء لترميم حلقومك الحسير.
مثل هذا الشخص يعتبر مصيبة حقيقية تمشي على رجلين لكن المصيبة الأضر هي أن هذا نفسه سيفطر قلبك حين تجده مستعدا ومتسمرا أمام شاشة التلفاز أو الإنترنت وبكل( بهيمية )وستصاب بأزمة قلبية حادة حين تكتشف أنه سلس الإنقياد للمادة الإخبارية بل وتنطلي عليه الأكاذيب دائما حتى وإن كانت غير قابلة للهضم وخصوصا عندما يكون مصدرها الطرف الذي أفلح في مغازلته ودغدغة عواطفه وإقناعه بأنهما معا يقفان في خندق واحد ويواجهان عدوا واحدا ناهيك عن أن يأتي هذا الطرف ومن خلفه تنتظم ترسانة إعلامية ضخمة لعبتها المفضلة إطفاء العقل البشري المتقد واشعال العواطف الجهنمية من خلال توظيف خبراء علم النفس والاجتماع والانفاق عليهم بأرقام فلكية وذلك لقاء دراسة سلوكيات المجتمعات المستهدفة ومعرفة اتجاهات التفكير إيجابا أو سلبا وسواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة وتحديد التباينات المؤثرة والثغرات التي يمكن التسلل منها لزرع عبوات الحقد والتباغض ومن ثم المشاحنة بين فئتين متجاورتين ضمن مجتمع واحد وهاهنا كما ترون تكمن أم المصائب والآفات التي هي – باعتقادي – يهون كل شيء سواها وكل ما سواها يهون.
هذا النوع بعد حزمة من السنوات يصبح حاضرا جسدا وحسب أما عقلا فهو لم يتبق منه سوى شبح يحمل أكداسا من الأفكار البالية والقناعات البلاستيكية التي بعضها يسخر من بعضها بل ويسخر منها ومنه كل شيء في الميدان .. هذا الشخص مع شديد الأسف ضحية عناده أولا قبل أن يكون ضحية العدو الذي عطل لديه جهاز التحكم الذي -كان يا ما كان- في جمجمته والذي بادر أولا إلى تنويمه عن الشعور بأهمية القضايا الجوهرية المركزية حتى يشغل تفكيره في أمور ثانوية لا تلهب مشاعره أو توقظ ضميره ومن ثم قام بتعبئته بشحنات سلبية ليبثها في مجتمعه في كل اتجاه وصوب بعد أن يجري توجيهه نحوها من على بعد ووفقا للرسائل التي يتلقاها كل حين من القناة الإخبارية التي يثق بها أو الموقع الإلكتروني أو الصحيفة أو أي وسيط آخر وهو بلا وعي يستجيب للتوجيهات ويتفاعل معها وينفذها بحذافيرها بجد وإخلاص حسب الخطة المرسومة وهنا تعود الكوب إلى الساقي وتعود التغذية العكسية إلى الخبراء النفسيين لدراسة الفجوة التي أحدثتها هذه الرسالة في جوف هذا الملتقي وفي محيطه ومجتمعه ومناقشة أساليب تطوير هذه الرسالة لتكون أكثر تحطيما وتمزيقا إضافة إلى ابتكار رسائل جديدة وسموم أكثر إبداعا وفتكا لإبادة هذا المجتمع وتمزيق نسيجه الاجتماعي عن بكرة أبيه وحتى لا تقوم له قائمة ” فيا ترى ماذا نحن فاعلون وإلى أي هوة سحيقة ذاهبون؟؟؟