الرياضة والمصالح
أحمد يحيى الديلمي
الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” كان أخر من غرد بعبارة التفاؤل المعروفة فقال “الرياضة كفيلة بإصلاح ما أفسدته السياسة” في الكلمة التي أفتتح بها الدورة الحالية لكأس العالم المقامة في روسيا الاتحادية ، هذه العبارة متداولة تطلقها الأفواه مع أي حدث رياضي حتى على المستويات الثنائية تكون العداوة على أشدها بين دولة وأخرى فتأتي الرياضة لبلسمة الجروح وإذابة الجليد ، لأن المسؤولين في البلدين لكي يمهدوا للفريقين اللقاء سواءً الساسة أو العسكر مجبرون على تجاهل أي عداء ، وتسهيل كل شيء من أجل تذليل الصعاب أمام الفريقين ، وفتح ثغرة للتواصل بين المسؤولين وصولاً إلى التصافح في ميدان السباق .
للأسف هذا المضمون تشوه عندما خرجت الألعاب الرياضية من نطاق الشعبية والهوايات وانتقلت إلى دهاليز الدول واحتلت أركام فلكية في الميزانيات العامة فلقد سقطت كل الرهانات التي جعلتها ردحاً من الزمن محوراً للتصافي والتصالح وأصبحت مجرد وسيلة لإثبات قدرات الدول ودعم مواقفها السياسية ، لن نذهب بعيداً فأمامنا موقف قريب يؤكد نفس المعنى بالعودة إلى تصريحات مسؤول الرياضة السعودي وتبريره لعدم تصويته لصالح المغرب في استضافة مونديال 2026م ومعه ست دول عربية للأسف ، قال بالحرف الواحد وبلا حياء وبمنطق ساذج ” أن المغرب أرسل مواد غذائية إلى قطر ” يا له من مبرر سخيف ، وهنا كم نُشفق على أبناء نجد والحجاز الطيبين لأن الله ابتلاهم بمثل هذا النظام المتغطرس ، فلو أن المسؤولين في السعودية اطلعوا على التغريدات التي صدرت من كل الدول العربية والإسلامية ليلة المباراة بين السعودية وروسيا لعرفوا قيمتهم الحقيقية في الوسط العربي والإسلامي ، إذ كان الجميع يتحسر لأنه مضطر لمساندة ومؤازرة روسيا على حساب طرف عربي شقيق ، لكن كرهه لهذا الطرف ومواقفه جعلته ينحاز إلى الآخر ، وهنا تبدو الحقيقة البشعة التي يحاول حكام السعودية التغاضي عنها ، وهي أن هذا البلد تآمر على الدين وتآمر على العروبة كما تآمر على الرياضة ، ومن ثم استحق المقت والحقد والكراهية من كل العرب والمسلمين ، لكنه لا يزال سادراً في غيه وبدلاً من أن يُرمم ما حدث ها هو ينتقل إلى مرحلة أشد كفراً ونفاقاً ، فيشن عدواناً همجياً شرساً على جيرانه الطيبين خدمةً لأسياده الأمريكان والصهاينة.
وهنا نقول ماذا تبقى لهذا النظام من أمل في البقاء بعد أن أصبح عبئاً كبيراً على أبناء شعبه وعلى العروبة والإسلام ؟!! أما يكفي أن الرجل الأول عملياً في الدولة قد أعترف بما اقترفته السعودية من آثام في الجانب الديني على خلفية اعتناق المذهب الوهابي ومحاولة تعميمه في الدول العربية والإسلامية بواسطة المال ، لكنه اعترف فقط لمجرد الاعتراف لكي يُرضي الأمريكان ، وظلت الأحوال كما هي عليه من التشدد والتطرف وتكفير الآخرين ، وكأنه لم يغز ولم يعترف فما فائدة الاعتراف إذاَ !! المهم أن هذه الدولة للأسف تتعجل يوم السقوط المدوي والأهم من ذلك استناداً إلى المقدمة أن دخول الدول في الخط بالنسبة للرياضة أضعف المعاني القيمية والاجتماعية والأخلاقية للفكرة وحولها من لُعبة وهواية إلى وظيفة خاضعة لإرادة الدول تترجم رغباتها وتسير وفق تطلعاتها الانتهازية وتخدم أبعادها السياسية ، وهذه هي المعضلة حينما تطغى المصالح وتكون هي المقياس والمعيار للتحكم في مسارات الدول وحركتها في جميع الاتجاهات ، بالذات عندما ندرك أن التجارة أيضاً دخلت وشوهت معنى الرياضة وأصبح اللاعبون عبارة عن سلعة في مزاد البيع والشراء ، كل ذلك من أجل خدمة المصالح والتغني بها ولو كانت على حساب الشعوب الأخرى ، وتقود إلى الفناء للأطفال والنساء والشيوخ وكل مقومات الحياة ، يبدو أن هذا هو المغزى الأمريكي لفهم الرياضة وهو مغزى خبيث تآمري ، لابد أن الشعوب ستتنبه إلى خطورته وتسقطه من حساباتها وتُعيد كل شيء إلى مساره الطبيعي بما في ذلك الرياضة إن شاء الله .. والله من وراء القصد ..