من وعي وقيم ومشروع محاضرات السيد عبدالملك الحوثي الرمضانية(23)

 

عبدالفتاح حيدرة

محاضرة السيد عبدالملك الحوثي الثالثة والعشرون من محاضرات شهر رمضان المبارك، وفي خواتمه المباركة، محاضرة يجب أن تؤلف منها كتب كثيرة وليس مقاله عابرة، إنها محاضرة عن أهم ما تحتاجه البشرية، وليس فقط المجتمع اليمني أو الأمة الإسلامية، محاضرة تلخيصية لما بحث عنه علماء الاجتماع والسلوك مئات وآلاف السنين ولم يصلوا إليه ، محاضرة فيها ما يعد اليوم أساسا ثابتا وقويا ومتينا لبناء مجتمع من أرقى مجتمعات البشرية على وجه الأرض وفي أقل وقت وأقل كلفة، إنها محاضرة تلخص ما تحتاجه المجتمعات المحترمة والراقية والمنتصرة والقوية والمهابة، بل إنها ما تحتاجه الأمة والبشرية من التقوى والرشد والحكمة والإيمان والتحلي بالمسؤولية، من كيفية التعامل مع السفهاء والمفرطين، مرورا بكيفية التعامل مع النعم، وصولا إلى كيفية التعامل مع المال والتعامل مع الإمكانات لدى البشر كلهم، أعلم أن المقالة عن هذه المحاضرة ستكون طويلة، ولكنها تستحق ذلك وتستحق أيضا أن تعمل منها برامج وكتب وأنشطة وليس فقط مقالة ..
بدأت المحاضرة ومن شدة أهميتها ومعلوماتها وبساطتها أيضا، اضطر السيد للعودة بشرح مفصل ومهم لصفة من صفات المؤمن السوي، الصفة التي بموجبها تتكون لدى الإنسان النفسية المؤمنة، النفسية التي لابد أن تكون متزنة وقورة وهادئة، نفسيه لديها إحساس بالمسؤولية، نفسية ليست هلوعة، إذ أن توازن واستقرار النفس هو واحدة من أهم ثمار الإيمان، لأن الإنسان المتهور غير المتزن في الحياة والذي يتسرع جدا، يسبب حوادث كثيرة في واقع الحياة، لأنه فاقد للاتزان والسكينة النفسية، يعيش حالة من التهور ومن انعدام الاستقرار والانزعاج والتسرع والانفعال الشديد، والاندفاع اللامسؤول في كل الأمور، لا يعيش حالة السكينة ولا الوقار ولا الاتزان ولا التماسك..
لذلك فإن اكتساب التماسك النفسي عند الإنسان هو أهم ثمرة يجنيها من إيمانه في كل الظروف والأحوال، عند الخير وعند الشر، والمتماسك نفسيا يعيش حالة من السيطرة على النفس، السيطرة على الأعصاب، فيحظى في ذلك برعاية من الله الذي يلتجئ إليه على الدوام، ويلتمس توفيقه على الدوام، ويستعين به في كل أموره وشأنه وشؤون حياته، فيوفقه الله دائما ويوجد له الحلول دوما..
تطرقت المحاضرة بإسهاب إلى شرح كيفية الانعكاس السلبي لحالة المستفز للناس، وكيفية أن استفزاز الناس، مقته كبير عند الله وعند الناس، إذ يصبح الإنسان المستفز ممقوتا، مكروها، لا يحظى بالاحترام، لذلك من صفات المؤمن التواضع، وحسن التصرف، والالتفات إلى واقع الناس، والاهتمام بالناس، والحرص على الناس، وهو ما يساعد على إيجاد بيئة من المحبة من المودة، من الاحترام المتبادل، من التقدير، من تفادي الكثير من المشاكل، والمشاحنات، والبغضاء والعداوات..
الحقيقة لقد شاركتنا المحاضرة حالة ذلك الوعي الذي يفترض به أن يخرج مجتمعا سليما وسويا ومحبا ومحترما، مجتمع لديه تربيه سامية في كل مجالات ومسارات وحركة الحياة، بحيث يتطبع واقع ذلك المجتمع بكله بانطباع الأخلاق، وبمكارم الأخلاق، وبالصفات الحسنة، وبالآداب الحميدة والجميلة والعظيمة، لذلك فإن صفه السكينة والوقار عند الإنسان السوي، هي صفة الاحترام للناس والالتفات إلى الناس وعدم الإضرار بالناس وبممتلكاتهم..
كما أوضحت المحاضرة أن كل حالات التكبر، الخيلاء، اللامبالاة بالناس، اللامبالاة بمشاعر الناس، اللامبالاة بممتلكات الناس، حالات خطيرة تستفز الناس، لأنها حالات تنبئ عن عدم احترام وتقدير للناس، وبالتالي التكبر عليهم يعني استفزازهم، يعني الاحتقار لهم ، والاستهانة والاستخفاف بهم، يعني عدم المبالاة بمشاعرهم ولا بحياتهم، وعندما تصبح أذية وإضرار الناس أمراً طبيعياً عند البعض، تصبح هذه الحالة غير إيجابية نهائيا، حالة سلبية، حالة لا تنبئ عن واقع إيماني في الحالة النفسية، فلذلك مطلوب اليوم من كل فئات المجتمع، المسؤولين، المؤمنين، العسكريين، الشخصيات والوجاهات الاجتماعية، كل الناس الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب شأن وأصحاب أهمية، عليهم أن يكونوا هم القدوة للمجتمع في التواضع و الاتزان، في أن يكون مشيهم على الأرض هونا، بسكينة وبوقار، أن لا يمشوا بمرح، أن لا يمشوا بتكبر، أن لا يستخفوا بالناس ولا بمشاعرهم، ولا بمواهبهم، ولا بكلامهم، ولا بأفكارهم ولا بممتلكاتهم..
تطرقت المحاضرة أيضا إلى جانب تربوي عظيم في بناء المجتمع السوي، جانب الإعراض عن لغو الكلام ، أن ما يساعد على الاستقرار وسلامة البيئة الداخلية للمجتمع ويقلل من كثير من المشاكل والعقد والبغضاء والكراهية، هي أن البيئة الإيمانية بيئة ترفع، بيئة كرامة بيئة عدم انزلاق إلى أبسط وأتفه الأشياء، بيئة يتحلى الناس فيها بالمسؤولية، يحرصون على سلامة الوضع الداخلي والتركيز على قضايا كبيرة، وعلى الهموم والتحديات والمشاكل الكبيرة، أفضل من تتبع لغو وكلام السفهاء والردود عليهم..
أما من يحاول أن يبرز نفسه وما به من قوة أو فتوة أو شجاعة أو بطولة أو اعتبار ذاتي أو إلى آخره فليذهب إلى الميدان الذي يكون موقفه فيه موقفاً مشرفاً وفي محله وله قيمته في الدفاع عن المظلومين، يبرز في وقوفه ضد الطغاة والظالمين والمجرمين والمستكبرين، والتصدي للمعتدين المجرمين من قتلة الأطفال والنساء الغزاة المحتلين، الميدان والجبهات هي المكان المناسب الذي تبرز فيه الشجاعة والفتوة والبطولة والقوة والبسالة، وليس على المستضعفين..
من صفات المؤمنين أيضا أن ليلهم ليس ليل عبث ولهو ولا مضيعة، وخاصة أن شباب الأمة مستهدف بالذات للضياع من خلال الجر لهم إلى أن يكون ليلهم ليل عبث وليل لهو وليل ضياع، كما هو حال بعض المجتمعات الخليجية، لإفساد النفس البشرية وإفساد المجتمع وتضييعه وتضييع إيمانه وقيمه وأخلاقه وإحساسه بالمسؤولية ولضرب كرامته، هذا الضياع واللهو هو أكبر معول هدم يدمر الكرامة الإنسانية والشعور بالكرامة والإحساس بالكرامة والشرف والسمو والعزة..
إن ما يساعد المجتمع على التماسك وعلى الصمود وعلى القوة وعلى المنعة المعنوية والذاتية والداخلية والأخلاقية، هو عدم انشغاله باللهو والعبث، فمن صفات عباد الرحمن المتقين المؤمنين معرفتهم بكيفية استقبال ليلهم، يستقبلونه ذلك الاستقبال الراقي العظيم بالإقبال إلى الله سبحانه وتعالى سجدا وقياما ويستثمرون تلك الأوقات الثمينة والمهمة بعيدا عن اللغو واللهو والعصيان، لأن الذين يضيعون ليلهم باللهو والعبث فذلك جريمة بالمعصية التي تدنس النفس..
إن المؤمنين خائفون من الله سبحانه وتعالى، مؤمنون بوعيده مؤمنون بالآخرة يخافون من جهنم يدركون أن العبث والإهمال والتفريط في هذه الحياة، وأن الاستهتار بالمسؤولية والانجرار وراء هوى النفس وشهوات النفس ورغبات النفس، معناه الخسارة الرهيبة التي تؤدي بالإنسان إلى جهنم، ومن يعبث في هذه الحياة و يعيش بعيدا عن الإحساس بالمسؤولية ومن يفرط ومن يهمل ومن يعصي من يستهتر، فإن النتيجة والعقاب له هي جهنم والعياذ بالله، لذلك يسعى المؤمن سعيا عمليا ويلتجئ إلى الله بالدعاء، التجاء بأن يصرف عنه عذاب جهنم، العذاب الرهيب والملازم للإنسان الذي يعيش فيه للأبد..
إن من صفات الإنسان المؤمن السوي أن تكون تصرفاته المالية متطابقة مع احتياجه وضمن أولويات هادفة في هذه الحياة وبالمحافظة على ما أولاه الله وأعطاه من النعم وما مكنه منها، أن لا ينفق الإنسان أمواله بالتفاهة أو في معصية الله، إن الإسراف محرم والذنب الكبير والكفران للنعمة، هو عندما يصرف الإنسان أمواله في معصية الله أما في دعم باطل أو في الحصول على حرام، أو للتمكن من فعل حرام..
الاتزان في النفقات المالية سيوفر للمؤمن ما يستطيع به أن يسهم في سبيل الله لمواجهة العدوان، ومساعدة الفقراء والمساكين ومساعدة أسرة فقير من أسر الشهداء أو من أسر المرابطين الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض، أو أسرة جريح، أو أسرة معاق فقير من فقراء المجتمع يعاني الأمرين يعاني البؤس والحرمان والعناء..
المؤمنون المتقون حكماء ومتزنون ومسؤولون في تصرفاتهم في حياتهم في ما يتعلق بالإمكانات والماديات وفي طريقتهم في الإنفاق لا يسرفون ولا يبذرون، الجميع اليوم بحاجة إلى أن يتثقف الثقافة التي تساعدهم على الالتزام بالعدل والقسط والتصرف الصحيح بمقدار الحاجة وضمن الأولويات، لأن هذه الثقافة وهذه الأخلاق وهذه السلوكيات الراقية جدا والحضارية فعلا هذه التصرفات الحضارية هي التي نحتاج إليها والتي ستساعد مجتمعنا على إعادة النظر في كثير من الأشياء التي يهدرها ويتلفها ويضيعها..
إن الحالة العبثية عند الكثير منا في مجتمعاتنا تجعلهم يتركون ويعبثون ويهملون ويضيعون أكثر الأشياء، وهذه الحالة العبثية، حالة مستوردة من المجتمعات الثرية الخليجية الذين يرمون كل نعم الله إلى القمامة، واقتصر إنفاقهم فقط في معصية الله، ينفقون المليارات التي تذهب لدعم الصهاينة والأمريكان، والأموال الكثيرة التي ينفقونها في تغذية الفتن والنزاعات والصراعات وسفك الدماء، وفي نشر الباطل ونشر الكراهية والعقد والفرقة والبغضاء بين المجتمعات، و في تمويل قنوات الخلاعة والإفساد، ينفقون في أشياء كثيرة جدا وأشكال كبيرة جدا خدمة لمشروع الشيطان وأدوات الشيطان الأمريكي الإسرائيلي .

قد يعجبك ايضا