*يمانيون في موكب الرسول
عرض/ هاشم السريحي
jshashem@gmail.com
مِنْ أعظم عظماء الفاتحين هو الجراح بن عبدالله بن جُعادة بن أفلح بن الحارث الحكمي المذحجي فاتح وأمير أرمينية وبلاد القوقاز الذي خفقت راياته في أرمينية وأذربيجان وشروان وفي تبليس عاصمة جورجيا، وبلغت فتوحاته في بلاد القوقاز ما لم يبلغه أحد قبل ولا من بعد في تلك الأرض الممتدة بين بحر قزوين والبحر الأسود، وباسمه سُمي نهر الجراح وجسر الجراح في قلب أرمينية وبلاد القوقاز.
وينتمي الأمير الفاتح الجراح بن عبدالله الحكمي لقبيلة حَكَم المذحجية اليمانية العريقة، ومنطقة قبيلة حكم في قلب منطقة تِهَامة اليمن.
كان عبدالجد الحكمي رئيساً لقبيلة حكم، وبرئاسته سار وفد من قبيلة حَكَم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنال غاية التكريم، وقد مكث عبدالجد الحكمي والذين معه من بني حَكَم – ومنهم عبدالله بن جعادة والد الجراح- فترة من الزمن في موكب رسول الله بالمدينة المنورة، ثم رجعوا إلى منطقتهم في تهامة اليمن والتي استعمل رسول الله عليه الصلاة والسلام أبا موسى الأشعري أميراً عليها، فترسخت في منطقة تهامة كغيرها من مناطق اليمن دعائم الإسلام والإيمان مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”.
وكان عبدالجد بن ربيعة الحكمي وعبدالله بن جعادة والد الجراح من أبرز فرسان بني حكم وتهامة الذين انطلقوا للجهاد وساهموا في فتوحات الشام ومصر، وقد استقر عبدالجد في مصر، بينما استقر عبدالله بن جعادة بمدينة دمشق، وفيها كان مولد ونشأة ابنه الجراح الذي أصبح من كبار القادة والأمراء اليمانيين بالشام بعد وفاة أبيه حوالي سنة 60 هجرية.
وقد كان الجراح بن عبدالله الحكمي من كبار القادة بدمشق والشام، وكان أيضاً من القادة الذين ساهموا في إعادة فتح أرمينية سنة 84هـ، ثم أصبح الجراح أميراً للبصرة والمناطق التابعة لها في العراق والبحرين وبلاد فارس منذ أواخر 86-96هـ، ولما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة قام بتولية الجراح على خرسان، ثم تولى بعدها كرمان وهي شرق إيران وثغور بلاد السند في باكستان، وفي مطلع سنة 104هـ تسلم الجراح بن عبدالله الحكمي سدة الولاية في مدينة أردبيل عاصمة أذربيجان، ثم فتح أرمينية وبلاد القوقاز، كما فتح الجراح أرض شروان والباب والأبواب وبلاد خيزان والران وحصن بلنجر ومناطق أخرى كثيرة.
وفي سنة 112هـ وبينما كان الجراح في منطقة ذبيل شمال أذربيجان والباب بالقرب من بلنجر، إذا بجيش عظيم من قبائل الخزر واللان وأجناس الترك قد أقبلوا من أعالي القوقاز وجهات روسيا، وكان مع الجراح فرقة صغيرة بينما كان غالبية جيشه داخل أذربيجان وأرمينية بمعية قائد له هو سعيد بن عمر الحرشي، فكان أمام الجراح الانسحاب ولكنه رأى في الانسحاب فراراً لا يليق بتاريخه العظيم ثم أن الشهادة في سبيل الله هي غاية ما يتمنى، فقاتل حتى استشهد.
وكان الجراح عند استشهاده قد ناهز السبعين عاماً، فختم الله حياته وسيرته وفتوحاته العظيمة باستشهاده في سبيل الله.
*من كتاب يمانيون في موكب الرسول
للباحث محمد حسين الفرح