رمضان وخصائصه الاقتصادية
احمد ماجد الجمال*
قيمة هذا الشهر أشمل وأعمق من الحيثيات المالية والاقتصادية مهما كانت مهمة ولذلك لابد من التبصر والمراجعة في ظل التغيرات السريعة التي رافقت سنوات الحرب والعدوان على بلادنا اجتماعيا واقتصاديا وأصبح أنين الناس وشكواهم لاتنقطع وأنتجت حملاً ثقيلاً من الأعباء اليومية ونتائجها المتفاقمة من ضعف الخدمات وما رافقه من بطالة وتدهور وتراجع الدخول وغلاء مستمر في الأسعار ولا يخفى على احد النقص في الإنتاجية وأنها ليست على مايرام وعوامل أخرى كثيرة تجعل صيام هذا الشهر ممزوجاً بالمعاناة.
ولأن رمضان مدرسة اقتصادية ذات خصائص كامنة في جوهر فريضة الصيام باعتباره مرتبطا بقوى اقتصادية مثل الاستهلاك والإنفاق والأموال ودرجة الحاجة ودرجة الإشباع وان تحريك هذه الخصائص وتنشيط فاعليتها هي مهمة البشر في صيامهم على مستوى الأفراد ضبطاً لاستهلاكهم وتقويماً لسلوكهم الاقتصادي.
ولعل أهم خاصية اقتصادية لفريضة الصيام تناقص منسوب الاستهلاك خلال هذا الشهر إذ يفترض منطقيا أن ينخفض الاستهلاك على أقل تقدير إلى الثلث باعتبار عدد الوجبات في اليوم من ثلاث وجبات إلى وجبتين وتوفر الأسرة ثلث ميزانيتها بحيث تستطيع الأسر أن تخرج بفضل ما يتوفر لها خلال كل رمضان من كثير من الأزمات الاقتصادية التي تتراكم عليها خلال بقية الشهور بما يساهم وردم الفجوة المالية و تحسين وضعها الاقتصادي ويساهم في تدريب الفرد على توازن السلوك الاقتصادي عبر تقليل كمية الاستهلاك الغذائي فالأصل في الصوم انه امتناع عن الاستهلاك خلال فترة النهار التي تمتد إلى ما يزيد عن 15 ساعة وهي عادة الفترة التي يحتاج فيها الإنسان إلى الاستهلاك بمعنى اقتصادي هو تخفيض للإنفاق أو ترشيد للإنفاق لذلك فإن الاقتصاد الجزئي في رمضان المرتبط بسلوك الأفراد يساير ذلك تنظيماً وترشيداً بعقلانية اجتماعية فريدة ويعتبر فرصة ومجالاً لامتلاك إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة.
ومن خصائص رمضان الاقتصادية تخليص الإنسان من الجشع والطمع الذي هو أصل كثير من المفاسد كالغش والاحتكار وغيره وتوفير مزيد من الوقت للعمل والإنتاج، فمثلا إعداد الطعام وتناوله وما يتطلب من خطوات سابقة ولاحقة يستهلك من صاحبه وقتا طويلا، ويمكن قياس مثل ذلك الوقت المكتسب على جميع الأعمال والمهن والأنشطة الاقتصادية كما أن روح التكافل تزداد وتصبح في نفس الوقت فرصة للقادرين لاستجلاء مشاعر المحتاجين ولكن هذا مرتبط بعدة عوامل منها أن يحدث الصوم أثره في نفوس القادرين إزاء الفقراء والمحتاجين والأخذ بأيديهم للرفع من مستواهم الاقتصادي وهذا بدوره يؤدي إلى تداول المال وقيام نوع من التوازن الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع من خلال الجود الكرم والصدقات التطوعية ومضاعفة الحسنات والمسابقة في الخيرات ومن ثم يكون الصوم سببا في استجلاب الرزق والبركة.
لكن الحال القائم يقول غير ذلك والمرء يدهش من زيادة النهم الاستهلاكي الذي يستشري لدى الناس عامة في هذا الشهر في مقابل انخفاض الإنتاجية وتشهد أسواق المجتمعات الإسلامية زخما كبيراً لشراء المستلزمات من سلع ومواد غذائية إضافة إلى المفروشات والألبسة….وغيرها ما يدفع مؤشرات الاستهلاك للارتفاع بشكل كبير خلال هذا الشهر ويؤدي أيضاً بطبيعة الحال إلى ارتفاع الأسعار.
ويظهر جليا العلاقة الطردية بين شهر الصوم وبين الاستهلاك المبالغ فيه فقد اعتادت الأسر المسلمة التجهيزات المختلفة قبل رمضان حتى أن معظمها تضع ميزانية خاصة ومكثفة لهذا الشهر المبارك خصوصا وأن استقبال رمضان بهذه المراسم المتنوعة أصبح أمرا متعارفًا عليه وكأنه غير قابل للنقد أو التصحيح فالجميع يركض نحو دائرة الاستهلاك والاستعداد للاستهلاك الذي يبدأ مبكرا مصحوبا بآلة رهيبة من الدعاية والإعلانات التي تحاصر الأسر في كل وقت ومن أكثر من وسيلة فقد تحول شهر رمضان عند المجتمعات الإسلامية إلى مناسبة سنوية للتفنن في تحضير ألوان من الأطباق والموائد مما جعل نسبة الاستهلاك في رمضان ترتفع حتى تقترب إلى أكثر من ضعف ما تستهلكه في الشهور العادية كدلالة على المدى الهائل من التخلف السلوكي الذي تعيشه تلك المجتمعات من تزايد الاستهلاك والإنفاق الذي يعني المزيد من الاعتماد على الخارج لأن الاستهلاك والإنفاق لهما أبعاد خطيرة كثيرة تهدد الحياة الاقتصادية ذلك أن معظم المجتمعات الإسلامية لم تصل بعد إلى مرحلة الاعتماد على الموارد والجهود الذاتية.
* باحث بوزارة المالية