طهران/ وكالات
توالت ردود الأفعال الإيرانية على المستوى السياسي والعسكري عقب قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي، وأجمع كبار القادة الإيرانيين على أن القرار الأخير أفقد واشنطن مصداقيتها أمام العالم بأسره.
نواب مجلس الشورى الإسلامي الإيراني وفي أول تعليق لهم على قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، أقدموا على إحراق نص الاتفاق النووي داخل المجلس، وردد نواب البرلمان عقب إحراقهم لنص الاتفاق النووي، هتافات “الموت لأمريكا” ومن ثم أحرق النواب العلم الأمريكي داخل المجلس، مؤكدين أن واشنطن نكثت عهودها وفقدت مصداقيتها أمام المجتمع الدولي.
في حين دعا رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني خلال اجتماع للمجلس، منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لأن تكون على أتمّ الجهوزية لاستئناف الأنشطة النووية، معتبراً أن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي أثبت أنّ ترامب لا يتمتع بالأهلية العقلية لتسوية المشكلات، مضيفاً في الوقت ذاته أن الرئيس الأمريكي أثبت بأن لغة القوة هي الأكثر فعالية بالنسبة لهذا الشخص.
وتابع لاريجاني “إذا قامت أوروبا ودول مهمة كروسيا والصين بملء هذا الفراغ الدولي من الممكن مواصلة هذا الطريق، وإلا ستجعله الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعود لعقلة عبر أنشطتها النووية”، قائلا: “عليهم أن يعلموا بأن إيران في غير تلك الشروط لن تكون ملتزمة بأن تكون في المكانة السابقة فيما يخصّ الشأن النووي”.
بدوره أعلن عميد الدبلوماسية الإيرانية، محمد جواد ظريف عزمه البدء بجولة دبلوماسية لاختبار إمكانية أن تضمن الأطراف الموقّعة على الاتفاق الأهداف والحقوق الإيرانية، مشيراً إلى أن “نتائج جولتي الدبلوماسية ستحدد طبيعة ردنا على خروج أمريكا من الاتفاق النووي”.
كبار القادة العسكريين في إيران أكدوا أهمية الاعتماد على النفس ومقدرات البلاد وليس الاعتماد على الاتفاق النووي، وفي هذه السياق اعتبر القائد العام للجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم الموسوي، أن شرعنة التفاوض مع أمريكا كانت من أكبر خسائر الاتفاق النووي وأن أكبر منافعه هو إثبات عدم التزام الأمريكيين بتعهداتهم، معرباً عن ارتياحه لانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، قائلاً، “أشكر الله لأن أمريكا انسحبت من الاتفاق النووي، هذه هي طبيعة نظام الهيمنة والنظرة الخاصة التي يملكونها تجاهنا.
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، اعتبر في كلمة له صباح الأربعاء في معرض رده على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي أن “الشعب الإيراني لم يكن يرغب بالاتفاق النووي لكنّه قبله لإتمام الحجة على العالم ونحن اليوم أمام نظام لا يلتزم في توقيعه أيضاً”.
وأضاف اللواء باقري نحن اختبرنا داخلياً أنه إذا أردنا البقاء والاستمرار يجب الاعتماد على أنفسنا ولا نعتمد على الاتفاق النووي وأمثاله، والشعب الإيراني لديه من القدرات ما يكفي ليكون قوة إقليمية أو عالمية وهذا مرتبط بتغيير النظرة نحو الداخل، وأشار رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أن سياسات الاقتصاد المقاوم يجب أن تحظى باهتمام من مسؤولي البلاد، حيث إن التجربة أثبتت أنه يجب الاعتماد على أنفسنا.
بدوره أعرب القائد العام للحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، عن إدانته لقرار الرئيس الأمريكي واعتبر “هذه الخطوة تأكيد على أن موضوع تخصيب اليورانيوم في إيران لم يكن سوى ذريعة”، مشيراً إلى أن “السبب الحقيقي وراء هذا الموضوع يكمن في القوة العسكرية والصاروخية وتأثيرات إيران في المنطقة والمقاومة فيها”.
وأكد اللواء جعفري أن “الجميع في إيران سيركزون جهودهم على تضامن ووحدة الثروات الوطنية والطاقات الداخلية كما هو الحال في القوات المسلحة”، لافتاً إلى أن “الأمل الضئيل في الاتفاق النووي والمهلة في أسبوع أو أسبوعين التي منحها رئيس الجمهورية مساء أمس تجعل من الواضح أن الأوروبيين لا يستطيعون اتخاذ قرارات مستقلّة وأنهم يتبعون أمريكا وأن مصير الاتفاق النووي بات واضحاً”، وشدد القائد العام للحرس الثوري على صمود بلاده في المنطقة وأن السير باتجاه القضاء على الاستكبار أثمر عن شموخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، مهنئاً بـ”انسحاب أمريكا الشريرة من الاتفاق النووي الذي لم يكن جيّداً منذ البداية وكان واضحاً تماماً أن الأمريكيين لا يمكن الوثوق بهم وأكد مرة أخرى أن أمريكا لا يمكن الاعتماد عليها في الالتزام بتعهداتها”.
من جانب آخر كتبت صحيفة “دويتشه فيرتشافت دير نيدرلاند” الألمانية مقالاً تناولت فيه العواقب الاقتصادية المترتبة على إلغاء الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران وقالت: “يعتقد فولكر تيرير، رئيس غرفة التجارة الخارجية للاقتصاد الألماني، أن الحرب الاقتصادية الجديدة ضدّ إيران ستلحق ضرراً بالغاً بالاتحاد الأوروبي بشكل عام وبألمانيا بشكل خاص.
وفي تصريحات له عبر الصحيفة الألمانية قال تيرير: إن العلاقات التجارية الثنائية بين إيران وألمانيا قد ازدادت بشكل كبير منذ إلغاء العقوبات المفروضة على طهران في عام 2015، وأضاف إنه فقط في عام 2017، قام الاقتصاد الألماني بتصدير سلع بقيمة 3 مليارات يورو إلى إيران، بزيادة قدرها 16 بالمئة عن العام السابق وزيادة بنسبة 45 بالمئة منذ عام 2015، وأشار إلى أن العديد من الشركات الألمانية قد أعادت فتح مكاتبها التمثيلية في إيران وأطلقت منتجاتها في السوق الإيرانية وبدأت الاستثمار مع الشركاء الإيرانيين.
وأضاف رئيس غرفة التجارة الخارجية إن العلاقات الاقتصادية بين إيران وألمانيا ما زالت تقف أمامها عوائق كثيرة، ومع إعلان ترامب اليوم خروجه من الاتفاق النووي ستزيد هذه التعقيدات، كما أنه من غير الواضح كيف ستتصرف الحكومة الإيرانية بعد الانسحاب المحتمل لأمريكا من الاتفاق، وما هي عواقب ذلك بالنسبة للشركات الألمانية، إضافة إلى أنّ العديد من الشركات الألمانية تشعر بالقلق من احتمال تعرّضها لعقوبات من أمريكا بسبب تعاملها مع الشركات الإيرانية.
ووفقاً للخبير الألماني، فإن البنوك العاملة في التجارة الدولية ستواجه مخاطر أكبر في التعامل التجاري مع إيران في حال إعادة فرض العقوبات على إيران، ويمكنهم بأي وقت الانسحاب كلياً من المعاملات التجارية معها، الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة على الشركات الألمانية، التي تجري معاملاتها مع إيران من خلال هذه البنوك.
وفي السياق قال تيرير: إذا انهار الاتفاق النووي مع إيران، فلن يؤدي ذلك إلى إلحاق ضرر جسيم بالعلاقات الاقتصادية الثنائية فحسب، بل أيضاً سيؤدي إلى فقدان الثقة في القانون الدولي، ويتعيّن على الحكومة الألمانية العمل مع الاتحاد الأوروبي ضدّ سياسة ترامب للحفاظ على سير الأمور، وفي سبيل ذلك يجب على الحكومة الألمانية العمل على تحسين عملية تمويل علاقاتها التجارية مع إيران.
وفيما يخصّ تصريحات “رودي جولياني” محامي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أطلقها يوم الأحد الماضي بأن الرئيس الأمريكي ملتزم بتغيير النظام في إيران، إضافة إلى تهديد الكيان الإسرائيلي لإيران بعد الحديث عن استعداد الحرس الثوري الإيراني لتوجيه ضربة عسكرية للكيان الإسرائيلي بعد الهجمات الإسرائيلية المتكررة التي تعرّضت لها بعض مواقع الإيرانيين في سوريا في الآونة الأخيرة والتي ذهب ضحيتها بعض المستشارين العسكريين الإيرانيين، قالت الصحيفة الألمانية: ليس من المتوقع أن تدور حروب واسعة النطاق بشكل مباشر بين الطرفين، إلا أنّ تعزيز الحرب الاقتصادية وتوسيعها ضد طهران سيكون له عواقب وخيمة على أوروبا بشكل خاص.
وبحسب الصحيفة، لقد سمح الاتفاق النووي مع إيران باستعادتها قرابة 100 مليار دولار أمريكي من أصولها المجمّدة في الخارج، كما سمح لها بأن تبيع نفطها بحرية في الأسواق العالمية والاستفادة من البنوك الدولية في معاملاتها الخارجية، وإذا انتهكت إيران أي جانب من جوانب هذه الاتفاقية، فسيتم استئناف عقوبات الأمم المتحدة لمدة 10 سنوات أخرى بتمديد لمدة خمس سنوات.