الثورة نت/..
في أوج لحظات الرقص التهامي – رقصة الزحفة الشهيرة – على نغمات قرع طبول الفرح والسرور لقائد الفرقة الشعبية الشهيرة
في محافظة حجه، “المايسترو” علي دمان.. تغير طائرات التحالف المثقلة بصواريخ الموت لتحول فرحة العرس إلى مأتم يكتظ
بأشلاء الأطفال والنساء، والأصدقاء.
مات الفنان، وصمتت الطبول وخمدت الرقصة.. وتصاعدت أصوات العويل وصراخ الجرحى إلى عنان السماء.. ولا مجيب.
جرح العريس وقتلت عروسه، وقتل الكثير من أهله وأصحابه ورفاق دربه في غارتين جويتين متتاليتين لا تفرق بين صناعة الحياة
وصناعة الموت.. وتلك قصة مأساوية أخرى.
لحظة الموت تشبث الطفل سميح بوالده، رافضا قرار من قرروا موت أبيه الفنان.
إلتقطت كاميرات هواتف من نجا من الحضور اللقطات الأولى على عجالة، توثق سميح وهو يصيح على جثة أبيه الملقاة على جانب
خيمة العرس.
مشهد طار بسرعة بين الناس كالنار في الهشيم، وتصدر العناوين الرئيسية لنشرات الأخبار التلفزيونية لوسائل الإعلام المحلية
والدولية على حد سواء.
الطفل سميح علي دمان، في الرابعة من عمره (هي تقريبا عمر الحرب على اليمن أيضا)، كان جوار والده علي، قائد الفرقة
الموسيقية الشعبية في حفل الزفاف في مديرية بني قيس بمحافظة حجه الحدودية أواخر الشهر الماضي.
سميح، الذي كان يلعب ويرقص على قرع طبل والده في حفل الزفاف، نجا بأعجوبة، بينما سقط في الغارة الجوية 33 قتيلاً مدنياً،
بينهم والده وجميع أعضاء فرقته الموسيقية الأربعة.
بعد رحلة بحثنا فيها عن منزل الطفل سميح، التقينا بعدها بسميح وعائلته، هنا في قرية الجمعة النائية بمديرية كعيدنة،
المجاورة لمديرية بني قيس التي استهدفتها الغارات الجوية، بالقرب من الحدود الجنوبية الغربية للمملكة السعودية.
الرجل الصغير
استقبلنا الرجل الصغير بعيون حزينة، وأدخلنا منزله المتواضع وجلس جوار أمه وأخوه الصغير (جليبيب) – جليبيب الذي ولد
يوم مقتل والده في الغارة الجوية – واختيه الصغيرتين (يمامة وكلمات)، كل يسند رأسه إلى كتف الأخر.
كما عينيه الصغيرتين شاردتين، هو أيضا شارد الذهن.. “قتلت الطائرات والدي”، هذا كل ما ينطق به لسان سميح بصوت شجي
متقطع، ويده الصغيرة تمسك بيد والدته، كأنه يخشى فراقها كما فارق أباه.
تقول والدة سميح البالغة من العمر 35 عاما :”جاءنا الخبر بالهاتف ليل الأحد (٢٢ إبريل)، وأنا في مخاض الولادة، وضعت
مولودي الجديد جليبيب.. لن يشاهد أباه.. ولم يشاهده أباه الذي سماه وهو لايزال في بطني.. قتل علي وولد جليبيب..”.
شاهدنا الأسرة المكلومة في منزلها، فوجدناها تعيش حالة بؤس شديد، وتعاني من افتقارها لأبسط مقومات الحياة، لا ماء، لا
طعام، لا دواء ولا كهرباء في جو صحراوي حار وجاف، وهو الحال نفسه الذي تعانيه كثير من الأسر هناك.
لم يتحدثوا كثيرا، لكن المشهد الحي الذي شاهدناه كان أبلغ من ألف كلمة.
بحسب السكان المحليين ، لا يوجد في المنطقة أي تواجد عسكري، ولم يكن في العرس سوى أهل العريس وسكان قريته البسطاء.
العريس الجريح لا يزال يتلقى العلاج في إحدى المستشفيات على بعد مسافة اربع ساعات بالسيارة عبر طريق جبلية وعرة، بعد أن
تحول حفل زفافه إلى مجزرة دامية، قتلت فيها عروسة والكثير من أهله واصدقائه.
والد سميح، المايسترو علي دمان، وهو الاسم الفني الذي كان يحب أن يناديه الناس به، غادر قريته مصطحبا معه طفله سميح
واعضاء فرقته الموسيقية الاربعة، ليحيي حفل العرس في بني قيس مقابل بعض المال ليعيل به أسرته.. لم يعد، وعاد سميح بقصة
لن تنسى تفاصيلها.
قتل المايسترو مع طبلته وفرقته، وبقى سميح حيا شاهدا على موسيقى الفرح والمأساة… وهناك دوما من يسجل أخطاء الحرب.
وكالة الصحافة اليمنية