أصبح نظام التحكيم التقليدي الذي كان يعتبر القاعدة الأساسية في فصل المنازعات بين الأفراد والجماعات في المجتمعات القديمة جزء هام ومعمول به في حل الكثير من النزاعات التجارية والمصرفية والشرعية والرياضية وغيرها من القضايا التي تعني المجتمع.
وقد عرفه الدكتور كلاوس ساس خبير التحكيم الدولي على أنه (يستند أي التحكيم على مبدأ استقلال الطرفين، وهي طريقة خاصة خارج نطاق القضاء يعمل بها لحل النزاعات التي تقوم على أساس اتفاق بين الطرفين بحيث هناك عدد قليل من القواعد الإجرائية الإلزامية أمام التحكيم، كما للمحكمين مجال واسع لحرية التصرف أما الاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم فهي تجري وفقاً لاتفاقية نيويورك.
كذلك يقول الدكتور توماس كلاس أستاذ جامعة فرساي سان كوينيتين ومتخصص في مجال التحكيم يقول إن معظم المنازعات التجارية الدولية تحل عن طريق التحكيم وأن الاقتصاد الدولي لا يمكنه الاستغناء عن التحكيم في حل النزاعات إذا يعتبر التحكيم إجراء فعال ومستقل، يقوم به خبراء ومتخصصون.
وعلى الصعيد الدولي كان قانون التحكيم موضوع العديد من المعاهدات الدولية التي وضعت، منها بروتوكول جنيف 24 سبتمبر 1923م الذي أقر صحة شرط التحكيم وكذا اتفاقية جنيف 26 سبتمبر المتعلقة بقرارات التحكيم الأجنبية واتفاقية نيويورك 10 يونيو 1958 والتي تعد بمثابة دليل لعدة قوانين.
لقد ظل النشاط الرياضي زمناً طويلاً بعيداً عن كل تأطير قانوني فترسخ في الأذهان أنه نشاط لا دخل للقانون فيه، غير أن أنشاء محكمة رياضية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية سنة 1984م أسس لإخراج الرياضة من عالم اللاقانون إلى عالم القانون.
أن العالم قد اخضع الرياضة للأطر القانونية والزم المتنازعين للجوء إلى فض النزاعات الرياضية عبر القنوات القانونية ومن خلال التحكيم الرياضي داخل أروقة المحاكم الرياضية التي تم إنشاؤها في كثير من الدول.
تعتبر المحكمة الرياضية مؤسسة مستقلة تقوم بتسوية وحل النزاعات القانونية المتعلقة بالرياضة من خلال التحكيم والوساطة بناء على النصوص القانونية للرياضة العالمية الصادرة عن المحكمة الدولية للرياضة والتي تم إحداثها سنة 1984 (كما سبق واشرنا إليه) بمدينة لوزان بسويسرا وتم وضعها تحت السلطة الإدارية والمالية للمجلس الدولي للرياضة، ويوجد بالمحكمة الرياضية الدولية ما يقرب من 300 محكمين من 87 بلدا، والذين تم اختيارهم لمعرفتهم المتخصصة بالتحكيم وقانون الرياضة حيث يتم تسجيل حوالي 300 حالة من الخروقات والمخالفات الرياضية من قبل المحكمة الرياضية سنويا.
وتتمثل أهمية المحكمة الرياضية في فض النزاعات والشكاوى المقدمة من طرف المؤسسات الرياضية أو القضايا التي قد تنشأ من خلال الممارسات الرياضية داخل المجالات الرياضية سواء بين المؤسسة والأخرى أو بين الأفراد والمؤسسات.
ويمكن تقديم أية نزاعات مباشرة أو غير مباشرة مرتبطة بالرياضة ذات الطابع التجاري بما في ذلك المؤسسات الإشهارية وشركات الاحتضان وكل مؤسسة قامت بالإجهاز عن الحقوق الرياضية ويجوز لأي شخص طبيعي أو اعتباري لديه الأهلية القانونية للتمثيل اللجوء إلى الخدمات التي تقدمها المحكمة الوطنية أو الدولية للرياضة. وتشمل أشخاصاً رياضيين ذاتيين، جمعيات وأندية رياضية، جامعات واتحادات وشركات رياضية وكذا منظمي الفعاليات والمسابقات الرياضية والجهات الراعية أو القنوات الفضائية.
لا يمكن النظر في النزاع ما لم يتفق الطرفان على تقديم النزاع إلى التحكيم وكتابة ذلك خطيا بعد ذلك تقوم المحكمة الرياضية بإجراءات حل النزاعات المختلفة التي منها على سبيل المثال:
-تسوية المنازعات الناشئة عن علاقات تعاقدية أو الأضرار، وإجراءات التحكيم العادية أو إجراءات الوساطة المعمول بها.
-تسوية المنازعات الناشئة عن القرارات التي اتخذتها الهيئات الداخلية للمنظمات الرياضية، وإجراءات التحكيم الاستئناف المعمول بها.
-أخيرا، هناك إجراء التشاور الذي يسمح لمؤسسات معينة لطلب رأي استشاري من محكمة التحكيم الرياضية، في غياب أي نزاع بشأن أي مسألة قانونية تتعلق بممارسة الرياضة أو تطوير أو أي نشاط يتعلق بالرياضة.
لذلك على الأطراف التي ترغب في تقديم النزاع إلى محكمة التحكيم الرياضية أن ترسل إلى مكتب المحكمة CAS طلب التحكيم (الإجراء العادي) أو بيان الاستئناف (الطعون الداخلي). في حالة إجراءات الاستئناف، يجوز للطرف أن يتقدم بطعن إلا إذا كان قد استنفذ جميع وسائل الانتصاف الداخلية للمنظمة الرياضية المعنية.
وفي إطار الإجراءات العادية، يختار كل طرف محكما واحدا من قائمة المحكمة، ثم المحكمان المعينة الاتفاق على من سيكون رئيسا للفريق. في حالة فشل اتفاق من هذا القبيل، يكون رئيس شعبة التحكيم العادية هو المسؤول عن الاختيار بدلا من محكمين اثنين.
في إطار إجراءات الاستئناف، يختار كل طرف محكما، ويتم اختيار رئيس الهيئة التحكمية من قبل رئيس شعبة التحكيم الاستئناف.
إذا اتفق الطرفان، أو إذا رأت المحكمة الدولية ذلك مناسبا، قد يتم تعيين محكم واحد، اعتمادا على طبيعة وأهمية هذه القضية.
يجب على المحكمين أن يكونوا مستقلين، أي ليس له علاقة خاصة مع أي من الطرفين، ويجب ألا يكون قد لعب أي دور في هذه القضية.
حالما يتم إيداع طلب التحكيم أو بيان التحكيم، يقدم المدعى عليه ردا على المدعي للمحكمة الرياضية.
بعد ذلك يتم استدعاء الطرفين إلى جلسة للاستماع إليهم، والاطلاع على الأدلة ومناقشة قضيتهم.
يتم تبليغ القرار النهائي للطرفين بعد بضعة أسابيع، باستثناء الحالات الواضحة فيمكن تبليغهم بالقرار في نفس يوم القضية.
في سياق التحكيم العادية، للطرفين حرية الاتفاق على القانون الواجب تطبيقها على موضوع النزاع، في حالة فشل مثل هذا الاتفاق، يتم تطبيق القانون السويسري.
في سياق إجراءات الاستئناف، وحكم المحكمين على أساس لوائح الهيئة المعنية قبل الاستئناف، والفرعية، والقانون في البلد الذي تقيم فيه الكيانات. ويخضع هذا الإجراء نفسه من خلال قانون للرياضة المتعلقة بالتحكيم.
مدة التحكيم في حالة الإجراء العادية تستمر ما بين 6 و12 شهرا، في حالة الإجراءات الاستئنافية، يجب أن يكون الحكم معلناً في غضون ثلاثة أشهر بعد نقل الملف إلى هيئة التحكيم.
في الحالات العاجلة، وبناء على الطلب، قد تأمر المحكمة الدولية، في غضون وقت قصير جدا تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة أو تعليق تنفيذ قرار ضدها.
*وكيل وزارة الشباب المساعد لقطاع التخطيط لشؤون الدراسات والبحوث