روحي وأبي
أشواق مهدي دومان
لأكتب عنك فقد احترت كيف أطرّز الكلمات ،وأزيّن حواشيها،من أين أنتقي حروف مجد ذهبيّة ،ومن أين تشرى سنن الأقلام ؟
هل آخذها من أفلاك النجمات ،أم من بين مجرّات الكواكب ؟
أم أنتقيها من شهب السّماء ؟
،ومن أين أختارها من حروفي السّاكنة وهي في الأصل متحركة شوقا ولهفة وعشقا بسمو طهرك يا أبي ؟
من أين وماهي الحروف وكيف أنتقيها لؤلؤا أنثره على عبق سيرتك وعطر حياتك ؟
دلّني يا سيّدي فلقد كنت سيد الحرف ،عملاق الكلمة ،جريء القلب، شجاع الخير ،نبيل المقاصد ، بعيد النظر ،
كنت موسوعة علم وفن وفقه ودين وأدب ،
كنت ترجمانا يحكي ويشرح لمن يعرفه معاني القرآن دون أن يكثر من وعظه فرسوله للآخرين هو سلوك ، وقد كان القرآن يمشي على الأرض .
كان قلمك سيّد الأقلام ، وحبرك إلى الحق يجول ويصول في الميدان ،كان حرفك سيفا على الظالم وربّما أقوى فهو من يطعن مواضع الأضغان ، ولكن ليس بغلظته وإنّما بقوّة منطقه وقدرته وبيانه ،فتجعل من أخطأ في حقّ الله أو نفسه أو غيره يبكي بصمت ،وينفجر بكتمان ،لأنك كنتَ حريصا على ألا تجرحه ولكن صدى قولك كان سهما يخترق عقول وقلوب من تخاطب ، ومن قرأ لك فبيان ، وبلاغة ، وفن حديث ، كان يضعك تاجا فوق التيجان ، وعلما يشار له بالبنان ،سيّدي : مهدي علي دومان.
يا أبتاه : عجزتُ تماما عن التجمّل بالصّبر ، فحبّي وهيامي وعشقي لروحك يقتلني في لحظات سعادتي وليالي همومي ، عجزت عن تبيان خلجات روحي، وكلها تنبض باسمك الذي ما انمحى على مرور سنين فراقك لنا ، جرح فراقك لم يندمل يا سيّدي ،وما أظنّه يندمل حتى نلقاك ، ونجتمع بك هناك في جنات الله الفردوسية بإذنه وحوله وقوته ، نحن نحسن ، وندعو إلهنا بغفران ذنوبنا ، ولطفه ، وستره ، وعفوه ، ورحمته بنا ،
فيا أبي :أتذكرُ حين كنتُ أعجز عن تقديم بحث في دراستي الجامعيّة وما قبلها وما بعدها، كنتُ لا أحتار كغيري فقد كنتَ أنتَ مرجعي الأول ،أهبُّ إليك فتهديني لأساليب البحث العلمي بتمكن ما يجعلني المميّزة المشكورة المرموقة بين أساتذتي وزملائي ،ولكنّي اليوم عاجزة عن بحث في قضية لهفتي عليك وحنيني إليك ،عاجزة كيف أقدمه إليك ، وأنتَ أستاذي الذي رحل عني فعجزتُ عن جميل الصّبر ، فاخترتُ البوح إلى قلمي الذي يئن عليك ، تاهت بي حروفي على غناها وثراها ؛ فرحيلك أفقرني .
أصبحت معوزة لك ترجمانا لخلجات الرّوح المضنية ، يا ضنا الرّوح، ويا مهجة الفؤاد ،يا أبي .
يا سند الظّهر، وحصن الأخلاق ، وطبيب كان يجبر به كسري .
فبالحبّ رويتنا ومن الحبّ ، للحبّ ، والعلم والحياة كلّها أنرتَ ،و أحييتَ ، وبنيتَ ..
سيدي: فألهمني ببعض طيفك يمرّ على روحي المجروحة ،زُرْني فأنا أستنشّق عبقك في هذا الشهر المأساوي بذكراه ،
أتنفّسك حزنا ، وأنينا ، وألما حين تهبّ ريح السّموم في روحي في يوم موسوم بـتاريخ: 2013/4/16م فتدمي قلبي ذكراه ، وتسحق حنايايا ، وتعصف بروحي المتلهفة للقياك..
يا والدي : وفي ذكرى رحيلك هلا مررتَ في المنام لتسلّم فقد آمنتُ بعد سنين مرّت أنّك فعلا رحلت ،ولم يكن كابوسا هذا الرحيل فقد كان حقيقة ،،
فإن لم تمر في منامي فاعذرني، فروحي التي سمعتَها تصرخ يوم رحيلك لا زالت تصرخ كذاك اليوم من أعماقها وبأعلى صوت لها :
أفتقدك يا سيد ، وقد سبقتنا برحيلك ،
أفتقدك وشواظ من نار تلفح روحي ،و صخور من ثلج تلسع روحي ، وجبال من حزن ينسدل على روحي ؛ فتخنق هذه الرّوح المنكسرة ..
أبتآاااااااااااااااااااااااه فاخبرني : هل لي أن ألقاك هناك بذكراك ،ألقاك بحروف اللغة العربية التي رويتني بحبّها حين كنت أول أساتذتي بل أنبلهم ، وأغدقهم علي نعمة، وسعادة ،فهل ألقاك بأبجدية طفولتي الأسعد ،أم بسنين شبابي الأرغد حين كنت صديقي قبل أن تكون أبي الأنموذج في الحبّ، والحنان ،والرحمة ، والعطف ،والتّواضع ، وكل ما يجب أن يكون في أبّ لكن كنت أبا بمثالية مضاعفة ومضاعفة ومضاعفة ،وبشهادة من عرفك كان الكون يهنّيني لأنك كنت أبي .
وأنت أبي، وأنت أبي، أنت أبي
فإلى لقاء قريب أحسبه .
إبنتك