الجذور التاريخية للصراع اليمني السعودي 3
عبد الجبار الحاج
الكلام عن دولة سعودية ثانية لا يجد له ما يسنده بالمعنى والمضمون الهوياتي لتشكل الدول والمتعارف عليه في تشكل الدول على اسس اولها هوية وطنية او قومية فتكون تلك الهوية هي التي على اساس منها وعليها تنشا من اجتماع شعب وهويات اخرى مجتمعة فتتكون قوى وتتشكل سلطات ومؤسسات حاكمة تعبر وتدافع وتقيم اوطانها ودولها عبر تاريخ طويل من التحام نسيجه وصيرورته النهائية التي لا تقوم عبر عقود بل تتجذر وتنمو عبر عشرات القرون ..
فمفردات دولة سعودية أولى أو ثانية مثلا لا مكان لها لا في الهوية ولا في نهوض وتلاحم دواع مجتمعية نشأت ونمت معا .. ولا حتى في شكل السلطة السياسية . فمزعوم السعودية الثانية ليس سوى بدعة من بدع كتبة من كتبوا الاهواء لا الحقائق والوقائع وهم أولئك الكتبة ممن خرجوا من تحت عباءة آل سعود وبما تمليه رغباتهم واطماعهم في بناء اماراتهم وقامت على تدمير اشكال من دول بالفعل ذات اولويات تاريخية وهويات اقرب الى الدول . فإمارة بني خالد في الاحساء هي الاولى في منطقة الجزيرة وضاربة في التاريخ والهوية اقرب الى ان تكون دولة على سبيل المقارنة والمثال .
ومع ذلك فقد سقطت الاسرة نفسها منذ اول الامر في صراعات وولات اقليمية ودولية في حروبها مع بعضها البعض من بين نسل سعود ففي مواجهة تركي وقف اخرون من بني سعود اعتمادا على العثمانيين في تصفية حسابهم مع اميرها تركي عام الذي ما ان بداء في بناء امارته في بقعة من الدرعية قرب الرياض عام 1824 حتى سقط قتيلا بحراب بني ابيه واعمامه في نزاع وصراع ادى الى مقتله وظهور اخر اسمه ثنيان من بني سعود ثم سقوط هذا الاخير في حروب ابناء العائلة بتمكن فيصل بن تركي وهكذا لم تقم سلطة او حتى امارة تضم قصر امير الا وسقطت واقيم محل القصر باخر في تلك البقعة من الدرعية وهم زمرة الاخوة وبنو العم المحتربون استمرارا وكل منهم يتقوى بآل عثمان الذين لم يكونوا ليسمحوا مطلقا بسلطة أو امارة كتلك التي ظهرت وارتبطت باسم الوهابية وهؤلاء المحتربون هم من يسميه هؤلاء الكتبة بمؤسسي السعودية الثانية !!
ولغياب الهوية الوطنية تغيب تماما وتسقط مسوغات قيام دولة قائمة على جغرافيتها الخاصة ومجتمعها أو مكوناتها المجتمعية المتفقة على هكذا كيان ..
ولان مزعوم السعودية الاولى افتقر بادئ الامر الى الهوية فكانت نبتة الشيطان في الوهابية الدينية هي العنوان الغريب والدخيل إذ لا يكون الدين ابدا هوية وطنية او قومية .
فحقيقة أن الشعوب تنسب الى اسرة لم يحدث ولن يكون في التاريخ ولا يؤسس هذا النمط الديني دولة بمجتمعات وهوية متكاملة الاركان والبناء . فال سعود اسرة وليسوا شعبا . والغريب الذي لا تتقبله الشعوب ولا يستقيم هو ان ينسب شعب إلى أسرة فالقدر المحتوم هو ان تنسب الأسر الى الشعوب وليس العكس . وهنا استقامة اول خيط في بناء دولة بعينها عبر تاريخ من الزمن .
وهذا الموضوع له مجال وفصول جدير بنا أن نتوقف عندها ونعطي الموضوع مجاله كاملا..
سأعود الى تناول هذه المرحلة التاريخية لحروب الثلاثينات واتوقف امام محطات تاريخية لابد من عرضها لأهميتها وذلك بحسب العديد من المصادر التي طالعتنا في تشكيل تصورنا ورؤيتا لمراحل الصراع اليمني اليمني الذي نراه قد اسهم في لحظات من التاريخ بترجيح كفة الصراع اليمني السعودي لصالح الأخير في معارك وحروب العشرينات التي ساعدت العدو كثيرا وأسهمت في تمكين آل سعود من تحقيق أطماعها وخلفها بريطانيا آنذاك ، قبل ان تكون امريكا لاحقا .
فمنذ بداية القرن العشرين منذ العام 1905و1911 وهي فترة كانت اسرة سعود لازالت في احلام لا تتعدى إقامة امارة على ما امكن من الدرعية او سمها الرياض كما صار الاسم ولم تكن انذاك لترتفع مطامحها او تمتد أحلامها الى التفكير بالتوسع إلى أجزاء من اليمن لم تكن اليمن حتى ذاك في وارد أن تكون مطمحا ترجو ابتلاعه او بلوغه لكن عوامل النزاع اليمني على مثلث يام نجران وامارة عسير الادريسي حتى مطلع الثلاثينات هي من أسالت لعاب سعود وقد أمكن اليمنيون أنفسهم من أن ينال أل سعود من أرضهم وحقهم في صراع كان عبثيا وكان ممكن التأجيل بكل معايير السياسة والحساب لكل طرف على حدة وحتى وفق حساباته الخاصة ايا كانت أسقفها الخاصة اذ كان المجال يتيح لكل منها الاحتفاظ في حسابها الخاص تحت سقف الوطنية والحق اليمني عموما
فمناطق سيطرة الامام يحيى من جهة ومناطق وبؤر صراع أخرى في اليمن شكلت كلها خلال الثلاثة العقود الأولى من القرن العشرين وعند مطلع النصف الأول من الثلاثينات كانت قد أنجزت هذه الصراعات الحالة اليمنية المثخنة بالجراح النازفة في جسد الجغرافيا الواحدة المتنازع عليها يمنيا يمنيا بحروب كان يمكن تأجيلها منذ منتصف العشرينات لصد ووأد مطامع آل سعود الذين اخذت تغريهم منذ هذا التاريخ نتاجات كل احتراب في تلك المنطقة والذين برزت مطامعهم وكشروا انيابهم فقط عقب يقينهم من قرب سقوط سلطة الشريف في الحجاز وهو يقين بريطاني أحيل ما بعده من أطماع إلى دور سيلعبه آل سعود وخلال هذه الفترة وبفعل مجموع هذه العوامل الصراعية اليمنية تجرأت امارة نجد على اعلان مملكتها في توقيت واحد عام ٣٢ في مؤتمر عام صدر عنه الاعلان عن المملكة والتهام اليمن وسقوط الحجاز ..
مشاهد الصراع بين الامام والادريسي قبيل واثناء إعلان السعودية :
ما إن حل عام 1911 إلا وقد كان السيد محمد بن علي الأدريسي حاكم تهامة عسير أقوى رجل في تلك المنطقة ولم يكن ينازع سيادته أحد ودانت له أغلب المناطق والقبائل في المنطقة بعد أن طرد الاتراك في معركة الحفاير الشهيرة في يونيو من نفس العام 1911 بعد مساعدة قوات القبائل وبمساعدة الايطاليين كذلك الذين قاموا بضرب سفن الاتراك الرابضة في ميناء جيزان وأمدوه بالسلاح والذخائر والمؤن وأصبح حينها أحد اقوى القوى في الجزيرة العربية مع الإمام يحيى حميد الدين عدوه اللدود وكذلك الشريف حسين شريف مكة وحاكم نجد الأمير عبدالعزيز والأمير سعود الرشيد حاكم إمارة آل رشيد في حائل وبعض القوى القبلية المنتشرة والمتشرذمة في الجزيرة العربية ..
وفي فبراير 1915 وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى بثمانية اشهر وقع السيد محمد بن علي الإدريسي معاهدة مع الانجليز ويعلن فيها ولاءه لهم بدلا من الايطاليين وكذلك حصل الادريسي بمعاهدته تلك مع الانجليز على السلاح والذخيرة وعلى ميناء الحديدة الذي يدر له أموالا تكفيه للحفاظ على ولاءات القبائل المتقلبة ودفع أجور جنوده الذين يرابطون في مناطق متوترة بينه وبين إمام اليمن كجبال ( باقم ) وهي واقعة اليوم ضمن احدى مديريات صعدة . وفي الأعوام التالية وطد الادريسي نفوذه وسلطانه حتى بين أوساط لم يبلغها اسلافه حكام المخلاف السليماني حيث وصل نفوذه حتى قبائل شمال عسير العنيدة كما أوضح ( السير كونواليس في كتابه عن عسير *)
في 1919 كان الملك عبدالعزيز قد توسع في مناطق كثيرة في الجزيرة العربية وتصاعدت ألويته وجحافل الوهابية وبداية صعود قوته في الجزيرة بل وبداية بروز أطماع آل سعود في الاقاليم الثلاثة التي كانت تسمى بالمخلاف السليماني أو عسير ونجران وتسمى اليوم نجران وعسير وجيزان وكانت الصراعات والحروب فيما بين الامام والادريسي قد جعىلته ينظر اليها من بعيد كممهد طبيعي لتسهيل الابتلاع لتلك الجغرافيا الهامة والمهمة لشمال اليمن بل ووصل إلى تخوم مناطق الأدريسي وسيطر على أبها فاضطر الإدريسي إلى إرسال وفد من قبله إلى عبدالعزيز لعقد معاهدة حسن جوار لضمان عدم اعتدائه واستيلائه على أراضي الإمارة الادريسية وكي يتفرغ لخصمه اللدود الامام يحيى الذين كان يعد العدة لاستعادة ميناء الحديدة الذي يعد شريانا اقتصاديا لصنعاء .
ولكن القدر ودنو المنية وحتمية الموت لم يمهل السيد الإدريسي كثيرا حيث فارقت روحه الدنيا ووري الثرى في مارس عام 1923 وبدأت إمارته في التهاوي شيئا فشيئا حيث تجلى ذلك في تنازع أخيه الحسن الادريسي وابنه علي بن محمد الادريسي على الحكم فحين رأى قسم من قبائل المنطقة تولي علي ، فإن قسما آخر قد رأى ضرورة تولي الحسن الادريسي لكن الخلاف حسم تقريبا لصالح الحسن الادريسي في حين استنصر علي الادريسي بالملك عبدالعزيز لضم الامارة الإدريسية لإماراته التوسعية الناشئة حينها لكن عبدالعزيز كان مترددا حيال ذلك وفي ديسمبر 1925 اشتدت الخلافات بين الحسن الادريسي وعلي بن محمد الادريسي فطلبا وساطة الملك عبدالعزيز حيال الأمر فبعث مندوبه ابن عسكر للوساطة ونجح في تثبيت الحسن الادريسي حاكما على المخلاف ولجأ علي الادريسي إلى مكة .
وفي خضم هذا الاضطراب زحف الامام يحيى حميد الدين بقواته على ميناء الحديدة واستردها بسهولة ولم يجد اي صعوبة في انضمام قوى محلية هناك رغم اختلافها معه ونجح في استمالة وشراء ولاءات القبائل التي زحفت معه وساندته في السيطرة على بعض المناطق حول الحديدة فشعر الحسن الادريسي بالخطر خاصة وأنه قد خسر حوالي ربع اراضي إمارته وباتت قوات الامام على بعد 80 كيلو متراً من مدينة جيزان فحاول الحسن الادريسي الحصول على مساعدة عسكرية من إيطاليا لكنه فشل وادارت له بريطانيا ظهرها ولم يبق أمامه إلا السلطان عبدالعزيز واتوقف هنا أن القاب أمير أو إمام أو سلطان رافقت تطورات وتوسعات الإمارة النجدية الطامعة والطامحة حيث نصحه مستشاروه وكان للانجليز حضور في كل إشارة واستشارة وقرارات لا تتخذ إلاّ عن دراسة بريطانية ..
وبموجبه تم توقيع اتفاقية حماية جيزان من أي عدوان خارجي وإدارة شؤونها الخارجية في حين ترك الشؤون الداخلية يديرها الحسن الادريسي كان ذلك في أكتوبر 1926 وارسل عبدالعزيز مندوبين من قبله لمساعدة الحسن الإدريسي في إدارة شؤون البلاد لكن ما فتئ أولئك المندوبون من قبل آل سعود يتدخلون في إدارة شؤون البلاد بشكل مباشر والحصول على ولاءات رجال القبائل لعبدالعزيز حتى يسحبوا البساط من تحت الإدريسي حيث منعوا ذكر اسمه في الخطبة وانزلوا علم الإمارة من مبنى الإمارة ورفعوا بدلا عنها علم عبدالعزيز وفي اكتوبر عام1930 فرض عبدالعزيز معاهدة أخرى على الحسن الادريسي تكون فيها سلطات الادريسي ( شكلية ) وتنص على انتقال السلطة إلى عبدالعزيز بعد وفاة الحسن الادريسي .
على الصعيد الدولي كان قد أنشئ للتو آنذاك حزب الأحرار الحجازي الذي كان يعارض سيطرة ( السلطان ) وهو اللقب الذي بدأ مع اقتراب 0اوان سقوط وضم الحجاز الى اصحاب الدرعية والرياض وهو أي عبدالعزيز سلطان على الرياض وحائل ومن ثم على الحجاز ايضا ويطالب بعودة اشراف الحجاز إلى الأردن ….