عادل بشر
أظلمت الدنيا في وجه خالد بعد وفاة والده وخيبة أمله في أخيه غير الشقيق الذي استطاع بحيل ماكرة الاستيلاء على نصيبه من الميراث, فغادر إلى خارج الوطن واغترب في إحدى دول الخليج وأوكل أمر رعاية والدته والاهتمام بها لـ”احمد” اعز أصدقائه .
بعد أن استقر خالد في بلاد الغربة لم ينس والدته المسنة وكان يرسل لها بمبالغ مالية بين فترة وأخرى إلى عند صديقه احمد الذي بدوره ينفقها على أم خالد أولا بأول.
بعد بضع سنوات اغتال المرض أم خالد وقضى على حياتها فعاد ابنها سريعا بمجرد سماعه لخبر وفاة والدته وظل في المدينة عدة أيام ثم غادر إلى حيث مكان عمله .
خلال الأيام التي أمضاها خالد في عزاء والدته شاهد إحدى بنات الحي وتعلق قلبه بها وحين رجع إلى بلاد الغربة كانت صورتها لا تفارق خياله رغم حزنه الشديد على والدته وبعد ان اقتنع بانها الفتاة التي تناسبه طلب من صديقه احمد أن يأخذ معه عاقل الحارة ويذهبا معا لخطبتها نيابة عنه وفعلا تمت الخطبة رغم طلب والد الفتاة مهرا غاليا لابنته مستغلا عمل خطيبها في الخليج.
فرح خالد بخبر قبول خطبته فأرسل إلى والد الفتاة تصف المهر المطلوب كما أغدق عليها وعلى عائلتها الهدايا الثمينة في المناسبات وغيرها ليفاجأ بعد فترة من الزمن على الخطبة بقيام والد الفتاة بفسخ الخطبة بحجة ان الفتاة لا ترغب بالزواج من هذا الشاب.
حاول خالد كثيرا إصلاح الوضع عن طريق العقلاء من رجال الحي دون فائدة. وأكثر من ذلك أن والد الفتاة أنكر استلامه أي مبلغ من الشاب.
تأثر خالد بهذا الموقف كثيرا فكره البلاد بمن عليها ولم يعد يأتمن سوى لصديقه احمد فقرر أن يكرس جهده كله للعمل وأن يدخر أكبر قدر من المال ولا يعود إلى الوطن إلا وقد أصبح مليونيراً ولتحقيق هذا الغرض كان خالد يرسل بما يدخره من أموال أولا بأول لصديقه احمد طالبا منه أن يضعها في حساب بنكي باسمه واستمر على هذه الحال حتى بلغ إجمالي ما ادخره خمسة ملايين ريال وكان صديقه احمد خير أمين عليها.
في أحد الأيام شاءت الأقدار أن ينتهي مشوار احمد في الحياة فتعرض لحادث مروري أودى بحياته على الفور وكان هذا أسوأ خبر تلقاه خالد ظل قلقا على مصير نقوده التي كانت أمانة لدى صديقه الراحل,فعاد إلى أرض الوطن لتقديم العزاء في وفاة صديقه والاستفسار عن الحساب البنكي الذي يضع فيه صديقه الأموال التي كان يرسلها إليه فتفاجأ بوالد احمد يخبره بأنه ليس لديه أي فلوس عند ابنه والحساب الذي في البنك هو خاص بولده وما يقوله خالد ليس سوى ادعاء كاذب.
كاد خالد أن يجن جنونه فما حدث لم يكن بالحسبان وليس لديه شيء يثبت من خلاله انه اتفق مع صديقه احمد على وضع النقود في البنك باسمه فحاول التوصل مع والد احمد إلى حل ودي وهو أن يأخذ ربع المبلغ ويعطيه الباقي ولكن الأب أصر على ان الملايين الخمسة هي ملك ابنه الراحل رغم علمه أن بقالة ابنه الصغيرة التي كان يمتلكها لن تجعله يوفر هذا المبلغ الكبير من المال.
لم يجد خالد طريقة سوى اللجوء إلى المحكمة ورفع دعوى قضائية ضد أبي احمد ومضت المحكمة في عقد جلساتها للنظر في هذه القضية حتى أوشك خالد على خسران القضية لأنه لا يملك أي دليل يثبت ملكيته لهذا المبلغ غير انه تنبه في اخر المطاف الى شخصية قلبت موازين القضية هي زوجة صديقه احمد فقد عرف من احمد من خلال صداقتهما القوية أنها امرأة صالحة وخلوقة تخشى الله في كل شيء وبالتأكيد لديها علم بأمر الاتفاق الذي كان بين زوجها وصديقه المغترب في ما يتعلق بالمبلغ المالي الموجود لدى البنك فطلب خالد من المحكمة إحضارها للشهادة في هذه القضية.
كان والد احمد يعلم أن زوجة ابنه ستشهد بالحق وسيخسر هو الملايين التي يستعد للتمتع بها فذهب إلى المرأة وهددها إن شهدت ضده ولكن زوجة أحمد لم تبال بتهديد حماها لها فذهبت إلى المحكمة وشهدت بان زوجها المرحوم لا يملك شيئا من المبلغ الذي في البنك وأن ذلك المبلغ المالي ملك لصديقه خالد الذي أمنه على أمواله وأخبرت قاضي المحكمة بكل تفاصيل القضية مؤكدة أنها كانت تود الذهاب إلى المحكمة والشهادة في هذا الأمر قبل أن يتم طلبها ولكن عادات وتقاليد المجتمع تمنع المرأة من الذهاب إلى المحاكم بدون طلب من القاضي.
جن جنون الأب عندما سمع شهادة زوجة ابنه وثارت براكين الغضب في صدره فلحق بها الى المنزل وتشاجر معها حتى سمع الجيران صوت شجارهما الذي تطور الى قيام الاب بضرب زوجة ابنه ثم اتهمهما بأنها على علاقة بخالد صديق زوجها المرحوم حينها لم تسكت المرأة أمام اتهام والد زوجها لها وتشكيكه في شرفها وكرامتها وقررت الانتقام منه فتوجهت إلى المطبخ وأخذت سكينا وأرادت أن تطعنه بالسكين جراء اتهامه الباطل لها ولكن الرجل استطاع تجنب الطعنة واخذ السكين من زوجة ابنه وغرسها بقوة في عنقها أمام طفيليها فسقطت المرأة جثة هامدة ثم تسمر الرجل في مكانه حين شاهد زوجة ابنه غارقة وسط بركة من الدماء وكانت السكين لازالت في يده والدم يقطر منها, أما الطفلان فقد صرخا من نافذة المنزل طالبين من الجيران المساعدة فأسرع عدد من الأهالي إلى منزل المجني عليها ووجدوها قد فارقت الحياة فيما كان الجاني لازال إلى جوارها فتم القبض عليه وتسليمه لرجال الشرطة.
أثناء التحقيق مع الجاني قال انه لم يكن يخطط لقتل زوجة ابنه وأنها من أرادت قتله معترفا أن الطمع والجشع في الحصول على الملايين الخمسة هما السبب في حصول هذا مبديا ندمه على كل ما ارتكبه سواء من خيانة الأمانة أو قتل زوجة ابنه.