متى اغتُصِبت بنتُ اليمن؟
بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
لم يأت الاحتلال الجديد بجديد، في ما يتعلَّق بعمليات الاغتصاب وانتهاكِ المحارم، وآخرها اغتصاب فتاة يمنية في الخوخة؛ إذ أن هذه هي النتيجة الطبيعية لاغتصاب البلدِ الأم، واغتصابِ قرارها السيادي والسياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
لقد اغتُصِبت الفتاة ليس بالأمس القريب، ولكن يومَ جُرِّفت الهُوِيَّة اليمانية الإيمانية، وحلَّت بدلا عنها بدائل متسخة، شتَّتتْ وِجهات بعض اليمنيين، وضيِّعت بوصلتهم، وعرضتْ كرامتهم في المزاد العلني، فشرَّقوا وغرَّبوا بعيدا عن هُوِيَّتهم وإرثهم الحضاري، وشيمهم الراقية، وعاداتهم وتقاليدهم الكريمة، فتنكّروا لتاريخهم، واعتبروه سُبّة وعارا، هذا التاريخ الذي إن اعتززْتَ به ساق لك الشواهدَ والأدلة الكثيرة التي تَهديك إلى طريق الفلاح والنجاح، والنصر والظفر.
اغتُصبتِ الفتاةُ يوم اغتُصبت ثقافة الإباء والرجولة، وتشوَّهت معاني الشهامة والفضيلة، وصار الاحتلال يُدْعى (تحريرا)، والسير في ركاب المعتدين (مقاومة)، والمضيّ على طريق ابن سلمان وترامب وأشياعهم (سُنَّة وجماعة).
اغتُصِبتِ الفتاةُ حين قال الشواذُّ: شكرا سلمان، وأعلن السفلة القتال تحت راية ابن زايد، وبارك (المطاوِعة) و (أصحابُ اللحى المزيفة) قتلَ النساء والأطفال، وأجازوا قتل 24 مليون يمني، مقابل سلامة مليون يمني فقط، وما عسى أن يكون (اغتصاب فتاة) بجنب مقتل 24 مليون يمني، في سياق فتاواهم تلك اللعينة؟!
اغتُصِبَت الفتاة يوم التحق المرتزِقة بمعسكرات تدريب الغزاة، ومضوا في ركابهم، وافترشوا كرامتهم، والتحفوا بعارهم، وتنكّروا لبلدهم وللقوى الحرة فيه، والتي أخذت زمام الثورة والجهاد والمقاومة ضد المعتدين، كما هي سنة آبائهم من قبلهم وإلى يوم الدين.
اغتُصِبتِ الفتاة ساعةَ لا ينتفع بعضُنا بالعبرة من الأحداث، ولا يهتدي إلى الاتعاظ بالآخرين، ويظلُّ كبني إسرائيل لا يصدِّق بوقوعِ شيءٍ من هذه الجرائم في جيرانه، إلا إذا أصحبت في دياره، إلا إذا رآها جهرة، لا تخفى على أحد، وإلا فليس له في مقتلِ عشراتِ الآلاف ولا في هتك الأعراض والمحرمات شأن؟
اغتُصِبت الفتاة يوم لم يتعظ أولئك (المأزومون) بأن اغتصابَ الأم، وهي اليمن، يُؤذِنُ باغتصاب كلِّ ما سواها، وأن هذه الحوادث ما هي إلا أعراضٌ لأصل العلة وجذرِ المشكلة، وهو الاحتلال، وكم ردّد الناسُ: “من رضيها في أرضه، رضيها في عرضه”، لكنَّ العتهَ فنون، والعارَ مذاهب، والتخلي عن الجهاد والعزة والكرامة قد يتَّخِذ لبوسًا من الدين، ومُسوحا من العلم.
وها هو السيد القائد ينفخ فينا نار العزة، ويستثير نور الكرامة، ويقدح حمية الغيرة، فهل من مجيب، وهل من ملبٍّ أريب، تأخذه العزة إلى الحرية، وتسوقه الكرامة إلى مواطنها، وترده الأنفة إلى منابعها؟!
وقديما .. مَنْ يتذكَّر منا دعوة الإمام الثائر العظيم الذي حرّر هو وأبناؤه اليمنَ من دنس الاحتلال التركي، وهو يصرُخ بدعوة الحرية والكرامة والعزة في وجوه المتثاقلين والمعوِّقين (والقائلين لإخوانهم: هلم إلينا، ولا يأتون البأس إلا قليلا)؟ من يتذكَّره وهو يقول عن أولئك المحتلين: “المحارمُ قدانتُهِكت،والخمورقدشُرِبَت،والذكورقدنُكِحَت،والدماءقدسُفِكَت،والشرورُقدكثُرَت،والفتنة قدعظُمتْ”؟ من يتذكره ليكون كما كان أنصاره جهادا للمحتلين، وتنكيلا بالغزاة المجرمين؟
ألا إن هذه الجرائمَ دأبُ المحتلين، وشيماءُ المعتدين، وسلوكُ المجرمين، وعادة الأوغاد المتوحِّشين، أما إذا كانوا من اليهودِ والنصارى وأوليائِهم ومرتزقتهم وشذاذ الآفاق منهم، فإن المصيبة أعظم، وإن الواجب أوجب، وإن ذنب المقصِّر عن الجهاد أكبر، وجريرته أوثق.
ولا سبيل لدفع هذا الواقع الأليم إلاّ بالجهاد في سبيل الله، والذود عن حمى هذا البلد الكريم، والانتصار لأعراض أهله المؤمنين، والجبهات هي المنهج الأقوم، والسبيل الأكمل الذي يهدي إلى الطمأنينة والكرامة، ثم إلى رضوان الله، وهو المطلوب أولا وأخيرا.