الجذور التاريخية للصراع اليمني السعودي (2)
عبدالجبار الحاج
حرب الثلاثينات بين اليمن والسعودية تشكل وحدها في البداية والنتيجة مقياسا لكل الحروب التي نفذت الحقد والأطماع الاستعمارية الكبرى التي كانت السعودية واجهتها وسأبدأ منها .
شنت السعودية أولى حروبها الكبرى في الثلاثينات وعينها على نجران وجيزان وعسير وتهامة وبمطامع تتجه نحو ابتلاع الجزء الأكبر من الساحل الغربي الممتد من ميناء ميدي إلى ميناء المخا اللذين كانا حتى ذاك هما الميناءان الأهم وكان ميناء الحديدة يومها بحالة ميناء المخا في الحاضر قبل أن يعيد السوفييت بنائها في الأربعينات بالوضع الذي هي عليه اليوم .
وفي هذا الحيز ليس أمامنا مجال للوقوف على كل الحروب القذرة التي شنها هذا الكيان خلال مراحل الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية على امتداد القرنين الثامن العشر والتاسع عشر وهي حروب إرهابية نفذتها عصابات قطاع الطرق اعتمادا على الغارات على السكان ومن هذه العصابات الوية الهجانة ولم تستهدف اليمن فحسب بل توجهت بأحقادها غزوات ضد مناطق ومدن في العراق وسوريا واستهدفت قوافل حجاج ليس من اليمن فحسب بل استهدفت قوافل حجاج مصر والعراق والشام . فتلك مرحلة طويلة وشائكة ومساحتها اكبر بكثير من تناولتنا هذه .غير أننا سنتوقف قليلا عند أهم الحروب تلك خلال إمارات سعود الأولى والثانية .
وسأكرس الموضوع الذي بين أيدينا الآن بداية الى تناول النواحي السياسية والوطنية في مخاضات ونتاج حروب الدولة السعودية الثالثة خلال القرن العشرين بشيء من الإيضاح الكافي .
تلك المطامع التوسعية لابتلاع الساحل كانت ترمي إلى تحقيق أحد هدفين لاحتلالها أولا أو استخدامها للضغط في تسوية تفاوض سيأتي لاحقا تضع بموجبه يدها على جيزان ونجران وعسير وهو هدف بحد أدنى وفق سقف مخططها .
وفي الميدان العسكري والسياسي في حرب الثلاثينات كانت بريطانيا حاضرة بشكل معلن وكل الشواهد حاضرة وبارزة في السلاح الحديث من دبابات وطيران ومدفعية وفي الخبراء والقادة المباشرين الحرب, في حين كان الجيش اليمني بدائي التسليح مع ما ساعد السعودية من حساسية وطنية لدى الامام يحيى في تبني سياسة ودبلوماسية الرفض المطلق لتلقي عروض دعم عسكري من دول مثل إيطاليا مثلا وهو موقف كان يمكن أن يعدل قليلا من ميدان المعركة والسياسة رغم أن إيطاليا لم تكن بالقوة والتأثير الدولي الموازي لبريطانيا .
وفي هذا الخضم خاض اليمنيون معركة قادها ولي العهد احمد وشاركه قادة من مختلف مناطق اليمن فكان من تعز قائد جيش الساحل الغربي عبدالله عثمان نور الدين .وهو من القيادات التي توصلت مع الإمام إلى تفاهمات وتحالفات منذ عام 1918م على الرغم من خلافات متقطعة إلا أنها لم تؤدى إلى القطيعة بل عززت الحرب السعودية من تحالفهما إضافة إلى تحالف الادريسي مع يحيى في المعركة وتطور العلاقة بين عبدالله عثمان و مصاهرته الادريسي .
كان التوقيت السعودي لتحقيق أطماعه مستندا ومستغلا بتوقيت دقيق نتاجات الحروب الداخلية التي خاضها الإمام مع الأتراك أو خصومه السياسيين وماتلاها وخلال العشرينات . تلك الحروب أنهكت الإمام يحيى وأكلت الكثير من قوى وطاقة الامام وتلك الحروب التي كانت مع الادريسي والتي دارت رحاها سنوات واستهلاك الكثير فكان التوقيت السعودي بايعاز ودعم مشهود من بريطانيا عامل تفوق .
على رغم فارق السلاح حقق الجيش الحافي تقدما في الجبال ووصل قرب الطائف .
ولم يتحد كل من الإمام والادريسي الا بعد فوات كثير من الجهد والقدرة المستنزفة في احترابهما الطويل والمدير والمؤسف والممتد لسنوات وقد صارا يعانيان مع الضعف والوهن جراء حروب سنوات فيما السعودية تنجح في الاحتفاظ بالقوة وقد أتت على أجزاء عزيزة وغالية من اليمن ..
وحتى بعد تحالف الامام والادريسي وخوضهم قيادة حرب وطنية إلا أن النهاية تسجل نقطتها السوداء في امهار توقيع الطائف بتلبية رغبة الحقد السعودي بتسليم حليفه القوي الى يد العدو المشترك عبدالعزيز .
أليست هذه وحدها نهاية مذلة .
زد على ذلك أن راحت جريمة مذبحة تنومة بلا فعل يستعيد الكرامة والدم .بل حتى توسلات الامام لعبد العزيز في دماء الحجاج ودياتهم لم تحصد سوى اللاشيء.
ومرة أخرى تعود طاولة المفاوضات لتلتهم التضحيات وتنسف التقدم العسكري النسبي لجيش اليمن في الجبال في المقابل كان التقدم السعودي ملحوظا في الساحل .
يبدو واضحا وهو استنتاج لا مراء فيه أن عقدة الحفاظ على ميناء الحديدة قد أعمت بصيرة يحيى ف?ثر التفريط .وربما نقطة ضعف أخرى أعمت بصيرة يحيى ورهانه على التفاوض على حساب النصر النسبي الا وهي خشيته من خصوم الداخل المحتملين أو الظاهرين والطامعين بكرسي الإمامة . وكانت عقد يحيى هذه لعبت دورها في السير نحو التفاوض على الرغم من معارضة ابنه احمد للتفاوض ورهانه على التقدم الذي وصل إلى قرب الطائف ورهانه على استراتيجية التقدم شمالا وقطع خط الامداد على الجيش السعودي في تهامة من نقطة ما من مواقع السيطرة في الجبال حتى نقطة الوصول إلى الساحل الموازي على طول جيزان بحيث تحاصر قوات وألوية سعود التي اجتاحت تهامة .
كان موقف ولي العهد احمد بن يحيى حميد الدين من الناحية العسكرية صائبا ويفضي إلى نتائج عسكرية وبالتالي سياسية تمنح الجانب اليمني وتمكنه من إحراز نتائج افضل .
غير أن القرار كان بيد الأب يحيى الذي لجأ إلى سلطته على ابنه من موقعه كإمام ومن موقع سلطته كأب على ولد ليس أمامه إلا أن يطيع مهما كانت سلطته ومكانته في الجيش من القوة والتأثير .
وفي التفاوض جرت أمور وممارسات وسلوكيات كلها توحي منذ البداية أن عبدالعزيز يملي ويطلب وغالبا ما يأتي الرد خاليا من قوة الرفض ويتراخى شيئا فشيئا بحيث يسلم يحيى آخر الأمر بمطالب عبدالعزيز التي لا تقف عند حد .
مما يثير الريبة في مسيرة التفاوض قيام سعود باعتقال رئيس الوفد عبدالله الوزير في السعودية .
فان كان الاعتقال حقيقيا فهل يليق بيحيى الاستمرار بالتفاوض أن تمنحه قوة في إيقاف التفاوض ورفضه .
وان كان الاعتقال صوريا فكيف يؤمن رجل على التحدث باسم الحق اليمني وهو رهن إرادة سعود .والأصل هنا أن الرجل قد باع ومال للعدو فيما لوقبل بالتفاوض من داخل غرفة الاعتقال أكان صوريا أو حقيقيا .
الأخطر من ذلك أن مبدأ التوقيع كان يقوم على تفويض المعتدى عليه والمحتل أرضه ومنح المعتدي حق إصدار الحكم .أليس في هذا وحده هدم لكل أساس في التحكيم . إذا لم يكن المحكم محايدا في النزاع فكيف يكون العدو حكما بتفويض المعتدى عليه.
على تلك الشاكلة من التفاوض تفوز السعودية بالمكاسب التي تخسرها بالحرب ويخسر اليمني ويفرط عبر التفاوض ماكسب بالحرب .
المشكلة والخلل دائما هنا في خلل وضعف القائد والمفاوضات معا والتضحية العبثية يسددها الشعب والمقاتل اليمني.
قبل حرب الثلاثينيات تعرضت اليمن لحروب متعددة وسأمر عليها في هذه التناولة لإيضاح الصورة في موضوعنا الجذور التاريخية للصراع اليمني – السعودي ..