المسار السياسي خلال العدوان
منذ العام 2011م ، شهدت اليمن متغيرات جوهرية أثرت سلبا على تماسك بنية الدولة بشكل عام وعلى النسيج السياسي والاجتماعي بشكل خاص ، وأنتجت واقعا مأزوما لم تنجح مخرجات الحوار الوطني في ترميمه بل ربما كانت تلك المخرجات ذريعة في تعميق الهوة بين المكونات السياسية ، سواء عبر توظيفها في فرض خيارات ومسارات غير متفق عليها مثل مشروع الأقاليم الذي كان بؤرة مؤامرة دولية وإقليمية على اليمن سرعان ما ظهرت فصولها تباعا لتنتهي بالعدوان على اليمن.
أعد الملف/ علي أحمد جاحز
1
من إعلان القرار 2216 إلى بيل السويسرية
أمريكا تسعى لإفشال الحلول وإغراق السعودية في المستنقع اليمني
العدو كان يستغل الهدن والمفاوضات لتحقيق انجاز ميداني
هادي وفريقه أدوات لا قرار بيدهم
توطئة
المسار السياسي والدبلوماسي الذي رافق ألف يوم من العدوان والحصار ليس منفصلا عن المؤامرة الكبرى على اليمن بل يعتبره الكثيرون فصلا من فصول العدوان يجري توظيفه لتمرير مؤامرات سياسية واقتصادية ولتغطية تحركات ميدانية ، ومن خلال تلك المفاوضات انكشف ضعف الأمم المتحدة وحجم وثقل هادي وفريقه وعدم امتلاكهم اي قرار.
يرى مراقبون أن الجولات التفاوضية التي كانت تجري في فندق موفمبيك بالعاصمة صنعاء برعاية المبعوث الاممي آنذاك جمال بن عمر كانت جادة في صيغتها وفي واقعية مواضيعها وتركيزها على تجاوز أزمة الثقة بين الأطراف السياسية الناتجة عن استقالة هادي وحكومته وهروبهم إلى عدن.
وبحسب ما كان معروفا خلال الأسابيع القليلة التي سبقت العدوان فان الأطراف كانت على وشك التوقيع على اتفاق تاريخي يقضي بتشكيل مجلس رئاسي يضم كل الأطراف السياسية المتفاوضة ولم يكن يتبقى سوى شخص الرئيس ، وكانت المعلومات التي أكدها جمال بن عمر بنفسه أثناء تخليه عن مهمته تقول ان العدوان هو من أجهز على ذلك الاتفاق وأفشله في اللحظات الأخيرة.
مشاركون في المفاوضات التي كان يرعاها جمال بن عمر أكدوا أن محمد قحطان ممثل الإصلاح اقر مرارا أن القرار ليس بيدهم في توقيع الاتفاق الوشيك ، وطلب من المتفاوضين ومن المبعوث أن يأخذوا موافقة السعودية ، وهو ما حمل جمال بن عمر إلى زيارة الرياض لتباحث الأمر ، وهو بحسب المصادر ما لم يلاق نجاحا ، وتضيف المصادر ان المبعوث عاد ليقول للمتفاوضين القرار قراركم وعليكم أن تتخذوا خطوة تاريخية ولن ينقذكم احد.
في تلك الأثناء كانت السعودية ومن ورائها الولايات المتحدة تعد العدة للعدوان على اليمن ، وبحسب ما صرح به ناطق انصارالله محمد عبدالسلام انه كان في زيارة إلى السعودية مع وفد من انصارالله خلال تلك المرحلة التي شهدت تغيرات داخل الأسرة الحاكمة في الرياض بسبب موت الملك ، وهو ما تلاه تغيرات داخل اليمن حيث استقال هادي وحكومته وفر هادي إلى عدن ، تلا ذلك إفشال مفاوضات موفمبيك ومن ثم اندلاع العدوان على اليمن عشية 26 من مارس 2015م.
التحركات السياسية بداية العدوان
لم تمر أسابيع على بدء العدوان على اليمن حتى حاولت السعودية ومن ورائها الولايات المتحدة أن تصور للمجتمع الدولي وللرأي العام أنها ترمي إلى إعادة ما يسمى الشرعية في اليمن وحسب ، وبناء على ذلك استصدرت قرارا من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يعطي غطاء للعدوان وللحصار ، رابطا بين المسار السياسي والمسار العسكري كمتلازمتين ، حيث اشترط القرار عودة ما اسماها الحكومة الشرعية وتسليم السلاح كشرط لوقف العدوان الذي اعتبره مرخصا له دوليا.
ولم تكتف السعودية باستصدار القرار بل ظهرت في موقع الضاغط على الأمم المتحدة لتغيير المبعوث الدولي جمال بن عمر الذي اعتبرته بحسب تصريحات عسيري وبعض المسؤولين في حكومة هادي متواطئا مع ما أسموه الانقلاب.
لاقى الطلب السعودي تجاوبا سريعا من الأمم المتحدة التي كلفت على الفور إسماعيل ولد الشيخ احمد كمبعوث جديد إلى اليمن على أساس أن يبدأ من حيث انتهى المبعوث السابق جمال بن عمر الذي بادر إلى كشف حقيقة ما توصل إليه ، وقال في مؤتمر صحفي يوم إعفائه من مهمته أن اليمنيين كانوا على وشك الخروج باتفاق لولا عاصفة الحزم التي أفشلت كل شيء.
ومن ذلك اليوم بدأ مسلسل جديد من المفاوضات التي رعاها ولد الشيخ دون أن تخرج بنتيجة بداية من جنيف وانتهاء بالكويت ، لتكون المهمة الأكثر فشلا في تاريخ المبعوثين الدوليين.
تلك التحركات التي برزت في الشهور الأولى للعدوان قرأها مراقبون بأنها تأتي لتغطية الفشل في تحقيق ما تم الإعلان عنه من أهداف ، ليس للوصول إلى حل سياسي يبنى على ثمار الضربات الجوية التي نفذتها مقاتلات التحالف ، بل سرعان ما تبين أنها كانت تهدف إلى خلق تفاؤل داخل الوعي اليمني ينتج عنه تراخ يسهل للعدوان البدء بالعمليات البرية وهو ما حصل بالتزامن مع جنيف 1.
جولة جنيف 1.. الفشل السريع
بدأ المبعوث الدولي الجديد إسماعيل ولد الشيخ مهمته بإجراء جولة في المنطقة شملت صنعاء ، وخلصت جولته إلى إعلان قرب مفاوضات جنيف 1 ، وقبيل انطلاق الوفود إلى العاصمة السويسرية كشف المبعوث عن صيغة المفاوضات على اعتبار أنها ستكون بين الأطراف الأربعة التي كانت تتفاوض على طاولة موفمبيك برعاية سلفه بن عمر ، وهي انصارالله والمؤتمر الشعبي العام والمشترك والحراك الجنوبي ، وهو ما اعتبر مؤشرا ايجابيا في إمكانية الوصول إلى حل سريع وفاعل من شأنه أن ينهي الأزمة جذريا ,
وفي ما يشبه الإشارات السلبية ، جرى احتجاز وفد صنعاء في جيبوتي على متن طائرة الأمم المتحدة ، و كان يتكون من ممثلي انصارالله والمؤتمر الشعبي العام وبعض ممثلي الحراك واللقاء المشترك ، ذلك التصرف وصف بأنه دليل على ضعف نفوذ الأمم المتحدة بالمقام الأول إضافة إلى كونه يوحي بنوايا التفافية على المفاوضات التي كانت من بين أهدافها امتحان استعداد القوى الوطنية للخوض في الحل السياسي وهو ما من شأنه أن يكشف مدى تأثير الضربات الجوية على قوتهم ميدانيا.
وصف مشاركون في الوفد القادم من صنعاء إلى جنيف إعاقة الرحلة بأنها محاولة لتغييب الوفد عن الجلسة الافتتاحية التي سيحضرها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، وهو ما حصل بالفعل ، حيث حال التأخير بين وفد صنعاء وبين لقاء الأمين العام ، غير ان ذلك لم يترك أثرا في معنويات الوفد كما كان يريد الطرف الآخر الذي سرعان ما اصر على تغيير الصيغة من أطراف سياسية إلى طرفين فقط هما الحكومة والانقلاب بحسب توصيفه.
استجابة ولد الشيخ لتلك الضغوطات بخصوص تغيير الصيغة كانت بمثابة بذرة فشل سريع للمفاوضات الأولى خلال العدوان ، حيث تسبب انقلاب ولد الشيخ على تلك الصيغة التي كان قد أعلن عنها في صناعة هوة سحيقة بين الأطراف تسببت في استحالة جلوسهم إلى طاولة واحدة ، سيما وان بعض المكونات السياسية شهدت انقسامات بين الرياض وصنعاء مثل المؤتمر الشعبي العام والناصري وحتى الاشتراكي الذي كان لايزال أمينه العام يقيم في صنعاء حينها.
بمقابل ذلك الفشل السريع كان وفد صنعاء يحتفي بأول نجاح دبلوماسي خلال العدوان ويتمكن من كسر العزلة والحصار ويستفيد من جولة جنيف 1 في إبراز حقيقة ما جرى ويجري في اليمن من خلال طرح حقائق واطلاع العالم على جرائم العدوان وما ترتب عليه من كوارث إنسانية واقتصادية ، وهو ما لمسه المجتمع الدولي سريعا ، وتلقفته بعض القوى الإقليمية والدولية لتبني عليه فيما بعد في فتح قنوات اتصال مع القوى الوطنية.
وبحسب المعطيات آنذاك فان العدوان سارع بالتزامن مع جولة جنيف 1 إلى التحرك ميدانيا في استغلال للهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة لأغراض إنسانية ، وما ان فشلت الجولة حتى شن العدوان هجوما بريا غادرا عبر أولى بوابات الغزو من جهة عدن التي شن عليها مئات الغارات في اليوم الواحد لتكون بداية احتلال الجنوب الذي كانت القاعدة وداعش على رأس المستفيدين من ذلك ، تلا ذلك التحرك من جهة حضرموت إلى مأرب.
مفاوضات مسقط.. تلد النقاط السبع
فشل جنيف واحد لم يكن المحطة الأخيرة في المسارات السياسية التي ظلت الأمم المتحدة تسلكها عبر مبعوثها متسقة مع جهود قوى دولية وإقليمية بادرت إلى فتح نوافذ للتفاوض بغية إيقاف مسار الحرب والوصول إلى حلول سياسية قبل أن تتفاقم وتستفحل تبعات الحرب وتتعقد الخيارات وتضيق خاصة على دول العدوان نفسها وعلى رأسها السعودية التي باتت اليوم أكثر غرقا في مستنقع الحرب والعدوان على اليمن وباتت فرص الحل السياسي الذي ممكن ان يخرجها بماء الوجه شبه منعدمة.
ومن هذه الحاجة إلى ترميم الملف اليمني قبل أن يستفحل جاءت مفاوضات مسقط التي وصفت بأنها مفاوضات غير مباشرة بين ممثلي القوى الوطنية (أنصار الله – المؤتمر الشعبي العام ) وبين المبعوث الدولي لبلورة حل يجري تقديمه لاحقا إلى السعودية ومؤيديها للموافقة عليه ، وخلال تلك المفاوضات التي تزامنت مع انسحاب الجيش واللجان الشعبية من الجنوب ، قدم الوفد الذي يمثل القوى الوطنية تنازلات وصفت بالمجحفة مثل ان يتضمن الاتفاق القبول بالقرار الدولي 2216 وانسحاب كافة المسلحين من كل الأطراف من المدن وفق إلية يتفق عليها لسد الفراغ الأمني والإداري، ورفع الحصار البري والبحري والجوي، ونتج عن تلك المفاوضات عشر نقاط حملها ولد الشيخ إلى السعودية وقوبلت بنقاط ثمان طرحتها السعودية عبر هادي و وصفت بالتعجيزية التي تطالب وفد صنعاء بالاستسلام أولا ، وحملها ولد الشيخ إلى وفد القوى الوطنية في مسقط كانت بمثابة رفض للنقاط العشر التي اتفق المبعوث عليها مع وفد أنصار الله والمؤتمر في مسقط ، الأمر الذي أدى إلى التفاوض مجددا واختصارها إلى سبع نقاط أخذت في الاعتبار بعض مطالب الطرف الآخر في الرياض ، غير انها بدورها قوبلت بالرفض والمماطلة من قبل طرف الرياض.
خلال تلك المرحلة كان واضحا الدور السعودي والأمريكي في إفشال التفاوض ، الأمر الذي دفع السيد عبدالملك الحوثي للتهديد بالدخول في الخيارات الاستراتيجية بعد تقديم تلك التنازلات ، وهو ما ظهر في التصعيد الصاروخي والعسكري في الحدود السعودية وفي بقية الجبهات ، في رسالة واضحة على ان الخيارات العسكرية لاتزال فاعلة لصالح الجيش واللجان.
بدوره وفد القوى الوطنية استمر في التحاور والنقاش مع اطراف دولية وإقليمية عدة طوال أشهر في مسقط ، ثم برز دور الاتحاد الأوربي لإحياء التفاوض في مسقط مجددا وهذه المرة اتسمت اللقاءات بأنها بين وفد القوى الوطنية وبين السعودية بشكل غير مباشر ، وكانت هذه هي صيغتها ، حيث كان ثمة وسطاء من عمان ومن الاتحاد الأوروبي، ينقلون المقترحات والنقاشات بين الطرفين اليمني والسعودي. وكان سفراء كل من بريطانيا وأميركا وفرنسا في اليمن يلعبون دورا غير مباشر في التأثير على مجريات تلك المحادثات.
في غضون ذلك كانت السعودية والإمارات تحشدان للغزو من الجهة الشرقية منفذ الوديعة باتجاه مارب والجوف ، وهو ما كان يحمل دلالات على نية للالتفاف على تفاهمات مسقط التي وصلت بحسب مصادر إلى تفاهمات عملية بخصوص وقف الحرب والحصار وتفعيل إلية أمنية وعسكرية فاعلة ميدانيا ، إضافة إلى تحركات من جهة ميدي الساحلية.
هذه الإرهاصات الميدانية اتسقت مع إعلان سعودي تضمن اشتراطات عالية السقف للقبول بمخرجات مسقط ، الأمر الذي حكم على مفاوضات مسقط التي استمرت لشهور بالفشل ، وهو ما أنتج واقعا ميدانيا وتعقيدا سياسيا كبيرا ، غير ان كل تلك المحاولات الميدانية لم تفلح في تحقيق الأهداف التي يريدها العدوان رغم الفرصة التي أعطيت له من الأمم المتحدة التي أجلت التحرك السياسي لمدة طويلة ، وأعادت إحياءه في اثر فشل التحرك الميداني الذي لم يستطع تجاوز مدينة مأرب ، لتبرز من جديد تحركات ولد الشيخ ترتب لجولة مفاوضات ثانية في سويسرا.
مفاوضات بيل السويسرية.. فشل مسبق والمخرج أمريكي
في نهاية العام 2015م بدأت تحركات ولد الشيخ التي ترتب لمفاوضات بيل السويسرية ، وكان من ابرز ما تضمنته صيغة المفاوضات أو ما سمي بخطة التفاوض حينها هو اعتبار النقاط السبع قاعدة أو أرضية للنقاشات ، غير ان ذلك سرعان ما تبخر مع أول جلسة.
وبرغم ان المفاوضات لم تنطلق إلا بعد إعلان الأمم المتحدة عن وقف إطلاق نار بين الأطراف جوا وبرا وبحرا ، إلا أن ذلك كان كما يبدو فخا يشبه فخ غزو عدن ، وهو ما كانت قوات الجيش واللجان الشعبية متنبهة له إلى حد ما ، حيث تقدمت قوات الغزو في جهة مأرب والجوف وتمكنت من السيطرة على بعض المناطق في الجوف هي نفسها التي لاتزال محل صراع إلى اللحظة.
اللقاءات المباشرة في بيل السويسرية كانت محاطة بسرية تامة سرعان ما كسرت تلك السرية بالتسريبات التي كانت تصل إلى العربية والجزيرة والحدث اولا بأول ، وفي غضون ذلك طرحت قضايا عملية على الطاولة مثل تبادل الأسرى وإيقاف العمليات العسكرية على كل الصعد تمهيدا لبناء ثقة مبادلة والسماح بإدخال شحنات السلع المحتجزة والوقود ، غير ان ذلك كله ربطه وفد الرياض بما سمي فك الحصار عن تعز وإطلاق شخصيات بعينها مثل الصبيحي ومنصور هادي ، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق ، برغم الشكوك في الدخول إلى ما يشبه اتفاق مبادئ.
وكان قد قدم وفد صنعاء لولد الشيخ مشروعاً ضم رؤيته للحل السياسي، اشتمل على نقاط مهمة وجوهرية ذات أبعاد استراتيجية ، الا ان تعنت وفد الرياض بتلك الطريقة كان يقف وراءه السفير الأمريكي الذي تولى بنفسه إعلان انتهاء المفاوضات قبل ان يتم حتى تحديد موعد لاستئنافها ، كاشفا بشكل فج عن التأثير الحقيقي للأمريكي في مسار التفاوض وهو ما أسهم في تأزم الوضع بشكل اكبر ،
وجلّ ما خرجت به المفاوضات التي استمرت ستة أيام، هو الاتفاق على تشكيل لجنتين؛ إحداهما إنسانية والأخرى عسكرية، إضافة إلى تحديد الرابع عشر من شهر كانون الثاني المقبل موعداً للجولة الجديدة من المفاوضات، من دون تأكيد ما إذا كانت ستنعقد في إثيوبيا وفقاً لما قاله أحد أعضاء وفد الفار عبد ربه منصور هادي أو في إحدى العواصم العربية، وهو مالم يحصل بعد ذلك ، في تعويل كامل على الميدان الذي بدأ يشتعل من جهة الجبهة الشرقية في أطراف نهم.
2
من نجاح ظهران الجنوب.. إلى فشل الكويت 1
اتفاق ظهران الجنوب حاجة سعودية تحت ضغط التقدم اليمني
ولد الشيخ ركب على موجة اتفاق ظهران الجنوب
اتفاق كيري كان محاولة لتصفية مخلفات إدارة اوباما
الوفد الوطني قدم رؤية اعتمدت كمرجعية للحل
ظهران الجنوب.. ضغط يمني أنتج وقف نار وجولة الكويت
التصعيد العسكري عالي الوتيرة التي شهدتها جبهات ما وراء الحدود عقب فشل جولة سويسرا الثانية كان استراتيجي الانجازات و تمثل في توغل متسارع ومستمر الوتيرة في داخل الأراضي السعودية في جيزان حيث وصلت قوات الجيش واللجان إلى جبل الدود والدخان والخوبة ، وفي عسير حيث تمت السيطرة على الربوعة واستعادة قلل الشيباني ، وفي نجران حيث صارت قوات الجيش واللجان على مشارف مدينة نجران وسيطرت على معظم المواقع العسكرية المحيطة بها من جهة الجنوب والغرب.
هذا الأمر دفع بالمملكة الى فتح قنوات تواصل مع قيادة أنصار الله ، نتج عنها مفاوضات سرية في مدينة ظهران الجنوب بعسير ، بين وفد سعودي رفيع وبين وفد من أنصار الله برئاسة ناطق أنصار الله محمد عبدالسلام ، وبحسب مراقبين فان تلك المبادرة السعودية تذكر بمبادرة سابقة أنهت الحرب السادسة ، غير ان محللين وسياسيين اعتبروها شعورا سعوديا بالمأزق والورطة في اليمن ومحاولة للخروج منها بعيدا عن الأضواء وبعيدا عن التأثير الأمريكي الذي بات السعوديون يدركون انه يورطهم أكثر.
ونستطيع ان نقول ان الضغط الميداني على السعودية ربما انتج مفاوضات سميت بمفاوضات ظهران الجنوب التي بدورها اثمرت اتفاق وقف النار الذي عرف يومها باتفاق ظهران الجنوب وهو اتفاق ينص على وقف شامل لإطلاق النار وتبادل أسرى ونزع الغام من المناطق الحدودية ، إضافة الى تشكيل لجنة تهدئة ، على أن يكون ذلك تمهيدا لتسوية شاملة تتكئ على تلك الخطوات المفترض أن تكون مرتكزات بناء ثقة بين اليمن والمملكة.
بدأت تسري بعض بنود الاتفاق بشكل جزئي من خفض منسوب قصف الطيران في بعض المناطق وتبادل الأسرى ونزع الألغام من بعض المناطق ، وتوقفت الى حد ما الأعمال العسكرية في بعض جبهات ما وراء الحدود في بادرة حسن نية من قبل الجيش واللجان الشعبية وهو مالم تلتزم به السعودية التي قصفت سوق مستبا خلال الأيام الأولى من الهدنة وبدأت بعض الزحوفات من جهة ميدي عبر مجاميع من مؤيديها تم تدريبهم داخل المملكة.
وكان ناطق أنصار الله ورئيس وفدها المفاوض قد أدلى بتصريحات تحذر من استمرار الخروقات السعودية التي وصفها بانها تهدد المشاورات ، وقال ” ان خروقات كالتي حصلت في ميدي أمس، قد تفشل التفاهمات ” ، مؤكدا أن الجيش واللجان الشعبية سيردون بأكثر من ذلك في أية محاولات تصعيدية.
وكان من أبرز ما نتج عن اتفاق ظهران الجنوب هو وصول 116 أسيراً يمنياً إلى صعدة، ، مقابل تسليم حركة «أنصار الله» عشرة من أسرى الجيش السعودي، إضافةً إلى تبادل نحو 80 جثماناً بين الطرفين بعد ثلاثة أسابيع من الاتفاق الذي أفضت إليه اللقاءات المباشرة بين مسؤولين سعوديين وآخرين من «أنصار الله» في ظهران الجنوب، وظهر من خلال تلك الصفقات أن الأسرى التي أفرجت عنهم السعودية كانت قد اشترتهم من عملائها في الجنوب ، بمعنى أنهم أسرى في جبهات الداخل وهو ما اعتبر فضيحة للسعودية وللموالين لها في الداخل.
لم تمر سوى أيام على سريان بعض مخرجات ذلك الاتفاق حتى ركبت على موجته الأمم المتحدة التي أرسلت مبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ احمد إلى صنعاء للتباحث حول إمكانية إحياء المسار السياسي بعد شهور من التصعيد العسكري المتواصل ، وقالت مصادر سياسية يومها ان المبعوث انما أتى إلى صنعاء ركوبا لموجة التفاهمات بين السعودية وأنصار الله في ظهران الجنوب ، ورجحت المصادر أن تحرك ولد الشيخ جاء بايعاز أمريكي الغرض منه توجيه مسار التفاوض السياسي والتحكم فيه وأخذه بعيدا عن المسار الثنائي بين المملكة وأنصار الله.
وفي هذا الصدد كان عبدالسلام قد صرح بان اللقاءات في ظهران الجنوب هي ما سيحدد ملامح أي حوار مقبل، باعتبار أن الطرف السعودي هو المعني وصاحب القرار.
مسلسل مفاوضات الكويت.. فشل بحجم التفاؤل :
بالرغم من إدراك قوى صنعاء تلك الخلفيات وراء تحرك المبعوث الدولي على موجة نجاح مفاوضات ظهران الجنوب في التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل ، الا ان جولته التي بدأها من صنعاء ثم الرياض ثم الكويت أثمرت إطارا للترتيب لجولة الكويت التي عقدت في وقت لاحق في مسلسل طويل من المباحثات والأخذ والرد والأمل والتفاؤل والابتعاد والاقتراب من الحلول ، وكادت ان تصل في نهايتها الى اتفاق لولا تدخل المخرج الأمريكي عقب زيارة بن سلمان الى واشنطن التي كانت بمثابة الرصاصة التي قتلت تفاهمات ظهران الجنوب ومن ثم أجهزت على جولة الكويت برمتها.
بدأت جولة الكويت من تشكيل لجنة التهدئة والتنسيق من كل الأطراف (الوفد الوطني – وفد الرياض ) التي توجه ممثلو أطرافها الى الكويت باكرا قبل تحرك الوفود المفاوضة ، وذلك بناء على ترتيب من الأمم المتحدة يقضي بان يجري عقد ورشة عمل للجنة قبيل انطلاق المشاورات.
فيما واصل المبعوث الدولي ولد الشيخ التشاور مع الأطراف حول أجندة المشاورات ، في تلك الأثناء كان الوفد الوطني ( أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام ) يصرون على ان يكون هناك ضمانات لنجاح المشاورات ولتنفيذ مخرجاتها بعد تجارب الفشل السابقة التي يرون انها كافية للحكم مسبقا على ضعف الأمم المتحدة ومبعوثها.
ونشرت آنذاك أنباء تفيد أن قوى صنعاء كانت لاتزال ترى أن الغموض مايزال يهيمن على الجولة المرتقبة في الكويت، وأنه لا أجندة واضحة لها وهو ما كان ما يهدّد بتكرار تجارب المحادثات الفاشلة السابقة.
خلال تلك المرحلة كان رئيس وفد أنصار الله قد أكد أنه لم تقدَّم بعد أجندة واضحة للحركة بخصوص جدول أعمال المفاوضات، ولا مشروع واضح المعالم لوقف إطلاق النار أيضاً. وأضاف أن مشاورات الكويت قد تلقى مصير مشاورات جنيف السابقة، إن لم يكن هناك إرادة للسلام.
وفي ما اعتبر حينها محاولات حرف مسار الجهود الرامية لاحياء المفاوضات كان ولد الشيخ يدلي بتصريحات غير متفق عليها مثل إعلانه انه اتفق مع أنصار الله على النقاط الخمس لتكون أساسا للمشاورات وهي نقاط استسلام كما وصفت يومها ، وفي رد على ذلك أكد عبد السلام أنه لم يُتَّفَق على تلك النقاط وأنها جاءت من طرف ولد الشيخ فقط.
مؤشرات عدة كانت تنذر بفشل الوصول الى الكويت ، غير ان الكويت أرسلت رسالة طمأنة لأنصار الله ، ونشرت وسائل إعلامية عن مصادر مطلعة يومها ان أمير الكويت بعث برسالة طمأنة الى السيد عبدالملك الحوثي زعيم أنصار الله يؤكد له ان بلاده حريصة على انهاء الوضع في اليمن من موقعها كمراقب وليس كمشارك في العدوان على اليمن ، وبحسب المصادر فإن الرسالة حملت يومها تأكيدات من الكويت انها لم تشارك في التحالف الا من منطلق اتفاقية التعاون المشترك بين دول الخليج وتقف قواتها داخل حدود المملكة وأنها لم تشارك بالطيران ، مبدية حرصها على إنهاء الصراع في اليمن من منطلق انها دولة ذات تعدد طائفي ويهمها ان لاتصل عدوى تلك الصراعات إليها ، وهي ما شجعت قوى صنعاء ان تذهب إلى الكويت بناء على تعهدات اوحت بها رسالة الأمير الكويتي بالجدية في إنجاح المشاورات برعايتها.
بقيت مسألة الجدية في وقف النار تشكل عقبة كؤد في طريق نجاح انعقاد المشاورات ، غير ان ذلك لم يدم طويلا حيث رجحت القوى الوطنية بصنعاء الذهاب للمفاوضات قبل تثبيت وقف النار ، على اعتبار ان لا فرق في انعقاد المشاورات في ظل استمرار الحرب والحصار أو توقفهما فالهدف هو الوصول إلى حل شامل ينهي الوضع برمته ، وكان ذلك الموقف هو إثبات لنيتها في ان ينجح المسار السياسي وحرصها على السلام ، فيما عد ذلك امتحانا لجدية الموقف الدولي وموقف الطرف الآخر من السلام.
انطلقت الوفود إلى الكويت منتصف ابريل الماضي ، وكانت تلك خطوة مهمة تركت تفاؤلا في أوساط الشارع اليمني الذي كانت أنظاره متجهة صوب الكويت طوال أشهر ثلاثة هي فترة المشاورات في مرحلتها الأولى إضافة إلى أسابيع مفصلية هي مرحلتها الثانية.
الجولة الأولى
انطلقت مشاورات الكويت بجلسة مفتوحة بثت على الهواء مباشرة ، تلتها جلسة مغلقة شهدت نقاشات أفضت الى تشكيل لجان مشتركة متخصصة في القضايا الأساسية للمشاروات وهي اللجنة الأمنية والعسكرية واللجنة الإنسانية والأسرى ولجنة التهدئة والتنسيق ثم اللجنة السياسية التي تتلقى ما تم التوصل إليه في كل لجنة من اللجان السابقة وتبني عليه اتفاقا.
النقاشات استمرت بشكل سري ، اوكما يفترض انه سري ، عدا تسريبات كانت ترسل إلى بعض القنوات التابعة للسعودية وقطر والإمارات ، كانت واحدة من الأسباب الرئيسية في توتر الأجواء بين المتفاوضين ، تضاف الى المؤتمرات الصحفية التي كان يعقدها المبعوث الدولي ويظهر فيها منحازا لطرف الرياض ومتبنيا لقضاياه وأطروحاته ، الأمر الذي بدوره أسهم في توتير الأجواء وتعكير مسار المشاورات.
في الأيام الأولى من الجولة الكويتية ، التقت الوفود بأمير الكويت الذي أكد لهم ان بلاده جادة في انهاء الأزمة وتوصل الأطراف إلى حل شامل وانه عازم على ان لا مغادرة للكويت قبل التوقيع على حل ، وكانت هذه التأكيدات الأميرية تبعث على التفاؤل أيضا وأسهمت في تحريك الجلسات بوتيرة عالية في الأسابيع الأولى.
لجنة الأسرى والشؤون الإنسانية هي أول لجنة تصل الى ترتيبات عملية وسهلة في الجانب الإنساني ، حيث توصلت الى ان يتم تبادل جميع الأسرى في غضون أسبوع ثم أسبوعين ، غير ان وفد الرياض لم يكن يمتلك حق التواصل مع قادة جبهات الميدان الذين رفضوا التعاطي مع ما تم التوصل إليه في الكويت بخصوص تبادل الأسرى وإدخال المساعدات ، الأمر الذي كان بمثابة فشل لملف الأسرى.
في ذات الوقت كانت صفقات تبادل أسرى تجري ميدانيا بعيدا عن تنسيق الأمم المتحدة وعن مشاورات الكويت حيث عقدت أكثر من عشر صفقات في كل من تعز والبيضاء ولحج وشبوة ومارب والجوف بين السلطات في صنعاء وبين قيادات المرتزقة الموالين للتحالف ، الأمر الذي عد محرجا للأمم المتحدة ومبعوثها الذي فشل حتى في الإدلاء بتصريح يكشف الطرف الذي أفشل ملف الأسرى في الكويت ، وهو ما وصف بانه تواطؤ أممي.
في الجانب العسكري والأمني لم يتم التوصل إلى صيغة متفق عليها ، وهو الحال بالنسبة لجانب إيقاف النار والتهدئة حيث كانت ترفض القوى الميدانية الموالية للعدوان التجاوب مع لجان التنسيق والتهدئة المشكلة من الكويت ، وهو أيضا ما تستر عليه المبعوث الدولي والأمم المتحدة.
وكانت الوفود قد تقدمت برؤى للحل في وقت لاحق ، وأكدت مصادر أممية ان الوفد الوطني القادم من صنعاء تقدم برؤية شاملة ومنصفة ومنطقية للحل السياسي ، فيما لم يقدم طرف الرياض أي رؤية عملية ، واكتفى فقط بتكرار طلبات الاستسلام وإعادة ما كان يسمى بالشرعية إلى صنعاء وتأمينها وتمكينها من السلاح ، وهي رؤية أثارت سخرية سفراء الدول العشر الذين كانوا يراقبون المشاورات عن قرب.
رؤية الوفد الوطني التي نصت على ضرورة أن يكون الحل على مراحل ثلاث يتزامن فيها الترتيب السياسي مع الترتيب الأمني، وذلك بتشكل سلطة انتقالية بما فيها مؤسسة الرئاسة والحكومة بالتزامن مع تشكيل مجلس عسكري وأمني ، يعملان لمدة عامين على ترتيب الوضع الداخلي وإيقاف العدوان والحصار ورعاية حوار وطني بين المكونات الأربعة من حيث انتهى المبعوث السابق جمال بن عمر في مهمته ان يصل بالبلد الى انتخابات نيابية ورئاسية واستقرار سياسي، وهو مانال إعجاب المجتمع الدولي والمراقبين ، ولكنه آثار حفيظة وفد الرياض الذي انسحب من المشاورات عدة مرات إحداها بايعاز قطري.
الانسحابات المتكررة من قبل فريق الرياض كان مؤشرا على امتعاض السعودية وقطر وتبدل في مواقفها من المشاورات الأمر الذي أنتج جوا متوترا منع من انعقاد أي جلسات مباشرة طيلة الفترة المتبقية، وبحسب مصادر دبلوماسية فاإن السفير الأمريكي كان يمارس دورا سريا في إدارة تحركات وفد الرياض بهدف تعيقد الأمور.
وهو ما تزامن مع جولة ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن وصفت بانها تهدف الى إفشال مشاورات الكويت ونيل الضوء الأخضر للعودة للتصعيد من قبل الولايات المتحدة ، وهو ما يحيلنا إلى اتفاق ظهران الجنوب الذي كانت تسريبات تقول انه جاء بمبادرة من قبل تيار محمد بن نايف ورغبة منه في انهاء الحرب بعيدا عن رغبة أمريكا التي تجر المملكة إلى مستقبل مجهول ، ومن هذا المنطلق وصفت زيارة بن سلمان إلى أمريكا بانها سعي لإفشال اتفاق ظهران الجنوب وتقديم تعهدات لأمريكا بالحسم العسكري ، ومن هنا عادت أصوات التغني بالحسم العسكري لتعلو من جديد على أصوات الحل السياسي الأمر الذي أوصل مشاورات الكويت إلى طريق مسدود.
السعودية التي رجعت لتسلك مسلكا آخرا ، قدمت في الأسبوع الأخير من الجولة الأولى من مشاورات الكويت مقترحا وصف بالتعجيزي ، وهو ان يتم توقيع صيغة اتفاق يعده المبعوث الدولي ( مقاربا لرؤية الوفد الوطني ) على أراضيها باعتبارها هي من يرعى السلام ، وهو ما ازعج الكويت والوفد الوطني ، وبحسب ما كان يقال يومها فإن موافقة مبدئية من الوفد الوطني على أن يتم التوقيع في مكة المكرمة أبلغت بها السعودية ، غير ان السعودية عادت لتطرح أن يتم توقيع اتفاق عسكري وامني أولا ثم اتفاق سياسي وهو ما يعني التوقيع على الاستسلام وتسليم الأرض للتحالف أولا ، الأمر الذي قوبل بالرفض ,
رفعت الجولة الأولى من مشاورات الكويت على أن تتم العودة بعد رمضان ، وهو ما لم يتم الا بصعوبة بالغة في ما بعد ، رافق ذلك تصعيد عسكري كبير من طرف تحالف العدوان على اليمن مما أوحى بان لانية حقيقية في إنجاح مساعي الكويت.
يذكر ان إحاطة ولد الشيخ خلال مفاوضات الكويت لم تكن شفافة ولم تتضمن توصيفا حقيقيا لمجريات المشاورات ولم تشر إلى الطرف المعيق بل تضمنت اتهامات للأطراف الوطنية في صنعاء وتجاهلت الأطراف الأخرى وانتهاكات العدوان وحلفائه المتكررة ، ولم تكن واضحة في ما يخص الوضع الإنساني.
ولعل الحدث الأبرز الذي وقع خلال تلك المشاورات هو فضيحة الأمم المتحدة التي تراجعت في وضع اسم السعودية في القائمة السوداء نتيجة قتل الأطفال في اليمن ، متذرعة بان السعودية هددتها بقطع المساعدات المالية ، الأمر الذي كشف حقيقة موقف الأمم المتحدة الضعيف أمام السعودية التي اتضح انها تعول المؤسسة الدولية العتيدة.
3
من إعلان فشل الكويت 2.. إلى إعلان عجز الأمم المتحدة ومبعوثها
مفاوضات الكويت.. الجولة الثانية
فشلت الأمم المتحدة ومبعوثها في عقد الجولة الثانية بعد مرور فترة الإجازة التي أعلنها ولد الشيخ في ختام الجولة الأولى ، خلال مؤتمر صحفي عقده في الكويت قوبل بإعلان رفض مباشر من وفد الرياض الذي غادر الكويت قبل المؤتمر الصحفي بيوم واحد .
حيث أعلن وفد الرياض بشكل قاطع رفضه للعودة للكويت ، معتبرا أن الحل السياسي المقدم من ولد الشيخ يعني شرعنة ما يسمونه ” الانقلاب ” في إشارة واضحة إلى أن الحل بني على رؤية الوفد الوطني القادم من صنعاء الذي أحرج الأمم المتحدة وسفراء الدول الـ 18 يومها باعتباره الصيغة المنطقية ، وظل ولد الشيخ يواصل تحركاته في محاولة للوفاء بالتزاماته .
وبعد مساعٍ حثيثة دولية وإقليمية نجح ولد الشيخ في إقناع السعودية بإعادة الوفد للكويت ، غير أن ذلك اقترن بورقة سعودية قدمتها للحل مختلفة على الورقة التي قدمها ولد الشيخ .
تلك الورقة السعودية سربت عبر وسائل إعلامية غربية و سرعان ما كانت محل إعاقة لعودة انعقاد المشاورات ، بعد ان انطلق وفد صنعاء الى مسقط باكرا .
انعقاد الجولة الثانية لم يكن مبشرا ، ولم تكن تفاصيلها ذات أهمية في التناول غير أنها كانت مجرد أيام لترتيب وإخراج فشل المشاورات برمتها ، وكان من ابرز ما شهدته تلك المشاورات هو سفر المبعوث الدولي ورئيس وفد الرياض إلى موريتانيا لمدة أسبوع للمشاركة في قمة إسلامية ، وهو ما استغرق أسبوعا ، في ما وصف بأنه تجاهل للمشاورات .
في تلك الأثناء أعلنت الكويت مهلة 15 يوما للتوصل لاتفاق مالم فسيتم إنهاء استضافتها لها ، وكانت هذه بداية نهاية مشاورات الكويت .
الأخذ والرد حول الورقة السعودية وحول ورقة ولد الشيخ المعدلة وحول الحل المجزأ والمتزامن وما إلى ذلك لم يصل إلى نتيجة ، بل كانت الأيام تكشف ضعف الأمم المتحدة وفشلها في ضبط إيقاع التفاوض من حيث المبدأ ، مما اخرج الأمور عن سيطرتها وانتهت المهلة الكويتية ليعود الوفد الوطني إلى مسقط ، وتحدث الفضيحة الأكبر للأمم المتحدة.
احتجاز الوفد الوطني في مسقط
لم تخجل الأمم المتحدة من عجزها إعادة الوفد الوطني من مسقط إلى صنعاء بعد فشل مشاورات الكويت ، حيث رفض تحالف العدوان السماح للطائرة العمانية ان تعبر أجواء اليمن كما هو معتاد في كل المراحل السابقة ، وفي نفس الوقت كان تحالف العدوان قد فرض حصارا جويا منع من خلاله الطائرات المدنية والتجارية من الوصول إلى مطار صنعاء في خطوة وصفت بالتصعيدية تزامنت مع تشديد الحصار البحري وتضييق الخناق على الوضع الإنساني بالتزامن مع التصعيد الميداني والجوي .
وبرغم محاولات الأمم المتحدة تغطية فضيحتها عبر طرح مقترحات ان تنقل الوفد إلى صنعاء عبر طائراتها إلا أن ذلك جاء عبر شروط مهينة وتعجيزية ، الأمر الذي اضطر الوفد الوطني الإقامة في عمان لما يقارب الثلاثة أشهر ، وخلال تلك المدة الطويلة إرهاصات وتحركات كثيرة شهدتها المرحلة أبرزها زيارات الوفد الوطني لعدد من دول العالم .
إعلان كيري.. فشل الإدارة الأمريكية المغادرة
بعد عودة الوفد الوطني إلى صنعاء بأيام غادر وفد من أنصار الله إلى مسقط مجددا ، وخلال تلك المرحلة زار الوفد الصين وروسيا ، وصفت تلك الزيارات بأنها مثمرة سيما فيما يخص اطلاع تلك الأقطاب الدولية الفاعلة على تفاصيل القضية اليمنية واستقطاب موقفها قدر الممكن .
ابرز ما أسفرت عنه تلك المرحلة هو إعلان كيري الشهير عن اتفاق بين اليمن والسعودية بعد أسبوعين من اجتاع عقدته الرباعية في لندن ، جرى ذلك خلال جلسة عقدت بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وبين وفد انصارالله ليلة كاملة أعلن على أثرها كيري عن اتفاق مفاده استئناف المفاوضات ووقف شامل للنار وتشكيل سلطة جديدة قبل نهاية عام 2016م .
تصريحات كيري، لم تكن بالحجم الذي صوره الإعلام حينها ، بل ظهر بانه مجرد تفاهم على مبادئ ، فيما بقي الأمر مرتبطاً بالسعودية والادارة الجديدة للولايات المتحدة ، ومدى جدية الاخيرة في وقف شامل للحرب ورفع الحصار، ومن ثم الدفع باتجاه توقيع اتفاق شامل ينهي الأزمة ويفضي إلى تشكيل سلطة جديدة، وهو ما وضع كل تحركات كيري في خانة المحاولات الفاشلة في الوقت الضائع.
ذلك الاتفاق قوبل برفض وفد الرياض ، وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة ان رفض طرف الرياض ترجمة لرفض سعودي للاتفاق الذي عقده وزير الخارجية في الإدارة الأمريكية المغادرة بعد فوز الرئيس الأمريكي ترامب بالانتخابات .
أما أنصار الله التي تعد طرفا في تلك التفاهمات فقد أعلنت موقفها عبر تصريح متلفز لرئيس وفدها وناطقها الرسمي محمد عبد السلام الذي قال : «جاءت أميركا لتمثل دول العدوان، وكنا نجلس تحت إشراف الطرف العماني الذي هو طرف متابع ومراقب وضامن لأن تلتزم أمريكا وتُلزم مرتزقتها وأن تفي الدول الأخرى بتعهداتها»، مشيراً إلى تعويل جماعته على استمرار الدور العماني في التواصل مع المجتمع الدولي ، وأضاف «نحن جادون من أجل السلام ولا نقبل بأي تجاوزات أو التنازل عن حقوقنا»، واضعا الرهان يبقى على مدى الالتزام بتنفيذ تلك التفاهمات على الأرض، باعتبار الضمان هو التنفيذ.
ووصف محللون وسياسيون أن اتفاق كيري يأتي في سياق محاولة إدارة اوباما تصفية أوراقها في المنطقة قبيل تسليم السلطة ، وهو ما دفع السعودية لإفشاله باعتبار أنها سترتب مع الإدارة الجديدة الملف اليمني حسب ما جاء في تصريحات لمسؤولين سعوديين ومسؤولين في حكومة هادي في الرياض .
تحركات عبثية للأمم المتحدة ومبعوثها.. تنتهي برفض ولد الشيخ
تحركات المبعوث الدولي التي أعقبت إعلان كيري لم تنقذه ، بل ربما أسهمت في إفشاله، فالمدة المحددة لاستئناف المفاوضات وتشكيل سلطة جديدة بحسب الاتفاق الذي أعلنه كيري انتهت دون ان ينجز شيء مما تم إعلانه ، حتى وقف النار الذي يفترض ان يكون أولى الخطوات أعلنه مبعوث الأمم المتحدة بشكل مختلف ويتفق مع ما تريده الرياض التي أعلت هدنة انتهت قبل ان تسري .
تسلم إدارة ترامب البيت الأبيض كان بمثابة وفاة طبيعية لإعلان كيري الذي أصبح غير موجود في التناول الدولي للأزمة اليمنية ، واستمر التباطؤ في التحرك الذي تبذله الأمم المتحدة التي ظل مبعوثها يراوح مكانه في مهمته التي لم ينجح في اي مرحلة من مراحلها .
وفي محاولة منه لإنقاذ مهمته أمام الأمين العام الجديد للأمم المتحدة ، قام ولد الشيخ بإجراء جولة شملت صنعاء وعدن والرياض والكويت ، وكانت قد برزت بعض الأنباء عن وجود مقترح جديد لولد الشيخ يتضمن خارطة طريق جديدة أو معدلة وهو مالم يكتب له النجاح، ووصفت تلك التحركات بأن الغرض منها جمع مادة للإحاطة التي تقدم بها المبعوث أمام مجلس الأمن و بدا فيها مجافيا للواقع وبعيدا عن الحل وأقل بكثير من مستوى المهمة المكلف بها والمسؤولية الضخمة تجاه اخطر ملف وأسخن وضع في العالم حاليا .
نهاية وساطة ولد الشيخ.. مبعوث غير مرحب به
وصف مراقبون وسياسيون فشل المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ بغير المسبوق في تاريخ الوساطات التي تبنتها الأمم المتحدة ، حيث انه طوال مهمة الألف يوم لم ينجز أي اختراق في الملف اليمني الذي كلف بحله ، وفي كل مرحلة تفاوض ومشاورات ينتهي ولد الشيخ إلى نقطة فشل وفضيحة انحياز لطرف العدوان .
كما أن انكشاف انحيازه إلى طرف العدوان التي ابسط أدلتها إداناته المتكررة لصواريخ الجيش واللجان الشعبية اليمنية التي تستهدف أهدافا عسكرية سعودية، مقابل تجاهله مئات المجازر بحق المدنيين وجرائم الحرب التي لم يكلف نفسه المبعوث حتى مجرد إدانة شكلية، هو الانكشاف الأول من نوعه في تاريخ الدبلوماسية الدولية ومثل فضيحة كبيرة للأمم المتحدة، دفعت السلطات في صنعاء إلى رفض التعاطي معه وحتى مجرد مقابلته حين أتى في زيارته الأخيرة إلى صنعاء حاملا مقترح تسليم الحديدة .
ولعل مقترح تسليم الحديدة كان آخر مسمار في نعش التحركات الدولية الهزيلة ، إذ بدا أن المبعوث الاممي إسماعيل ولد الشيخ مجرد رسول يحمل مطالب العدوان السعودي الأمريكي ويسعى لتحقيق ما عجز عن تحقيقه العدوان بالحرب، دون مراعاة لأدنى معايير وضوابط العمل الأممي المفترض أن يكون امميا وحياديا.
كان هذا التحرك الاممي بمثابة إعلان انتهاء دور الأمم المتحدة في الملف اليمني وليس فقط نهاية وساطة ولد الشيخ ، ليصبح القرار بيد الميدان في حسم الملف اليمني الذي لايبدو أن المجتمع الدولي يمتلك قرار حسمه سياسيا في ظل عدم تحقق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية من وراء كل هذه النيران التي تحرق اليمن و وقودها اليمنيون .