عبدالكريم الحر في كبد السماء
مطهر يحيى شرف الدين
جلست معه والتقيته عدة مرات أولها كان لقائي به حين أجريت معه لقاءً صحفيا في العام 1998م حين كان رئيسا لتحرير صحيفة الأمة الصادرة عن حزب الحق ، ساعة من الوقت قضيتها أول مرة مع إعلامي بارز وناشط سياسي محنك، رأيت فيه صدق الكلمة الحرة والنظم الدقيق في سرد الحديث عن دور الإعلام والصحافة “السلطة الرابعة” في الرقابة على أجهزة الدولة ومرافقها وكشف أوجه الفساد والاختلالات السائدة في بعض الأنظمة الجمهورية ، كنت حينها في السنة الثانية بكلية الإعلام ولا أدري لماذا كان البعض من الناشطين السياسيين والإعلاميين يهمسون في أذني ألا اقترب كثيرا منه وسبب ذلك تشكيكهم في ولائه وانتمائه للمكون الذي ينتمي إليه وأنه ربما كان مخبرا أو من هذا القبيل.
وعموما لم أكترث نهائيا لمثل تلك الأقاويل والدعايات التي اتضح فيما بعد أنها مغرضة وحاقدة ، كنت أحدث نفسي وأقول مستحيل جدا أن تكون تلك الهامة الإعلامية الوطنية الشامخة عميلة لنظام جائر أو سلطة ظالمة ، كنت معجبا بشخصيته ونشاطه ومهنيته العالية وكتاباته الهادفة الى الرقي بهذا الشعب والسعي لتمكينه قراره المستقل والسيادي في تقرير مصيره ومستقبله السياسي والاقتصادي ، لاحظت صدق الوجدان والمشاعر النابعة من قلبه وتأملت في عينيه الجاحظتين الجميلتين شعلة وقادة وشرر يوحي بالبحث والمعاناة سعيا لنيل الحرية.
المفكر الرائد عبد الكريم الخيواني صاحب الرؤية الثاقبة في تحديد وتنوير ملامح مستقبل مجتمع طالما كان يعيش في ضبابية من أمره ، وحاملا في صدره توجهات جادة نحو السعي لإصلاح الخلل وآفاق واسعة لتقويم الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، فعلا اندهشت من حديثه الذي إن دل فإنما يدل على حسه المرهف وقوة طرحه وبيانه لتفاصيل ما يحاك و يجري آنذاك من احتكار للسلطة، إذ أن تبنيه للفكرة المتمثلة في مناهضتها للنظام وحمله لقضية وطن ومستقبل شعب قد جعلت منه وفق رؤية النظام آنذاك معارضا ومتآمرا ومخربا وداعيا للفتنة ، لم أكن أتوقع أنه سيكثف وسيعزز ويصمم فيما بعد على مواصلة مبدأه المواجه لثلة قليلة من المحتكرين للقرار الساعية للتوريث.
الحصيف الإعلامي الحر رائد الصحافة اليمنية عبدالكريم الخيواني أطلق في وقت مبكر أفكاره ومبادئه الرامية إلى تحقيق التوازن في قيادة وإدارة الدولة المدنية الحديثة، داعيا إلى تحقيق التداول السلمي والحقيقي للسلطة في زمن صمت فيه الساسة وغض الطرف الكثير من وجاهات الدولة ومنتسبي سلطاتها من أتباع النظام وأركانه مسؤولين وقادة وعلماء الذين كان همهم وشغلهم الشاغل البحث عن المنصب والجاه ومديح السلطان، في حين كان عبد الكريم باحثا عن مبدأ وقضية سياسية تهم الشعب بأكمله في زمن لم يجرؤ أحد من أولئك أن ينطقوا أو يتحدثوا مع بعضهم البعض أو حتى مع أنفسهم عن تلك التوجهات والأفكار التي ناضل وكافح من أجلها إعلامي بارع يعرف مهام مهنته ، كان الخيواني يتنفس حرية وكرامة وهو بحق المحنك بالعقلية المدركة للخطر المسكوت عنه ، تمت تصفيته في ذكرى جمعة الكرامة ، ذلك أن الكريم عبد الكريم هو رمز للكرامة وهو المنبر الصادق والحر والشجاع الذي لم يثنه عن منهجه وأفكاره في يوم من الأيام سجن أو معتقل أو تعذيب أو ترغيب أو ترهيب ظل رافضا للاستسلام يأبى الخنوع والخضوع إلا لله العزيز الجبار المنتقم الجدير وحده بالعبادة والخضوع ،
ذاك الكريم الحر في كبد السماء، لماذا تخضب بالدماء ! أوليس نجما هز عرش الظلم والطاغي ! يا ثائرا يا شامخا كالطود يا علما ويا نورا به يستضاء ، يا غيمة ظلت تلطفنا بالمزن والأنسام في زمن الجفاء ، سأظل أسكب عبرتي ما دام وحيك في القلوب وفي الدماء ..